الهروب من المضيق.. استراتيجية بديلة لإنهاء الحرب في قطاع غزة
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
مع استمرار الحرب في قطاع غزة، تتآكل الشرعية الدولية لإسرائيل وتتضرر مكانتها الدولية، إلى جانب تآكل الجيش الإسرائيلي واتساع الشرخ في المجتمع الإسرائيلي. يتطلب الخروج من المأزق تحولاً جذرياً يكسر قيود التفكير الذي يركز على بديلين فقط (كما حددهما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو): احتلال كامل للقطاع أو الاستسلام لحماس، مما سيبقيه في مكانه، مقابل إطلاق سراح الرهائن.
ولكن هناك خيار آخر يجمع بين البعدين العسكري والسياسي، ويستند إلى الاستفادة من الإجماع الإقليمي والدولي القائم بشأن إنهاء حكم حماس في القطاع، ونزع سلاحها، وعدم مشاركتها في أي حكومة مستقبلية، ونزع سلاح القطاع. يتضمن البديل المقترح أيضاً الإمكانية المعقولة – والالتزام الأخلاقي – لدولة إسرائيل لتحقيق إطلاق سراح جميع الرهائن.
في ضوء قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في 7 آب، يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة وما تبقى من مناطق القطاع التي لا تزال تحت سيطرة حماس. وتشير التقديرات إلى أن الجيش سيحتاج إلى عدة أسابيع لإعداد قواته للعملية، التي ستستمر عدة أشهر حتى اكتمال السيطرة على قطاع غزة بأكمله. وفي الوقت نفسه، يستعد الجيش لإجلاء السكان المدنيين من شمال قطاع غزة. وعلى الرغم من قرار قيادة حماس العودة إلى طاولة المفاوضات، كما صرّح متحدثوها، لمنع تنفيذ الخطة الإسرائيلية لاحتلال غزة، يُقدّر أن الخلافات في المواقف الأساسية بين إسرائيل وحماس لن تُحل. لذلك، من المنطقي افتراض عدم التوصل إلى اتفاق نهائي، والذي من المفترض، كما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن يتضمن نزع سلاح حماس، والإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها، ونزع سلاح قطاع غزة بالكامل، الذي سيبقى تحت مسؤولية أمنية متزايدة لإسرائيل. وهكذا، بعد نحو عامين من القتال، وجدت إسرائيل نفسها في مأزق استراتيجي. على الرغم من الإنجازات الباهرة والهامة في إلحاق الضرر بحماس وحرمانها من القدرة على العمل كجيش إرهابي منظم، إلا أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهداف الحرب: الانهيار التام لحكم حماس وتدمير قدراتها العسكرية بالكامل، وتهيئة الظروف لإطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين لدى المنظمة – أحياءً وأمواتاً – وإحداث تغيير جذري في الواقع الأمني في قطاع غزة. علاوة على ذلك، ومع مرور الوقت، تتآكل الشرعية الدولية لإسرائيل وتتضرر مكانتها الدولية. هذا إلى جانب تآكل الجيش، الذي يتفاقم بفعل اتساع الانقسام الاجتماعي والسياسي في إسرائيل وتزايد التوترات بين من يدعون إلى إطلاق سراح جميع المختطفين “هنا، الآن، وبأي ثمن” ومن يعارضون هذا النهج. والنتيجة هي غياب وحدة القوى في الساحة الاجتماعية والسياسية الإسرائيلية، بما يسمح باختيار بديل استراتيجي قابل للتنفيذ ومقبول لدى التيار الصهيوني السائد. في ظل هذا الواقع المعقد، يتطلب الخروج من المأزق تحولاً جذرياً يكسر قيود التفكير المقتصر على خيارين محتملين فقط: احتلال كامل للقطاع، أو اتفاق لإطلاق سراح المختطفين، وهو ما يُعتبر استسلاماً لحماس. إلا أن هناك بديلاً مبدئياً آخر، يجب دراسته وتطويره على أساس تكامل متطور بين البعدين العسكري والسياسي، قائم على إجماع إقليمي ودولي واسع ومتين، وهو إجماع قائم بالفعل: إطلاق سراح جميع الرهائن، واستبعاد حماس من أي اتفاق “اليوم التالي” في قطاع غزة، ونزع سلاح الحركة ونزع سلاح القطاع، وأيضاً على أساس مبدأ أن السيطرة المدنية في قطاع غزة ستكون فلسطينية، بينما تقع المسؤولية الأمنية المتزايدة على عاتق إسرائيل
النقاط الرئيسية للبديل المقترح
* تكون إسرائيل مستعدة لإنهاء الحرب وإعادة الانتشار العسكري على طول الحدود، مع الاستمرار في السيطرة على المحيط الأمني ومحور فيلادلفيا، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، ولن تكون حماس بعد الآن كياناً حاكماً أو مشاركاً في الحكومة في قطاع غزة، وآلية فعالة لنزع سلاح حماس ونزع سلاح القطاع بمرور الوقت.
* تتحمل إسرائيل مسؤولية متزايدة عن الأمن – لإحباط التهديدات ومنع بناء البنى التحتية العسكرية والإرهابية في قطاع غزة. ولتحقيق هذه الغاية، سيكون من الضروري الحفاظ على حرية العمل العملياتي.
* إقامة حكومة مدنية فلسطينية تقوم على إدارة تكنوقراطية – مهنيين – غير مرتبطة بحماس ولها علاقات بالسلطة الفلسطينية. ستكون السلطة شريكة مع مصر، والتي ستقود تحديد تشكيل الإدارة التكنوقراطية رهنا بموافقة إسرائيل الأمنية. ستعمل الإدارة تحت رعاية ومساعدة قوة عمل عربية مشتركة، بروح الخطة المصرية لإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، التي أقرتها واعتمدتها جامعة الدول العربية (أذار 2025).
* توافق إسرائيل على عمل الإدارة التكنوقراطية لمدة لا تقل عن عام، يُسمح خلالها للسلطة الفلسطينية بتنظيم نفسها للسيطرة على قطاع غزة، مع مراعاة تغييرات جوهرية ومؤكدة في أدائها كجزء من عمليات الإصلاح التي ستخضع لها.
* تُنشأ قوة شرطة فلسطينية بدون عناصر من حماس، تُدرّب في مصر والأردن تحت إشراف منسق الأمن الأمريكي. وستُستخدم هذه القوة لفرض القانون والنظام العام في قطاع غزة، ولتأمين توزيع المساعدات الإنسانية، بدعم من قوة عمل عربية مشتركة، مدعومة من المجتمع الدولي، وتسمح بسيطرة فعّالة على القطاع وسكانه.
* يتم تفعيل آلية دولية/عربية مشتركة بقيادة مصرية لنزع سلاح حماس، ونزع سلاح الفصائل المسلحة الأخرى، ونزع سلاح قطاع غزة، وذلك وفقاً لروح المبادرة المصرية ومبادئها، وكما ورد في البيان الختامي للمؤتمر الذي ناقش المبادرة الفرنسية السعودية (تموز 2025). هذا يعني أن حماس ستنزع سلاحها في مواجهة مصر، ثم في مواجهة السلطة الفلسطينية، وفقاً لرؤية رئيس السلطة، أبو مازن: “سلطة واحدة، سلاح واحد، وقانون واحد”.
* لن تبدأ إعادة إعمار قطاع غزة إلا بعد إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، الأحياء منهم والأموات.
* يتوقف التقدم في إعادة إعمار قطاع غزة على إبعاد حماس عن السلطة وبدء عمل آلية نزع السلاح.
بالإضافة إلى ذلك، توافق إسرائيل على إطلاق سراح الإرهابيين الفلسطينيين المدانين والمسجونين في إسرائيل، وفق أسس أساسية يتم الاتفاق عليها. ويتم تسليم السجناء إلى السلطة الفلسطينية و/أو مصر، وليس إلى حماس.
المنطق الذي يُحرك هذا البديل ذو شقين: إيجاد فرصة معقولة لتحقيق أهداف الحرب دون احتلال غزة وتوسيع نطاق العملية العسكرية؛ وكونه ذا صلة حتى لو تم الاتفاق على خطة جزئية لإطلاق سراح الرهائن، لأن هذه هي الغاية النهائية المطلوبة لإنهاء الحرب. في الوقت نفسه، يهدف هذا البديل إلى الالتزام بالخطوط الحمراء الإسرائيلية – تفكيك حماس، واستبعادها من أي خطة “لليوم التالي” في قطاع غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وزيادة مسؤولية إسرائيل الأمنية. وإذا أحبطت حماس هذه المبادرة، ستتمكن إسرائيل من حشد الشرعية داخلياً وخارجياً للعودة إلى العمل العسكري لتفكيك حماس، بما في ذلك إمكانية الترويج لبديل الاحتلال الكامل لقطاع غزة.
يُقدّر أن السيطرة المدنية الفلسطينية الفعلية على قطاع غزة غير ممكنة دون مشاركة ودعم السلطة الفلسطينية. فمشاركتها أساسية لحشد شراكة عربية فاعلة في استقرار قطاع غزة ونزع سلاحه، وتوفير الدعم الدولي لتنفيذ هذا البديل. مع ذلك، فإن مشاركتها لا تعني عودتها الفورية إلى قطاع غزة أو مساراً مباشراً نحو إقامة دولة فلسطينية. سيتعين على السلطة الفلسطينية قيادة إصلاحات جوهرية وضرورية، بالتوازي مع تشكيل حكومة تكنوقراط في قطاع غزة للفترة الانتقالية، ولن يتسنى تنسيق كيفية عودتها إلى السيطرة الفعلية على القطاع إلا بعد استقرار القطاع وتطبيق إصلاحات السلطة الفلسطينية.
في حال فشل الخطة المقترحة أو تعليق حماس للمفاوضات حول تفاصيلها، ستتمكن إسرائيل من العمل على تفكيك الحركة وتحقيق أهدافها الحربية المعلنة بالطريقة التي تراها مناسبة، مع فرصة أكبر لاكتساب الشرعية الإقليمية والدولية والشرعية المحلية لذلك. هذا إذا اقتنعت إسرائيل بأنها حاولت استنفاد كل السبل الممكنة لإنهاء الحرب وتحرير الرهائن.
مع أنه كان من الأفضل لو وُضع البديل المقترح، من حيث جوانبه العملية والسياسية، خلف الكواليس، إلا أن الجدول الزمني لا يسمح بذلك. لذلك، يُنصح بأن تُنسّق إسرائيل تفاصيله وتنفيذه عن كثب مع الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية، وكذلك مع السلطة الفلسطينية. وبما أنه من المتفق عليه نزع سلاح حماس وعدم مشاركتها في “اليوم التالي” في قطاع غزة، فستُجرى المفاوضات مع مصر والسلطة الفلسطينية، اللتين ستُضطران لفرض الاتفاق على حماس. سيُعزز هذا موقف مصر والسلطة الفلسطينية، ويُضعف موقف حماس. ومن العوامل الإضافية التي لا يُتوقع أن تُسهم في بلورة تفاصيل البديل المُقترح وقيادة تنفيذه، وبالتالي لا ينبغي إشراكها في عملية صياغته، قطر وتركيا والأمم المتحدة، التي لم يُعرف بعد دورها المُثبت في عرقلة هذا البديل.
سيُعرض الاقتراح على حماس على شكل اقتراح “خذه أو ارفضه”، وسيُوضع جدول زمني قصير وصارم لقبوله وتنفيذه، وذلك لحرمان الحركة من القدرة على تعطيله أو إحباطه من خلال التأخير. إذا رفضت حماس الخطة أو أُحبطت بالمراوغات، فسترد إسرائيل وتتصرف، بموافقة الشراكة، بالطريقة التي تختارها.
مزايا البديل المقترح
* إن وجود فرصة معقولة لتجنب توسع الحرب وإطالة أمدها، وإن كانت شظاياها تُعرّض حياة الرهائن والجنود للخطر، أمرٌ مثير للجدل لدى الرأي العام الإسرائيلي، وينطوي على تكاليف اقتصادية باهظة، وقد يؤدي حتى إلى تورط إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب، ومزيد من التدهور السياسي والقانوني الدولي
* إنهاء الحرب: من أجل إطلاق سراح الرهائن وتوجيه الموارد إلى عملية إعادة إعمار إسرائيل
* إبعاد نظام حماس عن قطاع غزة وتهيئة الظروف لنزع سلاحها
* تشكيل واقع أمني جديد في قطاع غزة وجنوب إسرائيل
* تحفيز الإصلاحات في السلطة الفلسطينية
* مسؤولية قطاع غزة تقع في المقام الأول على عاتق العوامل الإقليمية الساعية إلى الاستقرار، ولاحقاً أيضاً على عاتق السلطة الفلسطينية. يقع عبء إثبات استقرار قطاع غزة على عاتق هذه العوامل. كل هذا – سعياً لجعل قطاع غزة جزءاً من هيكل إقليمي جديد يُمكّن من تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للشراكات الإقليمية. تحسين الظروف لدفع عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية السنية وتوسيع “اتفاقيات إبراهيم”
* تعزيز مكانة مصر كمركز استراتيجي في المنطقة
* إضعاف نفوذ قطر وتركيا على الساحة الفلسطينية
* تعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية وإمكانية حشد الشرعية لتجديد التحركات العسكرية في قطاع غزة، في حال رفض البديل المقترح أو تعذّر تنفيذه
* تخفيف التوتر بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، وتحسين القدرة على إقناع الرأي العام بوجود جهد حقيقي يُبذل لتحرير الرهائن
خلاصة
في الوقت الراهن، وفي ظلّ محدودية التفكير الثنائي، تواجه إسرائيل خيارين سيئين: احتلال القطاع، مع ما يترتب على ذلك من عبء ثقيل وقلق بالغ على حياة الرهائن المحتجزين لدى حماس، أو التصالح مع حماس كقوة مهيمنة في القطاع وقبول معظم شروطها مقابل إطلاق سراح الرهائن، وهو ما يُرجّح تفسيره على أنه استسلام. هذا، إلى جانب تآكل خطير في شرعية إسرائيل ومكانتها الدولية، وفي ظل انقسامات اجتماعية وسياسية عميقة. في ظل هذا الوضع الثنائي الظاهر، يُقترح مسار بديل يعتمد على تكامل أكثر تطوراً بين البعدين العسكري والسياسي – إطار يشمل إسرائيل والدول العربية المعتدلة، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، مما يُحيّد، حماس عن التأثير على مستقبل قطاع غزة، استناداً إلى الشرعية الإقليمية والدولية القائمة،
يتضمن هذا البديل إمكانية كبيرة لتعزيز الوضع النهائي الأمثل للحرب في قطاع غزة فيما يتعلق بالمصالح الإسرائيلية – تفكيك حماس؛ إطلاق سراح الرهائن؛ تحمل إسرائيل مسؤولية أمنية لمنع تطور التهديدات؛ وتهيئة الظروف لتجديد عملية التطبيع كركيزة أساسية لهيكل إقليمي جديد، ستكون إسرائيل جزءاً أساسياً منه.
معهد أبحاث الأمن القومي – كوبي ميخائيل أودي ديكل عوفر غوترمان
