رهان حزب الله على الوقت في مواجهة قوى الاستسلام
بقلم توفيق المديني
بعد أن كان حزب الله لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط، يسطر بطولات غير مسبوقة بقيادته جبهة الإسناد في مواجهة العدو الصهيوني دفاعاً عن قرى جنوب لبنان الأمامية، في أعنف مجابهة عسكرية شمال فلسطين ضد جيش الاحتلال الصهيوني منذ انطلاقة عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولغاية توقيع وقف إطلاق النار مع “إسرائيل” في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وفق القرار الأممي 1701 الذي انتزعه حزب الله عام 2006 عندما كان الكيان الصهيوني مهزوماً في الحرب.
ها هي الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام تتخذ يوم الثلاثاء 5 آب/أغسطس الجاري، قراراً وُصِف بـ “التاريخي” إثر تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي، في خطوة اعتُبرت بمنزلة إعلان صريح بعدم شرعية سلاح حزب الله بعدما كان يُدخَل على مرّ عقود على المعادلة الذهبية المعروفة بـ “الجيش والشعب والمقاومة”.
وأعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أنَّ مجلس الوزراء قرّر في جلسته “استكمال النقاش في الورقة التي تقدّم بها الجانب الأمريكي إلى يوم الخميس في 7 أغسطس/آب الجاري، وتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي بيد الجهات المحددة في إعلان الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية وحدها وعرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لنقاشها وإقرارها”. إنَّه القرار الذي اعتبره المحللون والخبراء، بأنَّه يعكس خضوعاً واضحاً للدولة اللبنانية وكبار مسؤوليها للضغوط الأمريكية والخليجية من أجل إقرار حصرية السلاح بيد القوات الشرعية اللبنانية وحسب. فضلاً عن أنَّ القرار يُشكّل خرقاً واضحاً للدستور اللبناني، والبيان الوزاري، وخطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية، ويغفل حقيقة أساسية: لا دولة في العالم تتخلى عن سلاح يحميها في ظل احتلال صهيوني وخطر وجودي على أرضها.
قبل أن نبدأ في مناقشة هذا القرار اللاوطني من جانب الحكومة اللبنانية، نود أن نوضح النقطة التالية: كان واضحاً أنَّ أمريكا زعيمة المعسكر الغربي قد أعطت لنتنياهو الفرص التي يريدها لإنهاء حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزَّة، وفي مواجهة حزب الله الذي يقود جبهة الإسناد شمال فلسطين، بانتصارٍ إسرائيليٍ مطلقٍ على محور المقاومة.
لذا كان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، والرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، يُرَدِّدَان مِرَاراً وتكراراً خلال الأشهر الماضية: الحرب تتوقف فوراً إذا ما قررت حماس إلقاء أسلحتها، وتجريد حزب الله من سلاحه. هذا يعني أنَّ الحرب بنظر القوة الأعظم في العالم تنتهي فقط بانتصار إسرائيلي وهزيمة قاطعة لحماس ولكل فصائل محور المقاومة على الأقل، وعندما نقول بنظر أمريكا فهذا يشمل حلفاءها الغربيين أيضاً بمن فيهم فرنسا التي اقترح رئيسها في بداية الحرب تشكيل تحالف دولي لقتال حماس على غرار التحالف الذي أدى إلى الانتصار على داعش وأصدرت مذكرة قضائية بمحاكمة كل مواطن يعتبر “حماس” حركة مقاومة.
فالحرب الأمريكية – الصهيونية في قطاع غزة، وعلى لبنان، لم تنته بإعلان وقف إطلاق النار، بل دخلت مرحلة جديدة بوتيرة وتكتيكات مختلفة، في مؤشر واضح على الإقرار بعدم تحقيق أهدافها الاستراتيجية، على الرغم من الضربات القاسية وغير المسبوقة التي ألحقتها بحزب الله”. فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، الحرب لن تنتهي ما لم يتم تجريد حزب الله من سلاحه، وبالتالي تصفية محور المقاومة، مستغلين التحولات الاستراتيجية التاريخية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ومجيء نظام جديد في دمشق لم يخف نيّته التقارب مع الغرب، وتبنّي أولوياته الاستراتيجية في المنطقة، لا سيما حماية أمن “إسرائيل”، والإسهام في إحكام الطوق السياسي والعسكري على المقاومة الفلسطينية، وقطع – كما هو متوقع – خطّ إمداد المقاومة في لبنان، مع عمقها الاستراتيجي في إيران. وهذا كان أولوية ملحة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ومطلباً أساسياً من الحكم الجديد في دمشق.
في ظل هذه التحولات الاستراتيجية التي شهدتها المنطقة، جاءت السلطة الجديدة في لبنان، وتبنّت خطاباً علنياً ضدّ المقاومة وسلاحها، وطالبت بنزعه تحت عنوان حصرية السلاح، متجاهلةً الخطر الإسرائيلي الذي يُهدّد حاضر لبنان ومستقبله.
وبدلاً من دعم إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، لجأت هذه السلطة إلى ابتزاز بيئة حزب الله ومجتمع المقاومة، بمنع وصول المساعدات الإيرانية والعراقية، وربط إعادة الإعمار بالخضوع للمطالب الإسرائيلية.
وكان الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان في أثناء عهده الرئاسيّ عام 2012، حاول ترتيب حوار وطنيّ بين المكونات السياسية للبحث في سبل استخدام سلاح “حزب الله”، لا تسليمه حينذاك، لكنه لم يحقّق هدفه، إذ كان محور “الممانعة” في ذروة قوّته التي حالت دون إحراز الدولة أدنى الممكن. لكنّ التحولات الاستراتيجية التي حصلت بدءاً من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بعد دخول “حزب الله” جبهة إسناد قطاع غزة وتداعيات قراره، ثم سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتالياً “هبوط جحافل” الجغرافيا السياسية والأمنية التي كان يتّكئ محور “الممانعة” على مجاورتها، أعادت موضوع حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية على طاولة البحث من جديد.
موقف حزب الله”: الحكومة ارتكبت “خطيئة كبرى” ومخالفة ميثاقية
وقال الحزب في بيان شديد اللهجة إنَّ الحكومة اللبنانية ارتكبت مخالفة صريحة للميثاق الوطني والبيان الوزاري، حيث تضمن الأخير نصاً واضحاً يلزم الدولة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهو ما يعني، وفق البيان، المحافظة على سلاح المقاومة باعتباره جزءاً من قوة لبنان لا ضعفا له.
وأشار الحزب إلى أنَّ القرار جاء “نتيجة إملاءات أمريكية مباشرة” عبر المبعوث الأمريكي براك، مستشهداً بتصريحات رئيس الحكومة الذي أعلن عن تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لحصر السلاح قبل نهاية العام، معتبراً أن ذلك “يحقق المصلحة الإسرائيلية بالكامل ويكشف لبنان أمام العدو بلا أي ردع”. ورأى البيان أن الحكومة ضربت عرض الحائط بتعهد رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون في خطاب القسم الذي دعا فيه إلى مناقشة استراتيجية وطنية دفاعية متكاملة، مشيراً إلى أنَّ القرار الحكومي يمثل انزلاقاً نحو “استراتيجية الاستسلام وإسقاط مقومات السيادة اللبنانية”.
وشدّد حزب الله على أن “هذا القرار يُحقّق مصلحة إسرائيل بالكامل، ويجعل لبنان مكشوفاً أمام العدو الإسرائيلي من دون أي ردع”، معتبراً أن “الحكومة ضربت عرض الحائط بالتزام رئيس الجمهورية جوزيف عون في خطاب القسم بنقاش استراتيجية الأمن الوطني، بقوله: “عهدي أن أدعو إلى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية، أكرّر الدولة اللبنانية، من إزالة الاحتلال الإسرائيلي ورد عدوانه عن كافة الأراضي اللبنانية”، معتبراً أن “ما قررته الحكومة هو جزء من استراتيجية الاستسلام، وإسقاط صريح لمقومات سيادة لبنان”، بحسب ما جاء في البيان.
وأكد الحزب أن انسحاب وزرائه إلى جانب وزراء حركة أمل من الجلسة الحكومية كان تعبيراً عن رفض قاطع لهذا القرار، ليس فقط باسم المقاومة بل باسم شرائح لبنانية واسعة من مختلف المناطق والطوائف والتيارات السياسية، ورفضاً لما وصفه بـ “إخضاع لبنان للوصاية الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي”.
وشدَّدَ البيان على أنَّ الحزب سيتعامل مع القرار وكأنه “غير موجود”، لأنه يسقط سيادة لبنان ويطلق يد الاحتلال للعبث بأمنه وجغرافيته ومستقبله السياسي. وجدَّدَ حزب الله انفتاحه على الحوار الوطني ومناقشة استراتيجية أمنية شاملة، لكنه ربط ذلك بوقف العدوان الإسرائيلي أولاً، داعياً الحكومة إلى التركيز على تحرير الأراضي المحتلة كما ينص بيانها الوزاري. وخاطب الحزب اللبنانيين بالقول: “غيمة صيف وتمر إن شاء الله، وقد تعودنا أن نصبر ونفوز”.
حركة أمل: على الحكومة وقف التّنازلات المجّانية للعدو الإسرائيلي
اعتبرت “حركة أمل” أنّه “كان حرياً بالحكومة اللبنانية التي تستعجل تقديم المزيد من التنازلات المجانية للعدو الإسرائيلي باتفاقات جديدة، أن تسخّر جهودها لتثبيت وقف النار أولاً ووضع حد لآلة القتل الإسرائيلية التي حصدت حتى الساعة المئات من المواطنين اللبنانيين بين شهيد وجريح”. وأكدت في بيان أنّ “لبنان منذ 27 تشرين الثاني عام 2024 تاريخ إقرار اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الإسرائيلي التزم بكامل مندرجات الاتفاق وما زال ملتزماً بما هو متوجب عليه لتنفيذ هذا الاتفاق الذي أقرته الحكومة السابقة والحكومة الحالية كاملاً، بينما العدو الإسرائيلي منذ اللحظات الأولى لم يلتزم وهو ما زال يمعن في عدوانه، غارات جوية واغتيالات بواسطة المسيرات، مستبيحاً الأجواء اللبنانية، ويستمر باحتلاله مساحات شاسعة من الأراضي اللبنانية من بينها ما يعرف بالتلال الخمس، إضافة الى منعه أهالي القرى الحدودية من العودة إليها بعد تدميرها كلياً”.
وأضافت: “انطلاقاً مما تقدم، كان حرياً بالحكومة اللبنانية التي تستعجل تقديم المزيد من التنازلات المجانية للعدو الإسرائيلي باتفاقات جديدة، كان أولى أن تسخّر جهودها لتثبيت وقف النار أولاً ووضع حد لآلة القتل الإسرائيلية التي حصدت حتى الساعة المئات من المواطنين اللبنانيين بين شهيد وجريح”. وتابعت: “الحكومة تعمل عكس ما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية ومخالفة لبيانها الوزاري، وبالتالي جلسة الغد فرصة للتصحيح وعودة للتضامن اللبناني كما كان”.
مواقف القوى الحليفة لـ “إسرائيل” وأبرزها “القوات اللبنانية”
تُعَدُّ القوات اللبنانية التي يرأسها الدكتور سمير جعجع، من أهم القوى التي شاركت في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وكانت تاريخياً من حيث تكوينها الإيديولوجي والسياسي قوة عسكرية مناهضة للقوى الوطنية والديمقراطية اللبنانية، ولقوى المقاومة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان واحتلاله بيروت في صيف 1982، وظلت على نهجها كقوة عسكرية وسياسية مرتبطة بتنفيذ المخطط الأمريكي – الصهيوني الذي يستهدف القضاء على كل الدول الوطنية العربية والإسلامية المناهضة للسياسة الأمريكية في إقليم الشرق الأوسط.
وقد أصدرت “القوات اللبنانية” بياناً بتاريخ 6 أب/أغسطس الجاري جاء فيه: “إن القرار التاريخي الذي اتّخذه مجلس الوزراء، الثلاثاء 5آب/أغسطس الجاري، وَجب اتّخاذه منذ 35 عاماً لولا الانقلاب على “وثيقة الوفاق الوطني” التي نصّت حرفيّاً على “بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية”.
وأشارت إلى أن” القرار الحكومي بتكليف الجيش إنهاء السلاح غير الشرعي وَجب أن يصبح نافذاً منذ 19 عاماً لولا الانقلاب على القرار 1701 الذي نصّ حرفيّاً على “أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية وفقاً لأحكام القرار 1559 (2004) والقرار 1680 (2006)، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، وأن تمارس كامل سيادتها، حتى لا تكون هناك أي أسلحة دون موافقة حكومة لبنان ولا سلطة غير سلطة حكومة لبنان”.
حزب الله وخيار المقاومة
لقد ظهر حزب الله كحركة جهادية مؤمنة بالتحرير، ومنفحته على القضايا الوطنية والقومية، وفي مقدمتها الصراع العربي – الصهيوني، ومفاعيل اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، من أجل تعريبها والهيمنة الأمريكية وتدخلها العسكري المباشر في المنطقة العربية. وارتبط مشروع حزب الله السياسي والايديولوجي ببناء قوة منظمة ومسلحة مستعدة للمواجهات العسكرية، فبرزت حركة المقاومة الإسلامية في لبنان التي خاضت حرباً ضد الوجود الإمبريالي الغربي في لبنان عقب الغزو الصهيوني له في حزيران 1982، وقادت عملية تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني في 25 أيار/مايو عام 2000.
وخاض حزب الله حرب تموز عام 2006، التي خلقت لـ “إسرائيل” أزمة وجودية. وهذا ما جعل تقرير فينوغراد يؤكد أنَّ الحرب مقبلة وحتى حتمية، وسواء كانت حرب لبنان الثالثة أو حتى حرباً إقليمية واسعة مع سوريا، فستكون حاجةً “إسرائيليةً” إلى الردّ على صدمة حرب لبنان الثانية للبرهان على تعافي “إسرائيل” دولةً ومجتمعاً وسلامتها من تلك الصدمة.
