التوتر الأمريكي الفنزويلي يتصاعد.. حشود عسكرية متبادلة واحتكاكات مباشرة
بقلم ابتسام الشامي
ارتفعت حدة التوتر الأمريكي الفنزويلي خلال الأخيرة الماضية، مصحوبة باستنفار عسكري من الطرفين، وذلك في أعقاب نشر الولايات المتحدة الأمريكية سفناً حربية قبالة شواطئ فنزويلا بزعم ملاحقة عصابات تهريب المخدرات، وإعلان الرئيس الفنزويلي التعبئة الشاملة للتعامل مع أي عدوان أمريكي محتمل.
احتمال التصعيد وارد
أبقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احتمال شن عمليات عسكرية داخل فنزويلا قائماً، وفي رده على أسئلة الصحافيين وهو في طريقه لحضور بطولة أمريكا المفتوحة للتنس في نيويورك الأحد الماضي، بشأن ما إذا كانت واشنطن ستدرس توجيه ضربات لأهداف داخل فنزويلا، بقوله “سوف تكتشفون ذلك”.
رد ترامب بعدم التأكيد أو النفي، أثار المزيد من التكهنات حول النوايا العدوانية الأمريكية تجاه فنزويلا، وذلك على خلفية التعزيزات العسكرية الأمريكية في منطقة الكاريبي. وهو ما وثقه حساب ديفينس إنتيليجنس، مشيراً إلى أن 10 مقاتلات أمريكية من طراز “إف – 35” هبطت في بورتوريكو على بعد 550 ميلاً فقط من فنزويلا. في وقت، تنتظر فيه حاملة الطائرات “يو إس إس إيو جيما” للإبحار، لتكون على مقربة من المكان.
وصاحَبَ الاستنفار العسكري المتبادل خلال الأيام الماضية حوادث عملية رفعت احتمالية التصعيد العسكري. فقد أعلنت وزارة الحرب الأمريكية أن طائرتين عسكريتين فنزويليتين حلّقتا الخميس الماضي فوق سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، محذرة كراكاس من أيّ تصعيد إضافي بعد هذه الخطوة “الاستفزازية للغاية”.
على أن الخطوة “الاستفزازية للغاية” وفق توصيف وزارة الحرب الأمريكية جاءت بعد تبنيها استهداف قارب فنزويلي في البحر الكاريبي، زعم الرئيس الأمريكي أنه كان محملاً بالمخدرات، وقد أبحر من شواطئ فنزويلا نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً كانوا على متنه، وصفهم ترامب بأنهم “أفراد في عصابة تابعة للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو” الذي تتهمه الولايات المتحدة بقيادة شبكات للاتجار بالمخدرات.
تزخيم الحشود العسكرية
يأتي هذا التطور بعدما اتخذت واشنطن في شهر آب الماضي قراراً بنشر سفن حربية قبالة فنزويلا بزعم محاربة تجارة المخدرات، وسارع الرئيس الفنزولي نيكولاس مادورو آنذاك إلى التنديد بالتعزيزات العسكرية الأمريكية، معتبرا أنها “أكبر تهديد تشهده قارتنا خلال الأعوام الـ 100 الماضية”. وأعلن استعداد بلاده “للكفاح المسلح دفاعاً عن أراضيها”. وحشد الجيش الفنزويلي، الذي يبلغ تعداده حوالي 340 ألف عنصر، وجنود الاحتياط الذين يُعتقد أن عددهم يتجاوز 8 ملايين. وقال مادورو لمراسلين أجانب “إذا تعرضت فنزويلا لهجوم، فستدخل فوراً مرحلة من الكفاح المسلح”.
احتمال التصعيد العسكري الأمريكي يرتفع منسوبه في فنزويلا بسبب التحشيد العسكري الأمريكي من جهة، وما قرأته في قرار ترامب تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب.
فقد رأت الحكومة الفنزويلية في القرار الأمريكي رسالة مباشرة لها، وعلى خلفية ذلك رجح بعض المراقبين أن خروج الرئيس الفنزويلي مادورو بدوره بالبذلة العسكرية ربما كان رسالة جوابية، ترمز إلى أن الرسالة وصلت وأن فنزويلا على استعداد للمواجهة.
وفي سياق متصل أعلن وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو لوبيز، عن تعزيز خاص للوجود العسكري في 5 ولايات تقع في ما يوصف بـ الوجهة الكاريبية للبلاد. وتشمل ولايات زوليا وفالكون ونويفا إسبارتا وسوكر ودلتا أماكورو، لترتفع القوة المنتشرة من 10 آلاف إلى 25 ألف جندي مدعومين بقطع بحرية وطائرات مسيّرة. وقال بادرينو، في مقطع فيديو نشره عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي “لن تطأ هذه الأرضَ أي قوة لتفعل ما يجب أن نقوم نحن به”، من دون تقديم تفاصيل إضافية عن حجم القوات المشاركة.
تفنيد حرب المخدرات
وتحت مزاعم محاربة تجار المخدرات تستشعر كاراكاس عدواناً أمريكياً مبيتاً وهي إذ تستعد لمواجهته فإنها تحرص على تفنيد تلك المزاعم. وفي هذا السياق رد الرئيس الفنزويلي مادورو، على ذلك بالسخرية، وقال في حوار مع قناة روسيا اليوم، إن رواية الشيطنة لرموز وشعوب أمريكا اللاتينية التي تعتمدها الولايات المتحدة في وصمهم بتجار المخدرات، وتسعى إلى شن حروب على أساسها، هي رواية “مضللة”؛ لأن مكافحة تجارة المخدرات تبدأ من التوقف عن الاستفادة من أموالها. مشيراً إلى أن 85% من أموال المخدرات يجري غسلها في البنوك الأمريكية، وإذا كانت الإدارة الأمريكية جادة فعلاً في محاربة هذه التجارة القذرة، فلتلاحق أصحابها وتمنع بنوكها من المشاركة في دورة تبييض أرباحها. إلى ذلك كشف الكاتب والصحافي الفنزويلي دييغو سيكيرا عن أبعاد جديدة لما تسميه الولايات المتحدة حربها على المخدرات في فنزويلا، مؤكداً أنها ليست سوى غطاء لأهداف اقتصادية تتعلق بالسيطرة على النفط القريب من الأراضي الفنزويلية.
وقال سيكيرا خلال ظهوره في برنامج تأثير سانشيز على قناة RT إن البيت الأبيض لا يسعى فعلا لمحاربة تهريب المخدرات كما يعلن، بل يستخدم هذا الملف كذريعة للتدخل في شؤون فنزويلا والسيطرة على مواردها الطبيعية. وأوضح أن تقارير دولية عديدة تشير إلى أن الجزء الأكبر من تجارة المخدرات لا ينطلق أساساً من فنزويلا، وعلى الرغم من ذلك تركز واشنطن حملتها الإعلامية والسياسية ضد كاراكاس. وأضاف أن “برميل النفط هو الهدف الحقيقي، وليس قارب المخدرات”.
أشار سيكيرا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يرغب في خوض حرب مباشرة مع فنزويلا، لكنه قد يسعى لاستغلال أي تطورات لمصلحته سياسياً. ويرى الكاتب أن ترامب اعتاد توظيف القضايا الخارجية لتعزيز صورته الداخلية، إذ يفضل أن ينسب لنفسه أي إنجاز محتمل حتى لو لم يكن هو من صنعه بالكامل.
خاتمة
بقدر تزايد الشكوك بالنوايا الأمريكية تجاهها، يزداد الاستعداد الفنزويلي لمواجهة عدوان عسكري أمريكي وشيك. الرئيس الفنزويلي الذي كان قد أعلن التعبئة العامة في البلاد لصد الأخطار المتوقعة، حسم الأمر “إذا تعرضت فنزويلا لهجوم، فستدخل فوراً مرحلة من الكفاح المسلح”، وعلى ضوء الحشود العسكرية فإن السؤال المطروح هل تبادر واشنطن إلى حرب ضد كاراكاس وتكون الأخيرة ساحة الاختبار الأول لتغيير ترامب اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب؟.
