أيها الإنسان..
بقلم غسان عبد الله
جاءتْ مُبَشِّرَةٌ تقولُ: سيولَدُ الإنسانُ من رَحِمٍ لِحزنِنا في الكتابْ.. وستولدُ الأسطورةُ الأولى بذاكَ اليومِ قبلَ شروقِ منفانا ببحرٍ أو سرابْ.. قالتْ مبشِّرةٌ سيولدُ!! غيَر أني لم أُصدِّقْ وقتَها فَجَنِيْنُنَا لا يبتدي إلا إذا ابتدأَ الحسابْ.
لم نكنْ يا بحرُ إلا شاهدينَ على المدائنِ وهي تُخرجُ آخرَ الشعراءِ عن دينِ القصيدةِ، لم نكنْ إلا سبايا!! ما الذي اغتالَ الشروقَ؟ ومن تآمرَ ضدَّ إنسانِنا كي نراهُ متعريَّاً أمام الأحزانْ؟!
أيها الإنسانُ قد يمضي بنا العمرُ القصيرُ ولا نَفِيكْ.. أيها الإنسانُ إنْ قالتْ خبايانا: اصطفوا الخلَّ الوفيَّ سنصطفيكْ.. وكفى دليلاً للمحبَّة أنه ما ردَّ موتكَ عنكَ غيرُ الموتِ فيكْ..
لن يكملوا أنشودةً أخرى، ولن نلجَ المدى إلا إذا خَلُصَ المدى.. هل ذاكَ حتفُ الريحِ؟!.. إيَّانا وإيَّاكمْ فُطمنا قبلَ عامينِ.. احتكمنا للبنادقِ وقتها لكنها ذابتْ حياءً.. آهِ ما أعلى جنوني حين يهذي العمرُ!! مرَّتْ كالخيولِ رسائلٌ تحكي عن الغجرِ الذينَ أحبُّهمْ، وأحبُّ أن تسمو الحقيقةُ في أصابعهمْ، وأن يتشكَّلوا كالأبجديةِ من جديدْ.. خدَّاعةٌ قالتْ سيأتينا وليدٌ في البريدْ.. خدَّاعةٌ نسيتْ بأنَّ الحلمَ شاعَ كأصدقائي ثمَّ صبَّرهُ الجليدْ.. تلكَ العواصمُ تاجُنا.. شمخَ المغني.. إنها أسماؤنا.. صمتَ المغني.. أَخرجتْ حكَّامنا.. طقَّ المغني ثم باعوا لحنهُ.. فبدأتُ بحثي.. كانَ قبلَ الجسرِ معتقلٌ وبعدَ الجسرِ شاويشٌ وبين الضفتينِ مخيَّمٌ واصلتُ بحثي.. كيفَ أدخلُ برزخَ الإنسانِ والتاريخُ يشغلُ نفسهُ بزيارةٍ لفلانَ؟!كيفَ أُفَجِّرُ الذكرى وطيبُ القلبِ ذابَ مع الجرائدِ في شرابِ الصبحِ؟!.. تابعتُ المسيرَ وجدتُ نفسي غيرَ ما كانتْ عليهِ!!.. فقلتُ للمرآةِ: هل ما زلتُ أجملَ من تراثي؟ غَصَّتِ المرآةُ، أخفتْ دمعها، وتوجهتْ نحوَ الهبوطِ، وكسَّرَتْ أوصالها فبقيتُ وحدي.. وحدها عرفتْ بأني لم أَعُدْ ضداً لضدي، لم أعد – فيما رأتْ - إلا حكايا تُضحكُ الأطفالَ.. والأطفالُ أطولُ قامةً من وردِ قَدِّي..
يا ذا الإنسانُ تُقنا لكْ.. ورداً لمنْ صانكْ ومليكُنا المرصودْ إنْ خاننا خانكْ هي رؤيتي لملامحَ امتدتْ إلينا من جدودٍ كان إذْ جاءَ الصباحُ يهبُّ فينا الكرْمُ، والتفاحُ، والفأسُ النبيلُ، وكان ينهضُ في ثيابِ أطفالنا غزلُ البيادرِ، غَيَرَ أنَّ الهمَّ ألبسنا عباءتهُ، وسيَّرَنا إلى اللاشيء منفصلينَ في نزقٍ وطينْ.. أيها الإنسانُ أنت أحلانا.. وإنْ مرَّتْ وِصاياتٌ وخانَ خرافَنا نايٌ حزينْ.. أنتَ ذاك النايُ مُتَّهَمٌ بترويجِ الهمومِ، ومفرطٌ بمعسكرٍ للخائفينْ.. سقطَ المعسكرُ فوقَ قلبي لم أكنْ بعدُ انتبهتُ فمهنةُ البوليسِ مدهشةٌ تراهمْ يخرجونَ ولا تراهمْ يدخلونَ وكلُّ مجزرةٍ تُعَدُّ يشاعُ أنَّ الغيمَ فجَّرها، وأنَّ فصائلَ الأشجارِ خانتنا، وأنَّ وراءَ أشجارِ الصنوبرِ بئرُ يوسفَ في بلادٍ يعمهونْ.. هُمْ كالجرائدِ أصدقُ الأنباءِ فيها برجُها لكنهُ أيضاً ظنونٌ في ظنونْ..
جاءتْ مُبَشِّرَةٌ تقولُ: سيولدُ الإنسانُ من رَحِمٍ لِحزننا في الكتابْ.. وستولدُ الأسطورةُ الأولى بذاكَ اليومِ قبلَ شروقِ منفانا ببحرٍ أو سرابْ.. قالتْ مبشِّرةٌ سيولدُ!! غيَر أني لم أُصدقْ وقتها فَجَنِيْنُنَا لا يبتدي إلا إذا ابتدأَ الحسابْ.. سأصحو.. أميطُ اللثامَ عنِ الليلِ.. أُغلِقُ وجهَ النوافذِ.. أهمسُ.. أيها الإنسانُ إذا أنتَ أخرجتَ كلَّ العصافيرِ منكَ بكمْ تُشترى؟!.. أتساءلُ ؟!.. من يحتوي جثتي في الغيابْ؟!.. يخيطُ بنومي زُرارَ البيادرِ.. وأحملُ حزني وسلةَ جرحي وأكتبُ فوقَ الشواهدِ: أنتَ وأسحبُ ظلِّي منَ الحبرِ إنْ أجبروني على بيعِ لحمِ الهويَّةِ لا لنْ أكونَ وإلاّكَ فرضي.. قالتْ مبشِّرةٌ سيولدُ!! قلتْ لا ولادةَ بعدُ ولا مَن يحزنونْ.
