قمرٌ وقمحٌ… ومسكُ الختامْ “إلى سماحة السيد عباس علي الموسوي”
بقلم غسان عبد الله
قمرٌ تدلّى من سمائه.. قمرٌ يُغيِّرُ صَحْبهُ في كلّ يومٍ
يُلبسُ الأشياءَ.. يخلعُها كأثوابِ الغمامِ.. لكنّهُ لا يتركُ روضَ أُنسك.. ولا ينامْ..
قمرٌ يشتاقُ تمتماتِ شفاهِكْ.. دعاءَكَ في الصباحِ قبل أن تسرقَكَ الشمسُ منهُ..
صلاتُكَ أُنسُهُ.. وقعُ أقدامِكَ لحنُ انسيابه على أكف العاشقين..
قَمحٌ فراتيٌّ تَدلَّى من ثُقوب النايِ يحملُ جذوة حنانكَ….
ويحملُ ما تبقَّى من لونكَ ورداً وعشقَاً وضوءاً لألفِ عامْ…
وهُما معاً في انتظارِ نهوضِكَ.. لاذا بأطرافِ التَّحيَّة والسَّلامْ
وهُما اللذان يُقصقصانِ الآن أجنحةَ الحمامْ
كي لا يُغادِرْ.. ويمضي دون حضوركَ.. ـ مِسكُ الخِتامْ ـ
قمَرٌ وقَمحٌ في يَديك.. ومَدينَةٌ سكَنت غَدَكَ
ومضت تُحدِّثُ كيفَ ترتعشُ الأرضُ ما بينَ تمتمةٍ ولحنِ
كَم سيشتاقُكَ ترابُ الأرضِ.. ورونقُ الزهرِ..
كم بكى لفقدِكَ حجرٌ… كم أطفَأ الأصحابُ عَبرتَهُم وتاهوا بين أنفاسِ الظَّلامْ
هذي أمانيكَ دروبُ العائِدينَ.. دُروبُ فُرسانِ الرسول… وَثوبُ مَا يعرَى منَ الأيام.
سلامٌ عليكَ، على جُزر نائياتٍ تضمُّ مويجاتِ بَحْرِكْ..
فلا تَحْرمنا، مِنَ الشَّمْسِ بينَ يديكَ.. ولا تحرمنا، منَ النَّومِ في عشْبِ بَرْقِكْ!..
ولا تحْرمنا التَّنزُّهَ، فوقَ الترابِ المعفّرِ بوطئكَ نضجُّ بأطيارِ فجرِكْ..
ولا تتركنا، على ضفَّةِ الليلِ نبْكي عليكْ..
سلامٌ عليكْ.. سلامٌ على عزْمِكَ العلويِّ وطهرِ منبتِك..
لنا منكَ… ما نحبُّ: السَّماءَ وأزْهارَها وطيورَ المساءِ التي، تتشهَّى شجيراتِ روحِكْ..
سنمضي، إلى آخرِ العُمْرِ تقودُنا صباحاتُ قَلْبِكْ.. نحو التجمع الذي بَنَيتْ..
ونقطفُ زنبقةَ الوحدةِ منْ راحتيكْ..
سلامٌ عليكْ!!.. تحيةٌ.. سلامٌ.. على برْقِكَ المُسْتهامْ..
سلامٌ عليك عبّاسُ، مِنْ غرّيدِ السّنونو يُعلّقنا في الفضاءِ ويتركنا في الفَضاءِ
ويتْركنا سارحِينَ ومُضاءِينَ بأقْماره
سنمكثُ في وَهَجِ التوحدِ نفرطُ رمَّانةَ القلبِ طافحةً بهديلِ الغَمام..
ونمضي إلى ما نُحُبُّ.. كأنَّ الخريفَ دمُنا وَالحُسامْ!!..
سنَشْهقُ من دهْشةٍ كلَّما جاءَ صوتُكَ فجْراً يفتّحُ أزهارَنا في الظلامْ..
نُطيِّرُ مِنْ شجرِ التجمعِ، أطيارَ روحنا لتمْضي إليكَ بزنْبقةٍ منْ هيامْ..
ونُشْعلُ في القلْبِ، فجْرَ حريقٍ يُعيدُ وهجَكَ ويُعيدُكَ نوراً
يضيء مجدَ أمّةٍ على ضيمها لا تنامْ..
سلامٌ عليكَ.. سلامٌ عليكَ.. سلامٌ على برْقكَ المُستهامْ!!..
أحنُّ، إلى غبْطةِ العشْبِ في راحتيكَ.. وأَقْطفُ زهْرَ الفراشاتِ في أَرضِ ضَوئِكْ..
فيا شَمْسَ روحي إذا غبْتَ في آخر الأَرْضِ دَهْراً فإنّي دَفِيءٌ، بأمواجِ شَمْسِكْ..
وإنْ غابَ، عنْي غِرّيدُكَ، إنّي هُنا، بجناحِكَ أَعْلو إلى نُورِ مَجْدِكْ!!..
أنت السيدُ الذي أزاحَ عن صدر الأحبةِ كابوس التشتت..
أنت الذي اشتعلتِ الدروبُ بومضِ خطاكْ..
أحنُّ إليكَ.. تعصرُ كفكَ تُمْطِرُها فوق ترابِ الحقول..
فتأتي العصافير لتصنع ربيعها من رحيقِ نَدَاك..
ما زلتَ يا سيّدَ الوداعةِ تُفَتِّتُ عَزْمَكَ حبَّاتِ قلوب..
وتَرْفُلُ في السكونِ قبَّرةَ ألحانٍ في آذان الخلْق..
وما زِلْتَ شامخاً حيثُ وديانُ محبيكَ تحاول عبثاً ملامسةَ أدنى عتباتِكَ وجداً..
ما زلْتَ شامخاً.. ويودُّ الشُّعراءُ أن يكوِّنوا مفردةً أو بيتاً أو قصيدةً على سِفْرِكَ – الأفْق.. فمن أين لها أن تُولَدَ المفرداتُ وهي أسيرةٌ خلف سياجِ رحيلِك.
