دوليات

الشراكة الاستراتيجية الإيرانية الروسية: تعميق التعاون في مواجهة التحديات المشتركة

بقلم ابتسام الشامي

تعزيز الشراكة

في إعلانها دخول الاتفاقية الاستراتيجية حيز التنفيذ، وصفت وزارة الخارجية الروسية الحدث بالـ “علامة الفارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين”. وقالت في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أمس الخميس “تدخل معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وجمهورية إيران الإسلامية، التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني محمود بزشكيان في موسكو في 17 يناير 2025، حيز التنفيذ رسمياً في 2 أكتوبر”.

وأضاف البيان أن “هذا الحدث يمثل علامة فارقة في تاريخ العلاقات الروسية الإيرانية التي وصلت إلى مستوى جديد نوعياً من الشراكة الاستراتيجية الشاملة”. وإذ ذكّرت الخارجية الروسية أن المعاهدة تضع مبادئ توجيهية محورية في جميع المجالات ذات الأولوية للتعاون الثنائي طويل الأمد، شدّدت على أنها “تعكس الاختيار الاستراتيجي للقيادة السياسية العليا في روسيا وإيران لتعزيز علاقات الصداقة وحسن الجوار بشكل شامل، بما يتوافق مع المصالح الجذرية لشعبي البلدين”.

بنود الاتفاقية

المعاهدة قد وُقعت في موسكو في 17 كانون الثاني من العام الجاري، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، جاءت لتُرسي أسساً جديدة في علاقة البلدين بما يجعلها أكثر استراتيجية من سابقتها الموقعة مطلع الألفية الجديدة، ويعتبر الجانبان، أن الاتفاقية لا تؤسس لشراكة طويلة الأمد فحسب، بل تتيح تنسيقاً أوثق في القضايا الإقليمية والدولية، بما يعكس توجهاً استراتيجياً في كل من موسكو وطهران لمواجهة التحديات المشتركة وترسيخ التعاون الشامل بينهما، وهو ما عكسته بوضوح بنود الاتفاقية، حيث شملت تعزيز التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما في التجارة والاقتصاد والطاقة والدفاع. كما نصّت على الحفاظ على مستوى عالٍ من التنسيق الأمني. وبموجبها، أكد الطرفان التزامهما بعدم تقديم أي دعم للمعتدي في حال تعرّض أحدهما لعدوان، وعدم السماح باستخدام أراضيهما لدعم الحركات الانفصالية التي تهدد سلامة أراضيهما.

وعلى أهمية البعد الأمني في الاتفاقية، جاء البعد الاقتصادي موازياً ومعبراً عن خيار البلدين في رفع مستوى التشبيك الاقتصادي، فقد شددت اتفاقية العشرين عاماً على تطوير مشاريع مشتركة في مجال الطاقة النووية السلمية وبناء منشآت جديدة. ونصت أيضاً على مرور خط أنابيب الغاز من روسيا إلى إيران عبر أذربيجان.

ولحظت الاتفاقية أيضاً تعزيز التعاون في المجال الإغاثي الإنساني، تحديداً في مجال احتواء تداعيات الكوارث الطبيعية وكذلك الكوارث التي يصنعها الإنسان.

ولكون البلدين يتعرضان لحملة تشويه وشيطنة من الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها، فإن الاتفاقية ركزت أيضاً على تعزيز التعاون الإعلامي لمواجهة حملات التضليل والدعاية السلبية. واتفق الجانبان على مواجهة العقوبات التي اعتبراها “غير قانونية دولياً”، والتعهد بعدم الانضمام إلى أي قيود أو تدابير قسرية أحادية الجانب.

من النص إلى التطبيق

الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ سبقت موعدها التطبيقي، إذ وجدت بنودها ترجمة عملية من خلال سلسلة خطوات خلال الاشهر الماضية، كان أبرزها تصدي روسيا لإعادة فرض “العقوبات” الدولية على إيران، ولئن فشل مشروعها المشترك مع الصين، بتأجيل إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران مدة 6 أشهر، فإنها أعلنت بصراحة عدم التزامها بقرار العودة إلى العقوبات. ومن على منبر مجلس الأمن الأربعاء الماضي، قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن بلاده لا تعترف بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. وأضاف في مؤتمر صحفي لمناسبة بدء رئاسة روسيا مجلس الأمن الدولي في تشرين الأول الجاري: “سنعيش في واقعين متوازيين، لأن إعادة فرض العقوبات بالنسبة للبعض حدثت، وبالنسبة لنا لم تحدث”.

هذه الرسالة القوية في دعم إيران، سبقها الكشف عن تعاون نووي بين الجانبين. فقد أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، في الثاني والعشرين من أيلول الماضي، أن بلاده ستوقع خلال الأيام المقبلة اتفاقاً مع روسيا لإنشاء محطات طاقة نووية جديدة داخل إيران، في خطوة وضعت في سياق تعميق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين الخاضعين لعقوبات دولية مشددة.

وأضاف إسلامي، في تصريحات لوكالة الأنباء الإيرانية (إرنا)، أن الاتفاق بين حكومتي البلدين ينص على بناء 8 محطات للطاقة النووية من جانب روسيا، 4 منها في بوشهر. منوّهاً بأن لدى إيران “خطط لتوليد 20 ألف ميغاواط من الكهرباء عبر الطاقة النووية، مع إسناد دور رئيسي لروسيا في تطوير محطات جديدة. ويجري حالياً بناء الوحدتين الثانية والثالثة من محطة بوشهر النووية”.

وجاء كلام اسلامي على هامش زيارة قام بها إلى موسكو اليوم بهدف لقاء المسؤولين الروس والتباحث معهم والتحدث في فعاليات أسبوع الذرة العالمي في روسيا عن آفاق التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أشار من هناك إلى استكمال المفاوضات والدراسات اللازمة لتنفيذ الجزء الثاني من العقد الموقع بين الجانبين، بعدما جرى اختيار الأراضي اللازمة لبناء محطات الكهرباء، وتجهيزها بما يلزم. كاشفاً عن زيارات إلى مواقع بناء هذه المحطات النووية، وإجراء مفاوضات بشأن العقود، قبل الدخول مطلع الشهر الجاري في “مرحلة التشغيل للمضي قدماً في التصميم والهندسة والإجراءات التكميلية”.

خاتمة

في لحظة إقليمية ودولية مفصلية، تدخل الشراكة الاستراتيجية الإيرانية الروسية حيز التنفيذ، حاملة رسائل ودلالات عميقة حول الاصطفاف الاستراتيجي الآخذ في التبلور بين موسكو وطهران في مشهد عالمي، تعيد أحداثه وتطوراته تشكيل منظومة العلاقات الدولية، وتحديد أوزان القوى الكبرى ومكانتها على مفترق ولادة نظام عالمي جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *