إعرف عدوك

سنتان على الحرب: المِنعة القومية في أشد أزمة منذ قيام الدولة

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

لا بد من الاعتراف أنه بعد ثلاث سنوات من ولاية الحكومة الحالية وسنتين من القتال المستمر في غزة، تشير مراجعة النفس على المستوى الوطني إلى نتيجة ليست مشجعة تماماً.

في مجال الأمن الداخلي

دون الدخول في تفاصيل الأرقام كما نشرنا سابقاً في منشورات المعهد، من المهم التأكيد على الزيادة الدراماتيكية في مستويات الجريمة في دولة إسرائيل، مع التركيز على معدلات القتل والجريمة المنظمة في القطاع العربي. كما لوحظ تدهور كبير في مجالات أخرى خلال هذه الفترة، مثل الجرائم الاقتصادية، والسرقات، والعنف العام.

تشير العديد من الدراسات الاستقصائية التي أُجريت ونُشرت، بما في ذلك من قِبَل المعهد للسياسات والاستراتيجية، إلى تراجع شعور المواطنين بالأمان الشخصي وارتفاع كبير في محاولات تنفيذ هجمات ضد مواطني وجنود دولة إسرائيل.

كما أن زيادة شعور السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية بالإحباط نتيجة عدم تحسن أوضاعهم واستمرار استهدافهم من قبل عناصر متطرفة في المنطقة (فتيان التلال الصهيونية)، يؤدي إلى ارتفاع محاولات تنفيذ الهجمات، مع مخاوف من اندلاع انتفاضة جديدة قد يكون لها تأثير مباشر على ما يحدث داخل إسرائيل.

في مجال الحكم

يستمر التدهور في مؤشر الديمقراطية في إسرائيل على خلفية استمرار خطوات تشريع الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ ما يُسمى بالانقلاب على النظام. وفي هذا السياق، تستمر محاولات وزراء الحكومة لإلغاء مكانة المستشارة القانونية للحكومة، وتقليص قدرة المحكمة على مراقبة عمل السلطة التنفيذية، أي الحكومة، وإضعاف قوة وسائل الإعلام بشكل كبير من خلال التشريع والاستيلاء على مناصب مركزية في مجال الإعلام وإلغاء القنوات الإعلامية التي لا تتماشى مع الحكومة وآرائها.

إن الحرب المستمرة التي يشنها جميع وزراء الحكومة ضد الجهاز القضائي والمستشارية القانونية، تؤدي إلى تغيير مستمر في الرأي العام وتخلق تحريضاً ضد هذه الهيئات. وبذلك، يقوى الخط الذي يطالب بمنح الحكومة حرية كاملة في العمل دون أي قيود قانونية أو قضائية، ما يلغي تماماً مبدأ فصل السلطات ويضر بشكل كبير بمستوى الديمقراطية في الدولة.

في مجال المِنعة الاجتماعية

دخل المجتمع المدني في إسرائيل هذه الحرب وهو في حالة من الانقسام والاستقطاب المستمر منذ سنوات طويلة. لقد زادت محاولات تنفيذ ما يُسمى بالانقلاب على النظام من هذه الانقسامات والكراهية، كما أدت خطوات تشريع قوانين الإعفاء من الخدمة في القطاع الحريدي، مع استمرار زيادة العبء والضغط على مجندي الاحتياط الحاليين، إلى تفاقم الانقسام في المجتمع الإسرائيلي وتكريسه.

ويستمر العديد من القادة السياسيين من أحزاب الحكم في اتّباع نهج يفاقم الانقسامات، مع التأكيد على الفجوات بين الفئات المختلفة أو الظلم المزعوم الموجّه لبعض الفئات، ما يزيد من تفاقم الكراهية والاستقطاب داخل المجتمع.

في مجال التعليم

في هذا المجال، ليس هناك جديد تحت الشمس، بل تشير البيانات التي تنشرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن وضع ومستوى التعليم في إسرائيل يواصل التدهور في جميع المجالات التي تم فحصها. ومن بين هذه القضايا يمكن ملاحظة نقص آلاف المعلمين مقارنة بالاحتياجات الفعلية، وقد أشرنا إلى أن أكثر من 12 ألفاً من العاملين في التعليم في إسرائيل لا يمتلكون أي تدريب تربوي أو شهادة مناسبة. كما أن الصفوف في إسرائيل من بين الأكثر اكتظاظاً بين دول الـ OECD، ورواتب المعلمين من الأدنى بين هذه الدول. والنتيجة النهائية المخيبة هي أن درجات ومعرفة طلاب إسرائيل من بين الأدنى بين دول المنظمة.

ويظهر من التقرير الأخير الصادر عن الـ OECD أن معدل الاكتظاظ في الصفوف في إسرائيل أعلى بنحو 30% مقارنة بدول المنظمة الأخرى. كما أن عدد المعلمين المستقيلين خلال السنوات الخمس الأولى من التحاقهم بالنظام التعليمي هو الأعلى بين الدول التي تمت دراستها. وعلى الرغم من أن إسرائيل تتميز بساعات تعليم ومستوى تعليم رسمي من بين الأعلى في هذه الدول، إلا أننا في اختبار النتائج، سواء من حيث الدرجات أو المعرفة، نجد أنفسنا في أسفل القائمة.

في مجال أداء الأنظمة المدنية

يشير تقرير مراقب الدولة الأخير إلى الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بإصبع الاتهام، متهماً إياهم بالفشل التام في معالجة أوضاع المستوطنات الجنوبية والشمالية على خلفية الحرب. ويشير التقرير إلى أن قرارات الحكومة لم تُنفَّذ، ولم تُوضع استراتيجيات للعمل لإعادة تأهيل المستوطنات في الجنوب والشمال في أي من مجالات الأنشطة المدنية التي تقع ضمن مسؤولية وزارات الحكومة.

كما أن المزيد والمزيد من الأموال بمليارات الشواكل يتم تقليصها كل عام من الأنظمة الحيوية لنقلها لأغراض تحالفية ولأقليات في إسرائيل، بهدف ضمان استمرار بقاء الحكومة.

في مجال البنية التحتية والنقل

كُتب ونُشر الكثير عن بنية النقل في إسرائيل. كما ذُكر، فإنها متأخرة بحوالي عشرين عاماً عن الحاجة الفعلية وحجم الحركة في الدولة. لم تتمكن إسرائيل من بناء بنية تحتية للنقل الجماعي، وما هو موجود منها غير قادر على تلبية الحاجة الحالية، كما أن عدد الطرق الموجودة لا يواكب الزيادة السنوية في عدد المركبات على الطرق.

وفقاً للتوقعات الحالية، لن يتم تشغيل وسائل نقل جماعي جديدة قبل عام 2030، ما يُتوقع أن يزيد الضغط على الطرق بشكل كبير. وقد سجل هذا العام رقماً قياسياً جديداً في عدد المصابين نتيجة حوادث الطرق، ومع التوقعات في ظل التخفيضات الكبيرة في ميزانيات الإدارة العامة للطرق، من المتوقع استمرار ارتفاع المخاطر وحوادث الطرق مع وقوع ضحايا في إسرائيل.

ويشير مقال بحثي نُشر مؤخراً في صحيفة “غلوبس” إلى أن عبء الضرائب في إسرائيل على قطاع النقل من بين الأعلى في العالم، سواء في تسجيل المركبات، أو الضرائب على البنزين والديزل، أو الضرائب على شراء السيارات الجديدة. ومع ذلك، يبدو أن عائدات الدولة من هذه الضرائب لا تُعاد إلى الجمهور ولا تُستثمر في تطوير البنية التحتية الوطنية للنقل.

في مجال العلاقات الخارجية

شهدت العلاقات الخارجية لإسرائيل ومكانتها الدولية تدهوراً دراماتيكياً خلال العامين الماضيين. في ظل استمرار القتال في غزة وغياب أي حل أو توجه سياسي، تتزايد موجات معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، وانضمت العديد من الدول لدعم إنشاء دولة فلسطينية وإدانة إسرائيل على تحركاتها في غزة والضفة الغربية.

بعض الدول التي كانت تُعتبر سابقاً صديقة لإسرائيل خفضت مستوى تمثيلها الدبلوماسي في البلاد وانضمت إلى موجة الإدانة العالمية، ويبدو أن العزلة الدولية لإسرائيل تتزايد. ويتفاقم هذا الوضع بشكل خاص بسبب غياب جهاز توعية وطني وفشل كامل في نقل الرواية الإسرائيلية إلى حكومات وشعوب بقية العالم.

في مجال الاقتصاد

من المهم التأكيد على أن استمرار القتال في غزة وبقية الجبهات سيكون له تأثير بعيد المدى على الوضع الاقتصادي لإسرائيل، على العجز المالي المتزايد، على الضرائب المستقبلية التي ستُفرض على المواطنين، وعلى تصنيف الائتمان الذي سيُمنح لإسرائيل في المستقبل.

خلاصة

المشترك بين جميع المجالات التي تناولها هذا المقال هو الغياب التام لبرنامج حكومي استراتيجي طويل الأمد لمعالجتها. ففي غياب رؤية أو تخطيط استراتيجي طويل المدى، لا يتم فعلياً تنفيذ برامج عمل مناسبة، ومع غياب المعالجة أو التقدم، من المتوقع استمرار التراجع والتدهور في جميع المجالات المدروسة. ومن واجب الحكومة الإسرائيلية الحالية والحكومة القادمة وضع خطط استراتيجية متعددة السنوات على الفور في جميع مجالات الحياة المدنية في الدولة، ومعالجة القرارات السابقة للحكومات الإسرائيلية التي تناولت الأجيال القادمة بجدية وتحسين وضع الدولة ومواطنيها في السنوات القادمة. دون هذا النوع من التفكير، قد تجد الدولة نفسها في وضع أزمة لا يمكن إصلاحه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *