دوليات

أنصار الله والعقوبات الأمريكية.. صنعاء ترد بالمثل على واشنطن

بقلم ابتسام الشامي

فشل العدوان الأمريكي على اليمن

بعد خمسة أشهر من الإعلان عن وقفه، استأنفت الولايات المتحدة الأمريكية عدوانها على اليمن بوجه سياسي هذه المرة، محاولة عبر سلاح العقوبات تحقيق ما عجزت عنه بالحرب. وفي الحادي عشر من الشهر الماضي، أعلنت فرض “عقوبات” جديدة على حركة “أنصار الله” في إجراء وصفته إدارة الرئيس دونالد ترامب بأنه الأشد حتى الآن ضد الجماعة. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان أنها “فرضت عقوبات على 32 فرداً وكياناً بالإضافة إلى أربع سفن، في محاولة لتعطيل عمليات جمع الأموال والتهريب والهجمات التي يقوم بها الحوثيون”. ومن بين الأهداف المرصودة في الإجراء الأمريكي العديد من الشركات الصينية التي قالت وزارة الخزانة إنها “ساعدت في نقل مكونات عسكرية”، بالإضافة إلى شركات أخرى تزعم واشنطن أنها “تساعد في ترتيب شحن سلع ذات استخدام مزدوج إلى الحوثيين”. زعم بيان الوزارة الأمريكية أن العقوبات استهدفت أيضاً “مهربي النفط وشركات الشحن المرتبطة بالحوثيين”.

الإجراء الأمريكي الجديد بحق حركة أنصار الله، ولأن اعتبر تصعيداً جديداً ضد الحركة، إلا أنه انطوى على اعتراف أمريكي بفشل الحملة العسكرية في شهر آذار الماضي، حين رفع الرئيس الأمريكي سقف الاهداف، واضعاً القضاء على أنصار الله في رأس القائمة.

وفي إطار دعمها الكيان الصهيوني في حربه الإبادية ضد قطاع غزة وأهله، كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وافقت على حملة عسكرية بعد ثلاثة أيام فقط من استئناف القوات المسلحة اليمنية حصارها البحري ضد الكيان على خلفية نكثه اتفاق تبادل الأسرى مع غزة.

الحملة التي توقفت بعد أقل من شهرين من الغارات العنيفة ضد عشر محافظات يمنية، جاء وقفها بشكل مفاجئ من طرف واحد بعدما زعمت واشنطن في إطارها اغتيال قادة الحركة وتدمير بنيتها العسكرية وقدرتها التصنيعية في مجال الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، تلك التي وصلت كيان العدو، وأصابت حاملات الطائرات الأمريكية. وإذا كان ترامب قد ادعى أن توقُّف الحملة العسكرية جاء بفعل استسلام حركة أنصار الله، وخضوعها للشروط التي وضعها، فإن الصحف الأمريكية آنذاك كشفت ما حاول الرئيس إخفاءه من فشل العدوان في ردع اليمنيين والخوف من حرب استنزاف طويلة معهم. وهذا ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير نشرته بعد أيام قليلة من وقف العدوان، مشيرة إلى أنه “بعد موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حملة لإعادة فتح حركة الملاحة في البحر الأحمر من خلال قصف جماعة الحوثي المسلحة لإخضاعها، كان يريد رؤية النتائج في غضون 30 يوماً، وبحلول اليوم الحادي والثلاثين، طالب ترامب، بتقرير عن التقدم المحرز، وفقاً لمسؤولين في الإدارة، لكن النتائج لم تكن مُرضية”.

وإلى فشل العدوان في وقف جبهة إسناد اليمن لغزة، برزت الكلفة الباهظة للحملة العسكرية، التي تجاوزت بحسب الصحيفة الأمريكية ذاتها مليار دولار خلال الشهر الأول فقط. هذا فضلاً عن حجم الاستنزاف الكبير لمخزونات الذخائر المتطورة الذي أثار قلق المسؤولين الأمريكيين. وخلال ما يقارب خمسين يوماً من العدوان، لم تتوقف صواريخ اليمنيين من التوجه إلى أهدافها سواء في فلسطين المحتلة أو في عمق البحرين الأحمر والعربي. حيث نفذت القوات المسلحة اليمنية أكثر من 130 عملية عسكرية، بـ 253 صاروخ باليستي ومجنح وفرط صوتي وطائرة مسيرة، وفق ما ذكره قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي في كلمته التي أعقبت توقف العدوان.

أنصار الله ترد بالمثل على واشنطن

محاولات التضييق الأمريكية على حركة أنصار الله والتي كان آخر مظاهرها، إلى العقوبات المباشرة فرض عقوبات على شركة صينية تزعم واشنطن تسهيلها شراء مكونات إلكترونية أمريكية لمصلحة صناعة الطائرات المسيرة اليمنية، ردت عليها الحركة من سنخيتها، إذ فرضت عقوبات على شركات نفط أمريكية كبرى ومديريها التنفيذيين وبعض ناقلات النفط الخام. وفي ما اعتبرتها صنعاء خطوة طبيعية للرد على العدوان الأمريكي، رأى فيها البعض خطوة تنطوي على تصعيد، من شأنها تبديد الهدوء النسبي، الذي تحقق بفعل الهدنة السائدة منذ شهر أيار الماضي.

وقد أعلنت هيئة تنسيق العمليات الإنسانية في صنعاء إدراج 13 كياناً أمريكياً وتسعة أفراد وسفينتين ضمن قائمة عقوبات، متهمة إياها بانتهاك قرار حظر تصدير النفط الخام الأمريكي. وقالت الهيئة، وهي تعمل كجهة اتصال بين سلطات حركة أنصار الله وشركات الشحن التجاري، في بيان إن الكيانات المدرجة “سيجري التعامل معها وفقاً لمبدأ المواجهة”. مضيفة أن هذه الخطوة تأتي في إطار الرد على الإجراءات “العدائية” ضد “الجمهورية اليمنية”. ومن بين الكيانات المدرجة على قائمة عقوبات أنصار الله شركات النفط الأمريكية الكبرى مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” و “كونوكو فيليبس” و”فيليبس 66″ و”ماراثون بتروليوم”، إضافة إلى رؤسائها التنفيذيين. وشملت العقوبات أيضاً ناقلتين تابعتين لشركة “دايموند إس للشحن” الأمريكية. وبحسب بيان الهيئة فإنها “ستستخدم جميع الوسائل والأدوات المتاحة لمواجهة أي إجراءات عدائية تُتخذ ضد الجمهورية اليمنية، وفقاً للقوانين والأنظمة ذات الصلة”. هذه الخطوة وضعتها حركة أنصار الله في إطار الرد الطبيعي على العدوان الأمريكي، وفي هذا السياق شدّد مستشار الحكومة اليمنية حميد عبد القادر، في تصريح صحافي، على أنه “ليس من المعقول ولا من العدل أن نخضع للحصار والعقوبات، ونبقى صامتين أمام هذه الإجراءات الجائرة”، لافتاً إلى أن “هذه الخطوات اتُخذت لحماية حقوق الشعب اليمني في وجه الضغوط الخارجية المستمرة”.

وفي ما يحاول البعض وضع القرار كمؤشر على بداية خروج صنعاء من مقتضيات اتفاق أيار الماضي، ينفي مصدر اقتصادي في صنعاء لصحيفة “الأخبار”، احتمال أن يقوّض هذا القرار اتفاق التهدئة في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن “الاتفاق جرى برعاية عمانية ولا يزال ثابتاً حتى اليوم”. لكن التزام صنعاء بالاتفاق لا يعني في المقابل تراجعها عن قرار إسناد غزة، بما في ذلك استمرار فرض الحصار البحري على الكيان، وتنفيذاً لهذا الالتزام، جاء استهداف القوات المسلحة اليمنية مؤخراً للسفينة “MINERVAGRACHT” في خليج عدن، الذي وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية بالعملية “الأخطر منذ سنوات” في المنطقة، مشيراً إلى أنه عكس تطوراً نوعياً في قدرات اليمن البحرية، وهو ما يثير مخاوف أمريكية من عودة التوتر في البحر الأحمر. وبحسب تقرير الوكالة حول الاستهداف، فإن السفينة التابعة لشركة دولية والمرتبطة بموانئ اسرائيلية، تعرّضت لأضرار جسيمة تهدد بغرقها، ما يشكل خسارة فادحة للشركة المالكة.

خاتمة

لم تنتظر صنعاء طويلاً قبل أن تبادر إلى إسناد غزة في أكتوبر من عام 2023 في جبهة تصاعد مستوى تأثيرها في الكيان وداعميه يوماً بعد آخر، ضمن رؤية واعية لكلفة هذا الإسناد وتداعياته على الشعب اليمني، ومع التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة فإن المتوقع أن تتواصل الضغوط على اليمن الذي كسر هيبة الولايات المتحدة الأمريكية وأحبط خططها ونال من سمعة فخر صناعاتها العسكرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *