قمة ألاسكا.. هل تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها
بقلم ابتسام الشامي
تتجه الانظار إلى ألاسكا، الولاية الأمريكية ذات الجذور الروسية، حيث القمة التي تجمع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وعلى طاولة البحث ملفات كثيرة يتقدمها الملف الأوكراني، وسط توقعات حذرة بشأن التوصل إلى اتفاق يكتب نهاية للحرب في أوكرانيا.
رمزية ألاسكا
للمرة الأولى منذ عام 1867 يزور زعيم روسي ولاية ألاسكا الأمريكية منذ أن باعها القيصر ألكسندر الثاني للولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار، وللمرة الأولى منذ عشر سنوات يزور بوتين أمريكا بعدما شارك للمرة الأخيرة عام 2015 في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أن يتصاعد التوتر بين الغرب وروسيا بعدما أخذت الأخيرة قرار التدخل في سوريا في خريف ذلك العام وينفجر الصراع بين الجانبين بعدها بست سنوات تقريبا في أوكرانيا.
رمزية الجغرافيا في لقاء القمة التي يتطلع إليها العالم، أخذت الحيز الأكبر من الاهتمام، فالولاية الواقعة في أقصى شمال غرب الولايات المتحدة، تعد الأقرب إلى الاراضي الروسية، ولا يفصلها عن أراضي القيصرية الروسية التاريخية، سوى مضيق بيرينج، الأمر الذي جعلها تاريخياً ساحة اختبار بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً، مرة للتعاون كما في الحرب العالمية الثانية، واخرى للتوتر، كما في الحرب الباردة.
ولعل أهمية المكان بحسب أستاذ السياسة الروسية في “كينجز كوليدج” في لندن سام جرين تتبدى في رمزيته وفي ما يمكن لهذه الرمزية أن تنعكس على القمة لناحية النتائج، إذ وصف اختيار ألاسكا لعقد قمة حول أوكرانيا بالفظيع، مضيفا في تغريدة على منصة X “كأنها مصممة لإظهار أن الحدود يمكن أن تتغير، وأن الأراضي يمكن بيعها وشراؤها”.
تبادل الأراضي
ربط النتائج برمزية المكان ودلالاته، لم يأت من فراغ وإنما من الوقائع الميدانية في الساحة الأوكرانية التي قد تحولها القمة إلى ثوابت في الجغرافيا السياسية للحل المنتظر أن تخرج به القمة أو ما يعرف باتفاق سلام. إذ تأتي قمة بوتين ترامب في ظل تباين كبير في المواقف إزاء الحرب في أوكرانيا، وشروط الحل السياسي. في هذا السياق نشرت صحيفة “فايننشال تايمز”، تقريراً حول السيناريوهات المتوقعة للقمة لناحية الاتفاق، وتقول إن السيناريو الأسوأ “بالنسبة للأوكرانيين والأوروبيين” هو أن يخرج ترامب وبوتين من الاجتماع باتفاق على تبادل الأراضي، ما يعني تنازل أوكرانيا عن مساحات كبيرة من أراضيها بشكل دائم لروسيا”. ويرجح التقرير أن يكون هدف بوتين من القمة، التوصل إلى اتفاق مع ترامب، ثم يُعرض على أوكرانيا كأمر واقع.
وتنقل الصحيفة عن الباحث في مركز كارنيغي قسم روسيا أوراسيا ألكسندر غابويف قوله إن هذا النوع من الاتفاق الذي يريده بوتين سيجعل أوكرانيا “غير قابلة للدفاع عنها، وغير صالحة للاستثمار، وعلى طريق الانهيار”. إذا رفضت أوكرانيا هذا الاتفاق، يأمل الروس أن تقطع الولايات المتحدة دعمها عن كييف.
أما الأوكرانيون وداعموهم الأوروبيون فإنهم يعتقدون أن من الممكن تحقيق نتيجة أكثر إيجابية. ومن وجهة نظرهم، فإن الاتفاق على وقف إطلاق النار، مقروناً بالتهديد بفرض عقوبات ثانوية على روسيا إذا استأنف بوتين الحرب، هو نتيجة جيدة. على أن تُعقد مناقشات حول الأراضي بعد ذلك. ووفقاً للتقرير ذاته، فإن أكثر التحليلات إقناعاً هي أن أوكرانيا تخسر ببطء، مع تفاقم مشكلة نقص القوى العاملة على خط المواجهة. وهذا يعني أن انهيار المحادثات تماماً واستمرار الحرب سيكونان على الأرجح أفضل لروسيا من أوكرانيا. ويضيف التقرير أن موقف كييف القائل بعدم جواز التنازل عن أي أرض هو موقف مبدئي، ولكنه غير واقعي في ظلّ الوضع الراهن. ويكمن الفرق الجوهري بين التنازلات الفعلية والتنازلات القانونية عن الأراضي. وإذا كان الاعتراف القانوني بضم روسيا للأراضي الأوكرانية أمر مرفوض تماماً من جانب أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، فإنه قد يكون من الضروري الاعتراف بحكم الأمر الواقع بالسيطرة الروسية على بعض الأراضي في سياق اتفاق سلام أوسع نطاقاً. ويخلص التقرير إلى أنه من المرجح أن يكون أي اتفاق في ألاسكا بداية وليس نهاية لعملية. إذ يدرك الأوكرانيون والأوروبيون أن عليهم مجاراة ترامب واللعب على المدى الطويل. ورغم أن هذا ليس خيارا مثاليا، ولكنه أفضل ما لديهم.