وعلى الرغم من أن حزب الله ليس له مشروع راديكالي للقضاء على السيطرة المادية للإمبريالية الغربية، وعلى المشروع الأمريكي الصهيوني المهدد لوجود الأمة العربية، إلا أنه استطاع أن يهز المواقع الغربية في الأنظمة العربية عبر بث روحية جديدة في مقاومة الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني. وعلى هذا الأساس انطلق حزب الله في مقاومته للاحتلال الصهيوني في لبنان، وهو لا يزال يرى في الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في تعاطيهما مع الدول العربية، بما فيها الدولة اللبنانية، يقوم على إقامة “الاتفاقيات الإبراهيمية” كما فعلت كل من دول الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع العدو الصهيوني عام 2020، وبإشراف إدارة ترامب الأولى، وعلى عدول هذه الانظمة العربية الاستسلامية عن واجبها في الصراع ضد الكيان الصهيوني من أجل تحرير فلسطين، ما يجعل الدول العربية تحذو حذو مصر على طريق توقيع معاهدة السلام مع العدو الصهيوني، وتطبيع العلاقة العربية الصهيونية في كافة المجالات، وإقامة نظام شرق أوسطي تكون الهيمنة والقيادة فيه للكيان الصهيوني. ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي قضى بوقف العمليات العسكرية في لبنان، بعد إخفاق الحرب “الإسرائيلية الثانية”، لم تتوقف مطالبات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وجهات لبنانية عديدة، بتجريد المقاومة من سلاحها.
وعلى الرغم من أنَّ حزب الله تلقى الضربات القاسية في خريف العام الماضي وخسر العديد من قيادات الصف الأول والثاني، فإنَّه باشر باتخاذ خطوات في إعادة هيكلته الداخلية. ويكشف إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل في ممارسة الضغوط المتعددة على الدولة اللبنانية عن خشيتهما الظاهرة من أن يعيد حزب الله بناء قدراته العسكرية، خصوصاً وأنه كان ولا يزال يملك بنية تحتية واسعة جداً تُمكّنه من هذا الخيار. ولذلك تتعامل تل أبيب وواشنطن وبعض أعداء المقاومة في الداخل اللبناني بأنَّ هناك وقتاً محدوداً لتأدية المهمة وتحقيق الأهداف.
فأمام انكفاء الدولة اللبنانية عن القيام بغالبية مهماتها تجاه شريحة واسعة من شعبها، أكد حزب الله التزامه مسؤولياته الاجتماعية. فواصل إمداد قواعده وبيئته بما أمكن من المقومات التي تخفف من المعاناة. ولا يخفى أن لهذا الأداء السلبي من قبل الدولة اللبنانية، والإيجابي جداً من قبل حزب الله مفاعيله وتأثيره الكبير على مجمل المشهد في لبنان.
لقد تضرّر حزب الله عسكرياً بعمق، لكنه لا يزال يمتلك بنية قتالية كامنة وفاعلة وقدرة على الرّد والدفاع، وهي في مسار تصاعدي. أما سياسياً، فحتى اللحظة، لم تنجح كل محاولات عزله وتجاوزه في الاستحقاقات والمحطات المفصلية. بينما لا يزال مجتمع المقاومة يرى فيه عامل الدعم اجتماعياً. لذلك، لا يكفي أن تطمح أمريكا وإسرائيل والدولة اللبنانية إلى مطالبة تجريد حزب الله من سلاحه وتسليم ترسانته العسكرية لـ “إسرائيل”، لأنهم سيصطدمون بواقع معقد يُظهر أن الحزب أعمق من كونه بنية عسكرية. إنَّه كيان عقائدي، اجتماعي، سياسي، ويملك قدرة على التكيف والاستمرار.
خاتمة: إنَّ مطالبة الدولة اللبنانية بتجريد سلاح حزب الله منه، ليكون حصراً بيد الدولة، يُعَدُّ مخاطرة جدّية بتفجير حرب أهلية في لبنان. فالكيان الصهيوني يريد أن تدفع الدولة اللبنانية ثمن هزيمة الحزب حسب ادّعائه، من أرضها وقرارها السياسي وسيادتها وهيبتها، فيفرض منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان، ويحدّد مَن يُسمح لهم بالعيش في قرى حدودية (بحسب انتمائهم الطائفي طبعاً) ومن يُحرَّم عليه ذلك، ويضع قواعد عمل المطار والمرفأ والمعابر الحدودية تحت طائلة التدمير الفوري. فيشترط أن تقتحم القوى الأمنية اللبنانية هذا المبنى المشبوه وإلا تقصفه مقاتلات جيش الاحتلال الصهيوني. إنَّه الانتهاك المفضوح للسيادة اللبنانية، فمن يقبل بذلك؟.
