إعرف عدوك

مبادرة ترامب لقطاع غزة.. المخاطر والفرص

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

كما تشير المبادرة إلى نية مرحّب بها لدمج العمل السياسي مع العمل العسكري، من خلال إعادة إعمار القطاع وتعزيز بديل حكومي وفكري لحماس، كجهود ضرورية ضمن استراتيجية متعددة الأبعاد للقضاء على التنظيم. المبادرة إيجابية بالنسبة لإسرائيل، خصوصاً إذا قبلتها حماس، ولكن حتى في السيناريو المرجح الذي ترفضها فيها، تبقى فرصها قائمة. ومع ذلك، فإن استغلال الفرص الكامنة فيها يعتمد على التزام حقيقي وطويل الأمد من جانب إسرائيل – ليس فقط للاستمرار في القمع العسكري لحماس، بل أيضاً للعمل على إعادة الإعمار المدني والتسوية السياسية لقطاع غزة وللقضية الفلسطينية بشكل عام.

أصدر البيت الأبيض في 29 سبتمبر/أيلول مبادرة الرئيس ترامب المكونة من عشرين نقطة لوقف القتال في قطاع غزة ولرسم واقع جديد من الاستقرار وإعادة الإعمار في “اليوم التالي”. أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن موافقته المبدئية على الخطة، كما أعرب عدد من القادة العرب والمسلمين، بما في ذلك مصر والإمارات، عن دعمهم للمبادرة. ولم تبلّغ حماس بعد ردها، ولكن استناداً إلى ردود الفعل السلبية للجهاد الإسلامي والحوثيين، الذين اعتبروا المبادرة مؤامرة أمريكية – إسرائيلية لمواصلة السيطرة على قطاع غزة، فمن المرجح أن ترفض حماس المبادرة.

على المدى الفوري، تنص الخطة على أنه عند التوصل إلى اتفاق بين الأطراف، ستتوقف الحرب، وستبدأ إسرائيل بالانسحاب التدريجي، وسيُعاد جميع الرهائن خلال 72 ساعة. بالتوازي، سيتم الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين والجثث، وسيحصل أعضاء حماس الراغبون على العفو أو على المرور الآمن إلى دول مضيفة. كما ستتضاعف جهود تقديم المساعدات الإنسانية بشكل كبير، وستتم إدارتها من قبل الأمم المتحدة، والهلال الأحمر، وجهات دولية أخرى، مع إعادة تأهيل البنى التحتية الحيوية وإزالة الأنقاض. بالتوازي، ستبدأ عملية إنشاء حكومة فلسطينية انتقالية تكنوقراطية، تحت إشراف إطار دولي (مجلس السلام) برئاسة الرئيس ترامب نفسه، ستكون مسؤولة عن وضع خطط إعادة الإعمار وتأمين التمويل لتنفيذها، حتى يتم استكمال الإصلاحات في السلطة الفلسطينية التي ستمكّنها من تولي المسؤولية عن القطاع.

على المدى المتوسط والبعيد، تضع المبادرة خطوطاً عريضة لبنية أمنية واقتصادية وسياسية جديدة في القطاع. سيُقصى حماس عن إدارة الحكم، وسيُطلب منه تسليم سلاحه وتفكيك بنياته العسكرية. سيتم إنشاء قوة استقرار دولية بمشاركة الولايات المتحدة وشركاء إقليميين، تكون مسؤولة عن استلام أسلحة حماس ونزع سلاح القطاع وتدريب قوة شرطة فلسطينية.

تتعهد إسرائيل بعدم احتلال أو ضم قطاع غزة وستنسحب جزئياً من القطاع: انسحاب أولي إلى خط خلفي أكثر مع إطلاق سراح الرهائن، وانسحاب ثانٍ حتى مناطق الحدود سيتم تنفيذه بشكل متدرج وبما يتناسب مع تقدم عملية نزع السلاح؛ ومع ذلك، ستحافظ إسرائيل على السيطرة على المحيط (البرِيمِتَر) وعلى ممر فيلادلفيا على المدى الطويل.

بالتوازي سيُطلق برنامج إعادة إعمار اقتصادي يشمل منطقة تجارة خاصة، واستثمارات دولية، وتوفير فرص عمل محلية، إلى جانب عملية نزع التطرف وحوار بين الأديان. مع تقدم إعادة الإعمار في قطاع غزة والإصلاحات في السلطة الفلسطينية، ستتوفر الشروط لأفق سياسي يؤدي إلى دولة فلسطينية، بمرافقة حوار مباشر بين إسرائيل والفلسطينيين.

إذا أعاق حماس أو رفض العرض، فستُطبق البنود المذكورة أعلاه في المناطق التي ستُطهّر من وجوده، والتي سيسلّمها جيش الدفاع الإسرائيلي تدريجياً إلى قوة الاستقرار الدولية. تشير هذه الفقرة إلى إمكانية تطبيق جزئي ومتدرّج للمبادرة حتى لو لم توافق حماس عليها، بحيث تبدأ عمليات الإعمار في الأجزاء المطلَّة من وجود حماس، وفي الأجزاء التي لم تُطهَّر بعد سيواصل الجيش الإسرائيلي العمل بشكل مكثّف.

فيما يلي تحليل أولي لمبادرة ترامب، مع التركيز على المزايا والفرص التي توفرها لإسرائيل، وكذلك المخاطر ونقاط الضعف.

الفرص

أولاً وقبل كل شيء، تتبنّى الخطة مبادئ إسرائيل الأساسية:

إطلاق سراح جميع الرهائن على الفور، الإقصاء التام لحماس عن إدارة الحكم، نزع سلاح القطاع، توسيع المسؤولية الأمنية لإسرائيل، والحفاظ على تواجد دائم للجيش الاسرائيلي على الحدود (المحيط/البرِيمِتَر وعلى طول محور فيلادلفيا).

مبدأ الإدارة التكنوقراطية الفلسطينية تحت إشراف دولي صحيح من الناحية الموضوعية. ينص الصياغة الرسمية على أن الكيان سيكون غير سياسي (تماشياً مع طلب نتنياهو لحكم فلسطيني يكون “لا حماس ولا السلطة الفلسطينية”)، لكن في الواقع من المرجح أن يحافظ على صلة بالسلطة الفلسطينية، كما تطالب الدول العربية، وذلك على الأقل من خلال تشكيل أفراده. ويشير إلى ذلك البند 8، الذي ينص على أن معبر رفح سيُفتح ويُدار وفق الآلية المعمول بها منذ يناير/كانون الثاني 2025، والتي يشرف عليها فعلياً أفراد من السلطة، ومن المعروف أن بعض الأشخاص المعيّنين لرئاسة الإدارة المحلية، بما في ذلك قوة الشرطة الجديدة، ينتمون إلى صفوف فتح وأفراد السلطة.

تشير تقارير الإعلام إلى أن مدة عمل الإدارة التكنوقراطية قد تمتد لعدة سنوات. ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن نقل المسؤوليات والصلاحيات من الإدارة التكنوقراطية إلى السلطة الفلسطينية سيتم فقط بعد تنفيذ إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية، وليس وفق جداول زمنية صارمة، على عكس المبادرة المصرية التي اقترحت أن تعمل الإدارة التكنوقراطية لمدة ستة أشهر قبل أن تنقل صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية.

على الصعيد الأمني، يمكن لمبدأ التدريج في الانسحاب الإسرائيلي أن يساعد في الحفاظ على السيطرة الإسرائيلية على نقاط استراتيجية، مع التركيز على محيط القطاع (البرِيمِتَر ومحور فيلادلفيا) كعمق دفاعي لحماية مستوطنات النقب الغربي ومنع تهريب الأسلحة عبر شبه جزيرة سيناء. علاوة على ذلك، في حال رفض حماس الصفقة، تمنح المبادرة إسرائيل حرية التصرف لمواصلة عمليات الجيش الإسرائيلي لتطهير المناطق الخاضعة لسيطرة حماس، إلى جانب تعزيز عمليات الاستقرار السياسي والأمني والمدني في المناطق التي تم تطهيرها من حماس.

على الصعيد السياسي والمدني، تعبّر المبادرة عن فهم للحاجة إلى إعادة إعمار متكاملة للنظام السياسي والإداري، ولأنظمة الحياة (إعادة إعمار البنى التحتية والاقتصاد)، وللمجتمع الفلسطيني والأفكار المتطرفة السائدة فيه (نزع التطرف). هذه العناصر تشكل أسساً ضرورية لخلق مسار للتغيير المادي والفكري يساهم في استقرار القطاع ويقلل الدوافع للجوء إلى العنف والمواقف المتطرفة.

تفترض الاقتراحات في بنودها الأخيرة أنه إذا تم تنفيذ البنود السابقة، والتي تشمل إصلاحات عميقة في السلطة الفلسطينية وإعادة إعمار القطاع، ستتوفر الشروط لمسار موثوق نحو “دولة فلسطينية”. هذه صياغة إيجابية، توازن بين الحاجة لتحفيز الفلسطينيين على تبني نهج سياسي أكثر اعتدالاً وسلمياً، مع الحفاظ على المسؤولية الأمنية لإسرائيل ومنع نقل السلطات السيادية إلى الفلسطينيين ما لم يغيروا موقفهم الأساسي تجاه الصراع مع إسرائيل.

المخاطر ونقاط الضعف

جنباً إلى جنب مع مزاياها، يتضمّن المقترح الأمريكي أيضاً ثغرات ونقاط ضعف بالنسبة للمصالح الإسرائيلية.

أولاً وقبل كل شيء، من المرجح أن تواجه حماس صعوبة في قبول الخطة بصيغتها الحالية، ممّا سيؤدي إلى استمرار الجمود بشأن إطلاق سراح الرهائن. ثانياً، تتضمن الخطة ثغرات على الصعيد الأمني. فمنح العفو لعناصر حماس الذين يلتزمون بعدم العودة إلى الإرهاب هو أمر “صعب القبول” حتى على المستوى العاطفي؛ ومن الناحية الأمنية، طالما بقي هؤلاء داخل قطاع غزة تظل لإسرائيل الحق في ضربهم إذا عادوا للانخراط في أعمال إرهابية. والأكثر إشكالية هو الاستعداد للسماح لعناصر حماس بالهجرة إلى دولة أخرى إذا رغبوا في ذلك، إذ قد يتمكّنون هناك من الاستمرار في العمل ضمن صفوف التنظيم وضد إسرائيل. ومع ذلك، يبقى هذا نوعاً من التنازل المعقول، وهو يتوافق أيضاً مع نماذج معروفة عالمياً لتفكيك مجموعات متطرفة.

المشكلة الأساسية تكمن في غياب آلية واضحة لتفكيك حماس بشكل كامل ونزع سلاح القطاع، بما في ذلك التعامل مع الأنفاق والمجموعات المسلحة الأخرى. من الواضح أن قوة الاستقرار الدولية، وكذلك القوة الأمنية المحلية التي ستُنشأ وفق نموذج الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، لن تكون قادرة – ومن المحتمل أيضاً لن ترغب – في مواجهة حماس بشكل مباشر وكامل، وغالباً ستقتصر على عمليات محدودة أو نشاط ضمن “الإطار المحيط”. علاوة على ذلك، تترك المقترح الأمريكي علامات استفهام حول مدى وتوقيت انسحاب الجيش الإسرائيلي مقارنة مع عملية نزع السلاح.

بند آخر في اقتراح الإدارة يحتاج إلى توضيح يتعلق بالمساعدات الإنسانية، التي – وفق الصياغة المنشورة في وسائل الإعلام – سيتم توزيعها بواسطة الأمم المتحدة والهلال الأحمر، إلى جانب منظمات دولية أخرى لا ترتبط بإسرائيل أو بحماس. تكمن الأهمية التاريخية في التأكيد على أن الأونروا لن تظل جزءاً من آليات الأمم المتحدة العاملة في القطاع، ليس فقط بسبب الاستخدام الواسع الذي قامت به حماس لها، بل أيضاً لأن الوكالة تمثل، فعلياً، آلية للحفاظ على وتعزيز وعي الفلسطينيين بقضية اللاجئين وحق العودة.

