الهجوم الإسرائيلي على الدوحة هل يُسقط المظلَّة الأمريكية؟!
بقلم زينب عدنان زراقط
الحديثُ الدائر اليوم في الأوساط الإعلامية والسياسية هو حول الهجوم الإسرائيلي على قطر في محاولةٍ لاغتيال موفد حماس المبعوث للتفاوض حول المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار في “غزة”.
في قمّةٍ عربية طارئة عُقِدت تضامُناً مع الدوحة، للاستنكار دون الشكوى وللتمنّي دون التهديد على “تل أبيب” ما لا يضرُّ بعلاقاتهم المشتركة! في قمةٍ لم نرَ رأسها يوم أغارت طائرات الجيش الإسرائيلي على طهران واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية”، وخرست أفواه أَعرابها عن إدانة الاعتداءات على لُبنان واليمن وحرب غزة، وكان الغائب الوحيد ما بين أسطرها – المُجنى عليهم -!.
حتّى حصّةُ “ترامب” من الثناء لإنذارهم بالاعتداء في آخر لحظة كانت محفوظة ولم تُنسَ، دون استهجانٍ لعدم تصدّي المضادات الأمريكية في قاعدة العديد بقطر لهذا العدوان الإسرائيلي. ولا حتى إدانته لاستدراج القادة الفلسطينيين بحجة مفاوضاتٍ كاذبة.
بعد هذا التطاول الإسرائيلي على دولةٍ عربيةٍ خليجية تُعتبر حليفة استراتيجية لأمريكا، هل انكشفت هشاشة المظلة الأمريكية لتلك البلدان على الرُغم من ولائهم المُطلق؟ أم هو قرار اللوبي الصهيوني الذي غلب الخيارات الأمريكية؟! وما هي رسائل العدوان الصهيوني على قادة حماس في الدوحة؟.
بين التطبيع والرضوخ
الرسالة الأساسية من الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر واضحة بأن لا مكان للسلام أو المفاوضات مع حماس، وأنها مصممة على القضاء عليها بشكل كامل. استهدافٌ لأجل القضاء على آخر مَا تبقى من قادة المقاومة الفلسطينية عند آخِر نقطة من الوصول إلى وقف الحرب على “غزة”. فقد سبق وأن هدّد نتنياهو في كلمة مصورة، قائلاً مخاطباً قطر “على قطر وجميع الدول التي تؤوي إرهابيين.. إما أن تطردهم أو تقدمهم للعدالة.. إذا لم تفعلوا ذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي سيفعله”.
في طيّاتها كانت تحمل أيضاً رسالة تحذير لكل الدول العربية التي قد تسعى لحماية الفلسطينيين أو التفاوض نيابة عنهم، كما هو الحال مع قطر، التي تلعب دوراً استراتيجياً كوسيط في المنطقة، مستضيفة لقادة حماس وممولة لأنشطتهم عبر سنوات طويلة. الاعتداء الإسرائيلي على قطر يوضح أن إسرائيل مستعدة لكسر كل الخطوط الحمراء حتى مع حليف أمريكا الرئيسي في المنطقة.
هنالك تحول استراتيجي في قواعد الاشتباك الإقليمية، بيد أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة وباقي الدول العربية يشير إلى أن إسرائيل باتت تتصرف بحصانة كاملة وبدعم أمريكي مباشر، ما يعني أن الدول التي كانت تعتقد بحصانتها من خلال علاقاتها مع الولايات المتحدة عليها أن تعيد حساباتها. هذا التغيير يفرض على الدول العربية إعادة النظر في سياساتها واستراتيجياتها الأمنية والسياسية، وربما يدفعها للتقارب أكثر مع محور المقاومة أو البحث عن تحالفات جديدة.
ومن المُرجّح أن يكون الهجوم على الدوحة يحمل في طياته رسالة واضحة لتركيا مفادها أنها الهدف القادم في حال التصعيد، خصوصاً مع وجود علاقات تركية قوية مع حماس والمقاومة فلسطينية. في الوقت ذاته، يوجه رسالة للسعودية والدول الخليجية بأن إسرائيل ليست ملتزمة بأي حصانة تقليدية، وأن علاقتها بأمريكا لا تحميها من الاستهداف. هذه الديناميكية تزيد من تعقيد المشهد الإقليمي وتضع أنقرة والرياض أمام خيارات صعبة بين التصعيد أو التهدئة.
لا حماية أمريكية لأحد من إسرائيل
إلاَّ أنَّ هذه العملية الأخيرة التي شنتها إسرائيل فشلت استخبارياً بشكل كبير، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لإسرائيل التي تشتهر بقدراتها الاستخباراتية. هذا الفشل أدى إلى تراجع الدعم الأمريكي المباشر، وخلق حالة من التناقض في المواقف بين الأطراف المختلفة، وأدى إلى محاولات من الدول العربية لتبرئة أمريكا من المسؤولية، على الرغم من التنسيق الواضح بين الطرفين. بينما اعتبر نتنياهو خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أنَّ “الهجوم على قادة حماس بالدوحة لم يفشل.. الغارة كانت رسالة أن ليس لديهم حصانة، مؤكداً أنه لا حصانة لـ “الإرهابيين!” في أي مكان”.
نجد أنَّ التسليح العربي وحقيقة الحماية على الرغم من الإنفاق الضخم على التسليح في الدول العربية، فإن إسرائيل تمكنت بسهولة من مهاجمة قطر، الدولة الحليفة الرئيسية لأمريكا، ما كشف هشاشة الحماية الأمريكية والاعتماد المفرط على السلاح دون استراتيجية واضحة للدفاع عن الشعوب والدول العربية. وهذا يطرح تساؤلات جدية حول جدوى هذا التسليح وفعاليته في مواجهة التحديات الأمنية الحقيقية.
القمم العربية التي عقدت لم تكن أكثر من بيانات استنكار خجولة، لم تتضمن أي قرارات فعلية ولا حتى شكوى أو نص تهديد أو أيّة إجراءات لدعم قطر أو المقاومة الفلسطينية. هذا الضعف بالمواقف العربية الرسمية يعكس حالة التردد والتقاعس التي تعاني منها هذه الأنظمة، والتي تفضل الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل وأمريكا حفاظاً على مصالحها الخاصة معهم. التزموا بأوامر الصمت منذ بداية حرب اليمن إلى حرب غزة والتصفيات المذهبية التي تجري في سوريا استجداءً للحماية. ولكن تبيّن على الرُغم من الطاعة أنهم لم يأمنوا من جنون واليهم.
الخطاب الرسمي العربي حول السلام مع إسرائيل تراجع من مبادرة “الأرض مقابل السلام” إلى “السلام مقابل الحماية”، وهو تعبير عن فقدان الأمل في تحقيق سلام عادل يضمن حقوق الفلسطينيين. هذا التحول يعكس الواقع المرير في المنطقة حيث السلام أصبح أداة للحفاظ على أنظمة الحكم وليس لتحقيق العدالة أو إنهاء الاحتلال.
في الختام، على الرُغم التفوق التكنولوجي، يعاني الجيش الإسرائيلي من تراجع في الروح المعنوية والقدرة القتالية، وسط استنزاف طويل في غزة واليمن ولبنان. هذا الضعف ينعكس على قرارات القيادة الإسرائيلية ويجعلها تميل إلى حروب استنزاف منخفضة الوتيرة بدلاً من حروب شاملة. الظروف الداخلية التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي، مثل نقص الجنود والتعب العام، تؤثر على قدرة تل أبيب في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. ونتنياهو يسعى بكُل ما أوتيَ لمنع المفاوضات ومنع إيقاف الحروب أو تهدئة الجبهات، لأنه متى ما حلَّ وقف إطلاق النار سوف تبدأ محاسبته ويُجرُّ إلى المحكمة.
خاتمة المشهد الإقليمي الراهن يعكس تصاعداً خطيراً في التوترات بين إسرائيل والدول العربية مع تراجع دور الولايات المتحدة كحامٍ تقليدي. الهجمات الإسرائيلية المتكررة والرسائل الموجهة تؤكد أن قواعد اللعبة تغيرت، وأن المنطقة تدخل مرحلة جديدة من الصراع المعقد الذي لن يحسم عسكرياً بسهولة مع غياب أفق واضح للحل السياسي التقليدي في ظل مخاطر حقيقية لانفجار مواجهة إقليمية أوسع.