روسيا في موقف أقوى
وبينما يرتفع منسوب القلق في كييف والعواصم الأوروبية ما يمكن أن تؤدي إليه القمة لناحية فرض اتفاق سلام لا يلبي مطالبها، فإن روسيا تحضّر من موقع قوة مرتبط بإنجازاتها الميدانية على الرغم من الكلفة الاقتصادية والأمنية والبشرية المرتفعة للحرب منذ ثلاث سنوات. بالنسبة إلى موسكو فإن القمة تشكل فرصة لإعادة ضبط العلاقة مع الولايات المتحدة، وهذا يعني إخراجها من قيادة الحرب التي انعقدت لها منذ بدايتها عام 2022 إلى موقع وسطي، وفي هذا السياق يرى ممثل الرئيس الروسي الخاص للتعاون الاقتصادي مع الدول الأجنبية كيريل دميترييف بأن قمة ألاسكا قد تسهم في إعادة ضبط العلاقات بين موسكو وواشنطن “إذا جرت اللقاءات على نحو إيجابي”. وقال دميترييف في تصريح لشبكة CNN: “أعتقد أن الحوار مهم للغاية، وأن اللقاء أمر إيجابي جداً للعالم كله، لأنه في عهد إدارة بايدن لم يكن هناك أي حوار، ولذلك أرى أن من المهم للغاية الاستماع مباشرة إلى الموقف الروسي”.
وحول موقع روسيا المتقدم في القمة وما تمثله من فرصة بالنسبة إليها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: إن بوتين يراها ليس فرصة لإنهاء الحرب الأوكرانية بشروطه فحسب، ولكن أيضاً لتقسيم التحالف الأمني الغربي”. ورأت الصحيفة، أن بوتين كان يواجه في الشهر الماضي واقعاً قاسياً، حيث كان على حافة خسارة ترامب، الزعيم الغربي الوحيد المستعد لمساعدته لتحقيق هدفه، المتمثل في ما سمته الصحيفة تمزيق النظام الأمني الأوروبي. وفي وقت لم يتضح فيه ما إذا كان ترامب مستعداً لتنفيذ تهديداته بشأن فرض رسوم جمركية عقابية على الدول التي تشتري النفط الروسي، أو التأثير الحقيقي لمثل هذه الخطوة على موسكو. إلا أن الموعد النهائي الذي وضعه ترامب لبوتين لإنهاء الحرب كان يقترب سريعاً، لذا غير بوتين مساره قليلاً، وفقاً للصحيفة الأمريكية، التي تشير إلى أنه على الرغم من الرفض السابق من جانب المسؤولين الروس للتفاوض على الأراضي في حرب روسيا وأوكرانيا، فإن بوتين ترك انطباعاً لدى مبعوث ترامب خاص ستيف ويتكوف، الذي زار الكرملين الأسبوع الماضي، بأن روسيا مستعدة الآن للانخراط في بعض الاتفاقات بشأن الأرض.
واستحضرت الصحيفة ما قاله ترامب يوم الجمعة الماضي حول الحل السياسي بالنسبة للحرب في أوكرانيا “سنستعيد بعض الأراضي، وسنحصل على بعض التبديلات، سيكون هناك بعض التبادل للأراضي لصالح كليهما”، وقالت نيويورك تايمز، إن بوتين تحدث بلغة يفهمها ترامب، لغة العقارات، ليضمن شيئاً كان يسعى إليه منذ كانون الثاني الماضي، وهو الاجتماع بشكل فردي مع الرئيس الأمريكي، من دون حضور زيلينسكى، لعرض قضيته وإبرام اتفاق.
بدورها، وفي تشير صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن مناقشة التنازلات الإقليمية ليست أمراً مستبعداً خلال القمة، فبينما بدا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رافضاً التنازل عن أي أراض مقابل السلام، فإن عدداً كبيراً جداً من الأوكرانيين أنفسهم يدعمون بشكل متزايد تسوية تفاوضية، وفقاً لاستطلاع رأي جديد أجرته مؤسسة غالوب. كما وجدت استطلاعات رأي أخرى موثوقة تزايداً في عدد الأوكرانيين المستعدين للتنازل عن الأرض مقابل السلام. ويضيف تقرير الصحيفة الأمريكية، لطالما كان مناقشة مثل هذه الأمور علناً أمراً محظوراً بين مؤيدي أوكرانيا. ونظراً لواقع المعركة القاسي، وخصوصاً الحاجة إلى تجنيد المزيد من الجنود، كان لا بد من تغيير هذا الوضع. ومع ذلك، سيكون من غير الحكمة تجاهل ترامب لزيلينسكي.
خاتمة
قمة حاسمة لملف أوكرانيا الملتهب في ألاسكا الباردة، فهل باتت نهاية الحرب وشيكة أم إن المتضررين من وقفها وفق التصور المعروض لناحية تبادل الأراضي سيقفون عائقاً أمام الاتفاق؟ سؤال برسم الأيام المقبلة، ما ستخرج به القمة وطبيعة تعامل الأطراف المعنية مع نتائجها.
