الفكرُ الإنسانيُّ.. “بين الفكرِ والتفكير”
بقلم غسان عبد الله
كلمة فكر تحتمل عدداً من المعاني، وتشملُ عدّةَ أنواعٍ وتصنيفات، وقد يطول حديثنا كثيراً إذا أردنا إيفاء المعنى وفروعَه حقّهما، ولكن في سبيل التبسيط والإيضاح نذكر ما يلي عن الفكر وكيف يرتبط بالتفكير.
تجدرُ الإشارة أولاً إلى أن هنالك طرقاً لتحصيل المعرفة (من الخارج) وهي بالتعلّم من مصدرٍ خارجيٍّ من بيئةِ الإنسان مثلَ تجربةٍ أو كتابٍ أو شخصٍ عالمٍ يُلقّن ويُعلّم المعرفة. والفكرُ أو التفكُّر يعدُّ طريقةً لتحصيلِ المعرفةِ (من الداخل) أي من النفسِ الإنسانيةِ ذاتها، فهو مصدرٌ داخليٌّ للمعرفة.
الفكر خاصيةٌ إنسانيةٌ يحتملُ الخطأَ والنقصَ، فالمعرفةُ الجديدةُ التي تمّ التوصُّلُ إليها بالتفكيرِ ليست حقيقةً أصيلةً بالضرورة. فهو يعتمدُ على العملياتِ العقليةِ الإنسانيةِ وليس على الوحي الإلهيّ، وتأتي تسميةُ الفكرِ وتحديدُ نوعهِ من أسماءِ الشخصياتِ المؤسِّسةِ لذلك الفكرِ أو المذهب، أو تأتي من أسماءِ بلدانِهم، أو اتّجاهاتِهم أو دينهم، فيُقالُ مثلاً الفكرُ الماركسيُّ أو الفكرُ الصوفيُّ، أو الفكرُ الفلسفيُّ اليونانيُّ، وغير ذلك من المذاهب الفكرية.
والفكرُ في المعنى العام هو: الصورةُ الذهنيةُ أو التعبيرُ الذهنيُّ لشيءٍ ما؛ فعندما أقولُ (قمر) مثلاً ستتشكّلُ صورةٌ ذهنيةٌ لدينا عن القمر، وهذه الصورةُ تسمّى فكراً. وقيل أيضاً إن الفكرَ هو الوعيُ والإدراكُ. وقيل هو الذكاءُ أو القدرةُ العقليةُ لشخصٍ ما.
وقيل عن الفكر في معنى أخص إنه: طريقةُ إعمالِ الخاطرِ أو العقلِ فيما هو معلومٌ للوصولِ إلى ما هو مجهول؛ أي أنكَ تستخدمُ ما تَعْلَمُه أصلاً وتُعمِلُ عقلكَ فيه، بعملياتِ التحليلِ والتركيبِ والاستنتاجِ وغيرِها من النشاطات العقلية، حتى تصل إلى علمٍ أو معرفةٍ جديدةٍ كانت مجهولةً سابقاً. فيكون بذلك الفكرُ (الكيفية) التي يتوصّل بها الإنسان لحقائقَ جديدة. وهذه الكيفيةُ مرتبطةٌ بعمليةِ التفكير. فالفكرُ هو أسلوبُ أو طريقةُ التفكيرِ، وهو أداةُ التفكير، كما تكون الأذنُ أداةَ السمعِ والعينُ أداةَ البصر.
تتشابه المعاني بين الفكرِ والتّفكير ويقولُ البعض بتماثلِ المعاني بين فكرٍ وتفكيرٍ، ولكن يقولُ البعضُ الآخر إن “الفكر” يعبّرُ عن الطريقةِ أو الكيفيةِ التي يتمُّ بها التفكير، بينما “التفكير” فهو العمليةُ العقليةُ نفسها.
وكما يكونُ الفكرُ أداةً للتفكيرِ يكونُ الدماغُ أداةً للفكر؛ حيثُ أن الفكرَ في محورهِ روحيٌّ، وهو ما يجعلُهُ إنسانياً – أي خاصاً بالبَشَرِ دونَ الكائناتِ الحيةِ الأخرى -، ولكن لا يمكن أن يعتمدَ على الرّوحِ فقط فهو يرتبطُ بالمادةِ والتي هي الدّماغ، فالدماغُ هو الآلةُ أو الأداةُ المناسبةُ للفكر، فكلُّ إنسانٍ بحاجةٍ لدماغٍ سليمٍ ليقومَ بفعلِ الفكر. فيكونُ بذلك التفكيرُ عمليةً ماديةً روحية. والتفكّير يُعرَّفُ أيضاً بأنّه سلسلةٌ من العملياتِ الذِّهنيةِ تشملُ الملاحظةَ والمقارنةَ والتصنيفَ والاستنتاج، يقومُ بها الدِّماغ إما بسببِ وازعٍ أو مؤثِّرٍ خارجيٍّ تمَّ استقبالُهُ بإحدى الحواس الخمس، أو من وازعٍ داخليٍّ مثل طلبِ المعرفةِ أو التصوّف.
الفكرُ قد يُوصفُ أو يُنسبُ إلى زمنٍ أو عصرٍ معيّنٍ أو إلى مبدأٍ أو طائفةٍ أو شخصٍ معيّنٍ أو غيره. ونلاحظُ أن الفكرَ كلفظة قد يحمل معنى كلمة فلسفة أو كلمة أيديولوجيا أو حتى كلمة مذهب؛ فيمكنُ أن نقولَ فكرٌ اشتراكي أو أن نقولَ أيديولوجيا اشتراكية، وذلك للتعبيرِ عن طريقةٍ أو كيفيةٍ فريدةٍ وخاصةٍ للتفكير، تصلُ إلى نوعٍ معين من الأفكار. فيُمكنُ تسميةُ الفكرِ على أنه فكرٌ إسلاميٌّ أو فكرٌ ماركسيٌّ مثلاً وذلك بحسبِ صفاتِهِ المميزةِ التي تميِّزُهُ عن المذاهبِ أو الأيديولوجيات الأخرى.
فالإيديولوجيا كلمةٌ يعود أصلها إلى الفرنسيةِ وتعني “علم الأفكار” وتدلُّ على طريقةٍ مميزةٍ للتفكيرِ وقد تختصُّ بفردٍ أو بجماعةٍ أو بثقافةٍ معينة. كما أن الفلسفة كلمةٌ تُوصف أحياناً أنها تعني “التفكير في التفكير” فتدلُّ أيضاً كالأيديولوجيا على طريقةٍ مميزةٍ للتفكير، مثل قولِ الفلسفةِ الوجودية أو فكرٍ وجودي.
وقد يَنتُجُ الفكرُ من فكرٍ آخر سابقٍ له، أو قد يتطورُ منه أو ينشقُّ عنه، فليس شرطاً أن يكونَ الفكرُ أصيلاً حتى نسميّه فكراً. والفكرُ متغيّرٌ بطبيعتهِ وإن طالَ ثباتُه.