الخلاصة

تشبه مبادرة ترامب – وليس من قبيل الصدفة – المبادرات العربية التي عُرضت منذ بداية العام، بدءاً بالمبادرة المصرية (فبراير/شباط 2025) وصولاً إلى المبادرة الفرنسية-السعودية (يوليو/حزيران 2025). جوهرها يكمن في تلبية المطالب الإسرائيلية بإطلاق سراح جميع الرهائن، وإقصاء حماس عن الحكم، ونزع سلاح القطاع، وتحريك عمليات إعادة الإعمار من خلال حكومة فلسطينية محلية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، مع التزام تصريحي بالاستقلال الفلسطيني (مشروطاً بتقيد الفلسطينيين بالإصلاحات المطلوبة في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية)، بما يتيح العودة إلى مسار توسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.

المبدأ الأساسي والهام في خطة ترامب (على غرار التوصية التي قدّمها مؤخراً معهد أبحاث الأمن القومي) هو تغيير نموذج الصراع الثنائي بين إسرائيل وحماس، والانتقال إلى اتخاذ قرارات بشأن مستقبل القطاع بشكل متعدد الأطراف (خصوصاً بين إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية) متجاوزين حركة حماس، وبنهج يجمع بين العمل العسكري والعمل السياسي. وذلك على النحو التالي:

• استجابت إسرائيل للمطالب السياسية التي وضعتها الدول العربية كشرط لمشاركتها في جهود الاستقرار المدني ولدعم حرية العمل العسكري لإسرائيل: الاعتراف الإسرائيلي بالحق الوطني للفلسطينيين في إقامة دولة، والتعهد بعدم الاحتلال الدائم أو ضم القطاع.

• من جانبها، استجابت الدول العربية (بفضل دعمها لمبادرة ترامب) لمطلب إسرائيل بالحفاظ على حرية العمل لمواصلة قمع حماس، وربط عمق انسحاب الجيش الإسرائيلي بمدى نزع سلاح الأرض.

• بالإضافة إلى ذلك، ينص البند 17 في الخطة على أنه حتى في حال رفض حماس المبادرة، يمكن البدء في بناء البديل الحكومي وتعزيز عمليات إعادة الإعمار في المناطق التي تم تطهيرها من حماس، بينما يواصل الجيش الإسرائيلي العمل لتطهير باقي أجزاء القطاع من الوجود العسكري لحماس.

في الافتراض المعقول أن حماس سترفض خطة ترامب (رفض مباشر أو قبول مشروط)، فلن تؤدي الخطة إلى إطلاق سراح الرهائن، كما أنها لا تقدّم آلية فعّالة لتفكيك حماس من أسلحتها ونزع سلاح القطاع بواسطة قوات غير إسرائيلية. ومع ذلك، تخلق الخطة شروطاً لاستعادة الشرعية الداخلية والخارجية لمواصلة الجهد العسكري الإسرائيلي ضد حماس، إلى جانب بدء بناء بديل سياسي وفكري لحكمها في القطاع. إن الانتقال إلى استراتيجية صحيحة وحكيمة أكثر لإسرائيل ضد التنظيم – متعددة الأطراف وحساسة لمصالح الدول العربية، وتجمع بين الجهود السياسية والمدنية مع الجهد العسكري – قد يخلق لأول مرة ظروفاً حقيقية للضغط على التنظيم لتليين شروطه لإنهاء الحرب وإعادة الرهائن. وإلى جانب ذلك، تفتح هذه الاستراتيجية الباب مجدداً لتوسيع “اتفاقيات أبراهام” وتعزيز عمليات التطبيع لإسرائيل في المنطقة.

مع ذلك، فإن استغلال الفرص الكامنة في خطة ترامب يعتمد على التزام إسرائيلي حقيقي وطويل الأمد ليس فقط بمواصلة القمع العسكري لحماس، وإنما أيضاً بالعمل على إعادة الإعمار المدني والتسوية السياسية لقطاع غزة وللقضية الفلسطينية بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *