الحسين(ع).. “الكرامة، العدالة، المسؤولية العالمية”
بقلم الشيخ محمد الزعبي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم الأولين والآخرين سيدنا محمد وآله الطاهرين، ورضي الله عمن اتبعهم بإحسان من أصحابهم وسائر المؤمنين إلى يوم الدين. حضرة الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت سماحة آية الله رضا رمضاني، سادتي وأساتذتي العلماء والحاضرين.
قال الله تعالى:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾. بيّن الله سبحانه وتعالى أن غاية الرسالات والرسل والكتب والمعجزات هي أن يتحقق العدل في حياة الإنسان، ولذلك كرسالة إسلامية إنما ينبغي أن ندرك أن الصلاة والصيام والحج والفقه والحديث والتفسير وسائر علوم الإسلام كلها يجب أن تصب في خدمة رسالة العدل، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾. ولذلك كان العهد لسيدنا إبراهيم عليه السلام أن تُحفظ الإمامة في ذريته، وأن تُقصى عمن ظلم، ﴿قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
ولذلك كانت رسالة الإمام الحسين عليه السلام كوارث للأنبياء ولرسالة جده خصوصاً كما قال عليه السلام: «فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما». وحين شَخَّص واقع الأمة في زمنه فقال: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحيطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون». هؤلاء الناس الذين قال عنهم سيدنا الإمام عليه السلام الدين لعق على ألسنتهم، كانت المساجد ممتلئة بصلواتهم، وكانت الكعبة مزدحمة بطوافهم، ولكنهم لما أطاعوا الحكام بإبدال قاعدة العدل بقاعدة الطاعة للحاكم، ولو كان قلبه قلب شيطان، ووضعوا تلك الأحاديث التي حاشى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولها (يكون عليكم أمراء قلوبهم قلوب شياطين في جثمان أنس، قالوا فما نفعل؟ قال تسمع وتطيع، وإن جلد ظهرك وأكل مالك). بهذه الخدع أراد الطغاة أن يستحمر الناس وأن يستغلوهم، وأن يستخفون بهم، كما قال تعالى عن فرعون: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾.
ولذلك العدل هو الذي حرك الإمام الحسين عليه السلام كما قال: «لولا أني رأيت شريعة قد عُطلت وسُنّة قد أُميتت ما خرجت». إذاً الدين كان يُراد أن يُمات أو أن يموت، أن يميتونه، أن يميتوه، وكان يُراد أن تُعطل شريعة الله، وأن تُقصى رسالة الله، وهي منذ أن تخلت الأمة عن أماني الثقلين بدأ الانحراف، ولكنه في زمن يزيد، وربما في زمن معاوية بلغ ذروته بحيث صار لا بد من دمِ بمستوى دم الإمام الحسين عليه السلام ليهز ضمير هذه الأمة، ولكي يُعاد تصحيح مسار رسالة الإسلام لتعود إلى المسار الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن انقلبت الأمة عليه، ولذلك جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: “أتحبه؟ قال نعم. قال آلا إن أمتك ستقتله”.
جيش يزيد في أكثر الروايات ربما لا يتجاوز الثلاثين ألفاً فكيف قتلته الأمة؟ الأمة التي سكتت، الأمة التي بررَّت، الأمة التي لا تزال تبرر إلى اليوم، الأمة التي تسكت عن الظلم في غزة وفي غيرها. والأمة التي تبرر العمالة والتطبيع، وتبرر لحكام السوء منذ بني أمية وغيرهم إلى يومنا هذا، هذه كلها شريكة في قتل الإمام الحسين عليه السلام، ولذلك ونحن في زيارة الأربعين نقول ما ثبت في كتب السنة “عهد المتوكل العباسي هو الذي أسس ما نشاهده اليوم”، ولذلك نحن ندعو إلى أن يعود مذهب أهل السنة والجماعة إلى ما قبل عهد المتوكل، حيث كان شيوخ الأئمة، شيوخ البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل، شيوخهم ما كانوا يترضون عن الطغاة وعن الطلقاء، وعمن انقلبوا على رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لذلك العدل هو الذي أخرج الإمام الحسين عليه السلام، وهو غاية حركة التاريخ كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إمام هذه الأمة «مهدي» هذه الأمة عليه سلام الله (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجورا). إذن حركة التاريخ تتجه باتجاه العدل، ولذلك فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم بوقوفها إلى جانب المقاومة في غزة وفي لبنان وفي فلسطين عموماً وفي اليمن، تقدم نموذجاً فريداً في الواقع المعاصر، بل في التاريخ، من الإصرار على الانحياز إلى العدل، ولو كان لهذا الانحياز ثمناً من الحصار والتضييق، والحقيقة القضية واحدة، الأزمة واحدة. «والله ما معاوية أدهى مني، ولكنه يغدر ولا أغدر». نحن اليوم أمام نموذج فريد في عالم المصلحة الاقتصادية والمصلحة السياسية، والنفوذ هو الأصل.
اليوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن أن يُرَاهن عليها لأنها النموذج الوحيد في العالم ربما، قد يكون هناك من يقترب من العدل ولكن بهذا الوضوح، وبهذا الإصرار، وبهذا الاستعداد لدفع الثمن لمناصرة القضايا العادلة، يجعلنا نقول كل العالم الذي يشعر بانقلاب المعايير، حيث صرنا في زمن يريد ترامب أن يقول أصبح عندنا قانون دولي جديد، اختصاره أن القوي يفعل ما يشاء والضعيف عليه أن يخضع، وبعد ذلك بعد أن تكونوا تحت سقف هذا القانون لملموا ما شئتم من معاني الكرامة والحرية والعزة ما تبقى لكم منها. اليوم الرهان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعلى المقاومة في غزة، وعلى المقاومة في لبنان، وعلى المقاومة في اليمن وفي العراق، الرهان بأنهم سينقذون العالم من هذا الظلم العالمي، ولذلك لا أمل لأحد بأن يسقط سلاح المقاومة، لأن الحسين عليه السلام استشهد وسيفه بيده، والسلام عليكم ورحمة الله.
عضو المجلس المركزي لتجمع العلماء المسلمين

