الموقف اليمني من خطة ترامب.. غير قابلة للتنفيذ
بقلم نوال النونو
تعصف بالمنطقة متغيرات جديدة قد تقود إلى المزيد من اشعال الحرائق، لا سيما بعد عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لما سماها “بخطة السلام” في المنطقة، وترحيب عدد من الدول العربية والإسلامية بالخطة، في مشهد يهدف إلى حشر المقاومة الفلسطينية في الزاوية.
وتأتي خطة ترامب في لحظة حساسة، حيث يفشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه العسكرية على غزة رغم حرب استنزاف مستمرة منذ عامين، كما يتزامن طرح الخطة مع اقتراب الذكرى الثانية لـ “طوفان الأقصى”، في مساع للولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة فرض وصايتها على المنطقة، عن طريق توظيف لغة التهديد والإملاء لإجبار الفصائل الفلسطينية على القبول، وإظهار الكيان الصهيوني في مشهد المنتصر، وأمريكا في مشهد صانع السلام.
وتدرك المقاومة الإسلامية الفلسطينية أن الخطة تحمل وصفة استسلامية لها، وأنها تصب في صالح كيان العدو الإسرائيلي الذي يسعى إلى تحقيق بالسياسة والدبلوماسية ما عجز عنه تحقيقه بآلة القتل والدمار وبالأدوات الصلبة العسكرية، ولهذا أظهرت الكثير من الفصائل الفلسطينية رفضها للخطة، معتبرة أنها غير واقعية، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتعيد إنتاج الاستعمار بأدوات جديدة.
وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها حكومة المجرم نتنياهو إلى خلق انقسام لدى الفلسطينيين حول الخطة، بين من يرفضها، وآخر يطالب بتقديم بعض التنازلات، ما يؤدي إلى حدوث شرخ فلسطيني داخلي يمنح الاحتلال شرعية لفرض الأمر الواقع، ويمكنه من تكريس الفصل بين غزة والضفة، ويضعف أي مشروع وطني جامع.
شكل من أشكال الاستهداف لفلسطين
وإذا كانت عدداً من الدول العربية قد رحبت بالخطة، وتعمل على تسويقها عبر وسائل إعلامها مثل السعودية والإمارات وقطر وتركيا وباكستان، فإن اليمن المقاوم ينظر إليها بأنها غير واقعية وغير عادلة وغير قابلة للتنفيذ، وتسعى إلى مصادرة الحق الفلسطيني وألا تكون هناك سيادة فلسطينية على قطاع غزة كما يقول زعيم أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
ويشير السيد الحوثي في خطاب له الخميس الماضي إلى أن الأمريكي والإسرائيلي لم يقبلوا حتى بالسلطة الفلسطينية لتحكم غزة، ولم يقبلوا بعنوان الدولة الفلسطينية حتى على المستوى الشكلي الذي اعترفت به بعض الدول الغربية، مؤكداً أن الأمريكي والإسرائيلي يريدان تحويل غزة إلى منطقة مستباحة دون أي حضور للمقاومة، أو أي عمل يسعى إلى استعادة الحق الفلسطيني، لافتاً إلى أن الخطة أدخلت بنوداً تتضمن تهجير الشعب الفلسطيني.
ويتساءل السيد القائد: لماذا اتجه الأمريكي والصهيوني إلى هذه الخطة في هذا التوقيت؟.
ويرى السيد القائد أن السبب في ذلك، هو بلوغ الإجرام الصهيوني إلى الذروة، والذي انعكس حتى على الوفود الرسمية لحكومة دول العالم في الأمم المتحدة، معتبراً أنها شكل من أشكال الاستهداف للشعب الفلسطيني بطريقة سيئة، ومثلها كالجسر البحري لإيصال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في غزة، والتي كانت تخدم مآرب أمريكا من جهة، ومن جهة أخرى يتظاهر الأمريكي بأنه يبحث عن طريقه لإدخال المساعدات إلى غزة، لكنها خداع للناس، وكذلك الحال بالمساعدات الإنسانية في غزة.
ويوضح أن تلك الخطة قدمت إلى نتنياهو لإجراء بعض التعديلات والملاحظات عليها، مشيراً إلى أن ترامب قدم الخطة خدمة لكيان العدو الإسرائيلي من خلال كلمة له في المؤتمر الصحفي، والتباهي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبأنه افتخر بتقديم الجولان السوري للعدو الإسرائيلي، لافتاً إلى أن الأمريكي والصهيوني يريدون جر العرب لتحمل هذه المهمة القذرة جداً لاستهداف الشعب الفلسطيني، مؤكداً ان أكثر المتضررين من الخطة هي شعوب أمتنا.
خطة استسلام لا سلام
وعلى غرار موقف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يؤكد عضو المكتب السياسي لأنصار الله، الأستاذ محمد الفرح أن الهدف منها هو حشر حماس في زاوية وتحميلها المسؤولية، وامتصاص سخط العالم ضد كيان العدو الصهيوني، وتفريغ التضامن العالمي مع فلسطين من معناه.
وضمن المواقف اليمنية المناهضة لخطة ترامب حذر مفتي اليمن العلامة شمس الدين شرف الدين من الركون للخطة، والخضوع للضغوط الإقليمية، مشيراً إلى أن الأمة تواجه “خديعة جديدة” بخطة ترامب التي وصفها بـ “خطة استسلام”، معتبراً أن الأمة تمر اليوم بحالة خديعة جديدة من ترامب ونتنياهو وهي خطة استسلام وليست خطة سلام، موضحاً أن يوم السابع من أكتوبر 2023م من أيام الله الذي شهد الجميع فيه آية من آيات الله العظيمة بتلقي كيان العدو الإسرائيلي ضربة قوية من فصائل المقاومة الفلسطينية، بالرغم مما تمتلكه من ترسانة عسكرية وقوة وتكنولوجيا.
ويرى اليمنيون أن خطة ترامب لا تحمل في جوهرها ملامح سلام، وإنما هي محاولة لفرض معادلة استسلامية تمنح الاحتلال شرعية جديدة بغطاء أمريكي وعربي، كما يظهر الموقف اليمني، كما عبّر عنه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وقيادات أنصار الله، في طليعة الأصوات الرافضة، إذ يؤكد أن الخطة غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ، وأنها تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء السيادة على غزة.
ويكثّف اليمن حضوره على كافة المستويات، وفي مقدمتها العمل العسكري، فبعد يوم من إعلان خطة ترامب، أقدمت القوات المسلحة اليمنية على استهداف سفينة في خليج عدن مخالفة لقرار اليمن بالتوجه إلى ميناء [ايلات] ما أدى إلى إحراقها واشتعال النيران فيها، ومن ثم غرقها، ولهذا يظهر الموقف اليمني كجزء من جبهة إقليمية متماسكة تتصدى للمشاريع الأمريكية – الصهيونية.
ومن هذا المنطلق، يضع اليمن نفسه ضمن محور المقاومة الذي يرى في الخطة تهديداً مباشراً للأمة بأسرها، ويعتبر أن إفشالها مسؤولية جماعية، وبذلك تبدو الخيارات أمام المنطقة واضحة: إما استسلام يكرّس الاحتلال ويعيد إنتاج الوصاية الاستعمارية، أو مقاومة سياسية وشعبية وعسكرية قادرة على حماية الحق الفلسطيني وترسيخ معادلة ردع جديدة في المنطقة.
