دوليات

أوروبا وتفعيل آلية الزناد ضد إيران.. تصعيد يستكمل أهداف الحرب

بقلم ابتسام الشامي

وإذا كانت واشنطن قد أقدمت على الاستهداف المباشر للبرنامج النووي الإيراني من خلال قصف المفاعلات النووية خلال العدوان الاسرائيلي الأخير على إيران، فإن أوروبا في خطوتها هذه تستكمل الحرب بطريقة مختلفة.

تصعيد بمستوى الحرب

في وقت تظلل الشكوك ادّعاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، القضاء على البرنامج النووي الإيراني في العدوان الأمريكي على المفاعلات النووية الإيرانية في شهر حزيران الماضي، ارتأت أوروبا صعود سلم التصعيد ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستكمال الحرب عليها، وهي إذ شعرت أن أي اتفاق جديد حول الملف النووي الإيراني لن تكون عوائده الاقتصادية بحجم ما حصلت عليه في الاتفاق الماضي، فإنها وجدت في عرقلة المسار التفاوضي الذي سبق العدوان الأخير ضالتها، ومع العدوان الاسرائيلي الذي بررته من دون أن تشارك فيه بشكل مباشر بالمعنى العسكري للكلمة، بدأت الترويكا الأوروبية ممثلة بفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الاستثمار في الأجواء التصعيدية ضد إيران، في لحظة ترتفع فيها احتمالية تجدد العدوان على ضوء فشل نسخته الأولى في تحقيق الأهداف المرجوة، وفي مقدمها إسقاط النظام أو بالحد الأدنى إضعافه، بما يسهل عملية إخضاعه وفرض الشروط عليه في مختلف الملفات المفتوحة في وجه طهران من برنامجها النووي، إلى قدراتها الصاروخية وصولاً إلى دورها الاقليمي ودعمها قوى المقاومة في المنطقة.

في هذه الأجواء جاء قرار الترويكا الأوروبية تفعيل آلية الزناد ضد إيران، على مسافة نحو شهر من انتهاء مفاعيل الاتفاق النووي الدولي مع إيران عام 2015 ليزيد المشهد توترا ويرتقي باحتمالية التصعيد درجة اضافية. واذ تصور الترويكا الأوروبية ان الأمر لا يعدو ان يكون اجراء يهدف إلى دفع إيران للالتزام بمندرجات الاتفاق، فان تفعيل الآلية المشار اليها، تتيح إعادة فرض العقوبات التي كانت قد رفعت عن طهران قبل عشر سنوات، علما أن مهلة إحياء قرارات مجلس الأمن السابقة ضد إيران، كما ورد في القرار 2231، تنتهي في الـ 18 من تشرين الأول المقبل.

وفي سياق تبرير الخطوة، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في منشور على منصة إكس، “بدأنا ما يُسمى بإجراءات العودة السريعة للعقوبات”، زاعماً أن إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تقطع سبل الدبلوماسية مع طهران بالضرورة. وقال بارو “نحن مصممون على الاستفادة من فترة الثلاثين يوماً التي تفتح الباب للحوار مع إيران”، على حد تعبيره. وأضاف الوزير الفرنسي قائلاً “نحن ملتزمون بالدبلوماسية لضمان عدم حصول إيران على أسلحة نووية على الإطلاق”.

وإلى ادعاءات الوزير الفرنسي، أرسلت الدول الأوروبية رسالة رسمية إلى مجلس الأمن زعمت فيها أن “إيران لا تحترم التزاماتها” بموجب اتفاق عام 2015 النووي، وادعت وجود “أدلة عملية” تثبت ذلك. وعلى ضوء هذه الرسالة، على مجلس الأمن الدولي أن يصوت في غضون 30 يوماً على قرار لمواصلة رفع العقوبات عن إيران، علماً أن ذلك يتطلب تأييد 9 أصوات وعدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية الفيتو. وفي حال صوت 9 أو أكثر من أعضاء المجلس لصالح تمديد تخفيف العقوبات، فقد تستخدم بريطانيا وفرنسا حق الفيتو لعرقلة القرار. وفي حال لم يُعتمد القرار، فسيعاد فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران في أواخر أيلول المقبل، أي بعد 30 يوماً من بدء عملية إعادة فرض العقوبات، ما لم يتخذ مجلس الأمن إجراءات أخرى. وبناء على ما تقدم يمكن الافتراض، أن مسار التصعيد الأوروبي ضد إيران من شأنه أن يفضي خلال ثلاثين يوماً في حال تفعيل آلية “الزناد”، أن تدخل قرارات مجلس الأمن التي تحمل الأرقام 1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929 حيز التنفيذ مجدداً، وهي قرارات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بادعاء أن النظام الإيراني يشكل تهديداً وانتهاكاً للأمن الدولي.

الموقف الإيراني

ورداً على السلوك العدائي الأوروبي ضدها توعدت طهران برد مناسب. وفي بيان صادر عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، كشف فيه أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظرائه الفرنسي والبريطاني والألماني، أبلغهم خلاله أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية سترد بشكل مناسب على هذا الإجراء غير القانوني وغير المبرر”، وذلك من أجل “حماية حقوقه إيران ومصالحها الوطنية”. وأعرب عراقجي عن أمله في أن “تقوم الدول الأوروبية الثلاث من خلال فهم الحقائق القائمة بتصحيح هذا القرار الخاطئ بشكل مناسب في الأيام المقبلة”. فيما اعتبرت طهران بأن هذه الخطوة من شأنها بأن تقوض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتزيد من تعقيد مسار المفاوضات المحتملة. بدوره صرّح مساعد وزير الخارجية الإيراني، سعيد خطيب ‌زاده، بأنّ تفعيل “آلية الزناد” يعني أن أوروبا تهدر آخر ورقة تملكها. وقال خطيب ‌زاده في حوارٍ مع صحيفة “فرانكفورتر آلغماینه” الألمانية إنّ الأوروبيين لا يملكون أيّ حقٍ في تفعيل “آلية الزناد” وهذه القراءة مدعومة أيضاً من روسيا والصين. وأكد أن أي مفاوضات مستقبلية بالنسبة إلى إيران ستكون بمثابة “مفاوضات مسلّحة”، لأن طهران لا تثق بواشنطن، محذراً من ممارسة الضغط على إيران كونه “خطأ استراتيجياً قد يدفعها إلى اتخاذ قراراتٍ صعبة”.

وأشار مساعد وزير الخارجية الإيراني إلى أن “طهران لن تقبل أن تكون استثناءً في القانون الدولي، وتصرّ على حقها في التخصيب بموجب معاهدة حظر الانتشار”، معقباً أن “مستوى ونطاق التخصيب قد يكونان محل تفاوض، لكن الحق ذاته غير قابل للتنازل”.

وإلى التحذير الذي تولاه المسؤولون الإيرانيون من خطورة المسار الأوروبي العدائي لإيران، أعلن نائب رئيس لجنة المادة 90 بمجلس الشورى الإيراني حسين علي حاجي دليجاني، بدء صياغة “مشروع قانون عاجل يقضي بانسحاب إيران الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي”. مشيراً إلى أن المشروع “سيرفع يوم السبت على نظام البرلمان الإلكتروني، ليخضع خلال الجلسات العلنية الأسبوع المقبل للإجراءات القانونية اللازمة للمناقشة والتصويت”. وأكد أن “هذه الخطوة تمثّل أبسط رد فعل أساسي من البرلمان تجاه ما حدث، وسيتبعها إجراءات أخرى ستجعل الدول التي ضغطت لتفعيل آلية الزناد تندم”.

ترحيب أمريكي إسرائيلي

قرار الترويكا الأوروبية ضد الجمهورية الإسلامية باركته واشنطن وتل ابيب، حيث رحب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بالخطوة الأوروبية. وقال في بيان صادر عنه إن القرار “كان يدعو إليه الرئيس دونالد ترامب”. مضيفاً أن بلاده ستبقي باب المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني مفتوحاً “من أجل السعي إلى حل سلمي دائم للمسألة النووية الإيرانية”.

من جهته، وصف سفير الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة داني دانون الخطوة الأوروبية بأنها “مهمة”. وقال إن “دول العالم تنضم للحرب على محور الشر.. هذه خطوة هامة من أجل وقف البرنامج النووي الإيراني وزيادة الضغط على النظام في طهران”.

ردود فعل دولية

وفي مقابل الترحيب الأمريكي الاسرائيلي، أعلن نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة أن باريس ولندن وبرلين لا تستند إلى “أي أساس قانوني” لتفعيل الآلية التي تتيح إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران على خلفية برنامجها النووي. وقال دميتري بوليانسكي في تصريحات صحافية “نرى أن هذا القرار الذي اتخذته دول أوروبية ليس له أي أساس قانوني بتاتاً لأنهم (الأوروبيون) لم ينفّذوا بحسن نية القرار 2231” الذي يحكم الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وأضاف: “نعتقد أن قرار الدول الأوروبية الثلاث لا يمكن ولا ينبغي أن يؤدي إلى أي عواقب قانونية أو إجرائية”. وإذ ندد بالأداء التصعيدي ضد إيران، رأى السلوك الأوروبي “يُظهر أن الدول الغربية لا تعرف معنى الدبلوماسية.. ويهمها فقط ابتزاز الدول المستقلة وتهديدها وإكراهها”.

بدورها، قالت وزارة الخارجية الصينية، إن إعادة فرض عقوبات على إيران بسبب الملف النووي “يقوض الحلول السياسية والدبلوماسية”.

على أن الموقف الروسي الصيني الرافض للأداء الأوروبي، لم يبق كلاماً إنشائياً، وإنما تحول إلى إطار عملي من شأنه عرقلة مسار الترويكا الأوروبية في إعادة تفعيل “العقوبات” الدولية على إيران. في هذا السياق، وضعت كل من روسيا والصين، اللمسات الأخيرة على مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، يهدف إلى تمديد الاتفاق النووي الإيراني مدة 6 أشهر. وقال دبلوماسيون لوكالة “رويترز”، إن المشروع يحث جميع الأطراف على استئناف المفاوضات فوراً. وتعقيباً على هذا الموضوع، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، إن “أعضاء مجلس الأمن الدولي يقفون أمام لحظة حاسمة”، مشيرة إلى أن لهم خيارين “إما دعم مشروع القرار الروسي الصيني للتمديد والدبلوماسية”، أو “تفعيل آلية سناب شاك التي سيكون لها عواقب وخيمة”. وأضافت البعثة الإيرانية في منشور على منصة “إكس”، أن “رد فعل الدول الأوروبية الثلاث على مشروع القرار (الصيني الروسي) سيُظهر في نهاية المطاف ما إذا كانت ملتزمة حقاً بالدبلوماسية، أم أنها تدفع بالأزمة إلى الأمام”.

خاتمة

بطلبها تفعيل آلية الزناد تكون دول الترويكا الأوروبية قد فخخت مسار العلاقة مع إيران، وارتأت أن تستكمل الحرب عليها، وهي إذ تدعي أنها لم تقطع سبل الدبلوماسية مع طهران بالضرورة بإجرائها المذكور، فإن أداءها في مجلس الأمن وتعاملها مع مشروع القرار الروسي الصيني من شأنه أن يكشف حقيقة نواياها وتموضعها الدائم خلف السياسات الأمريكية حتى وإن كان ذلك ضد مصالحها المباشرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *