إقليميات

صنعاء تحذر الرياض من جديد .. استحقاقات السلام أو عودة التصعيد!

بقلم نوال النونو

ودعا رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، المشير الركن مهدي المشاط، النظام السعودي إلى الانتقال من مرحلة خفض التصعيد إلى إنهاء العدوان والحصار والاحتلال على اليمن، وتنفيذ الاستحقاقات الواضحة للسلام، مؤكّداً في خطاب له بمناسبة الذكرى 62 لثورة 14 أكتوبر 1963، وهي الثورة التي طردت الاحتلال البريطاني من جنوبي اليمن، أن ذلك هو السبيل الأقرب لقطع المجال أمام من يستثمر في الحروب بين أبناء الأمة خدمةً للعدو الإسرائيلي، مشيراً إلى أن أمريكا توظف كل الحساسيات في المنطقة لصالح العدو الإسرائيلي. وأكد الرئيس المشاط أن اليمن سيواصل الدفاع عن أراضيه حتى تحريرها بالكامل وطرد كل محتل غاصب، مشيراً إلى أن التضحيات التي قدمها الشعب اليمني لن تزيده إلا إصراراً وثباتاً على الموقف المحق مهما بلغ حجم التضحيات.

وقادت المملكة العربية السعودية في 26 مارس 2015م عدواناً غاشماً على اليمن، واستهدف كل مقومات الحياة، وقتل وأصاب أكثر من 40 ألف مدني، وارتكبت جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، مستهدفاً قاعة العزاء والأفراح، وخيام النازحين، ومنازل المواطنين، والطرقات والجسور، والجامعات، والمدارس، والمستشفيات، وكل شيء في اليمن، بغية إلحاق الهزيمة بأنصار الله الذين وصلوا إلى السلطة عقب ثورة 21 سبتمبر 2014م، وقضوا على الهيمنة الأمريكية والسعودية في اليمن.

وعلى الرغم من القصف الجوي المتواصل على المناطق اليمنية، وتحريك الخونة والعملاء اليمنيين في معارك عنيفة جداً، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل في السيطرة والوصول إلى صنعاء، حيث ضرب اليمنيون أروع الأمثلة في الصمود والثبات والمواجهة، وتمكنوا من قلب موازين المعركة، فبعد أن كانت التطورات الميدانية تصب لصالح السعودية وعملائها في اليمن، تحولت منذ عام 2019م إلى صالح “أنصار الله” أو ما كان يُطلق عليه بالجيش واللجان الشعبية، حيث تحققت انتصارات عظيمة خلال هذه الفترة، منها عملية “نصر من الله” التي تكللت بهزيمة ساحقة لخونة اليمن في صعدة وتم تدمير لواءين كاملين، وأُسر أكثر من ألف من المقاتلين اليمنيين الخونة المنخرطين في الصف السعودي، كما تم أسر جنود سعوديين.

وتواصلت الانتصارات اليمنية، ليتم تحرير مديرية نهم شرقي صنعاء بالكامل في عملية “البنيان المرصوص”، ثم توالت الانتصارات حتى تم تحرير محافظة البيضاء وسط اليمن من سيطرة عناصر القاعدة وخونة اليمن، وصولاً إلى تطويق وفرض الحصار على مدينة مأرب، أهم قلاع الخونة والعملاء.

ولم تقتصر الانتصارات اليمنية عند هذا الحد، بل لجأت القوات المسلحة اليمنية إلى توجيه ضربات صاروخية قوية في عمق دولة الإمارات والسعودية في عمليات نوعية استهدفت آبار النفط والقواعد العسكرية، الأمر الذي دفع المملكة إلى المسارعة لطلب النجدة من سلطنة عمان والدخول في اتفاق هدنة مع صنعاء عام 2022م، تضمن إيقاف العدوان الجوي من قبل الطيران الحربي السعودي والإماراتي، مقابل أن تتوقف صنعاء عن قصف المدن السعودية والإماراتية، وهذا الشرط التزمت به المملكة ولم تخالفه، ومنذ ذلك التاريخ توقفت الغارات الجوية للسعودية والإمارات على اليمن، كما توقف قصف اليمن للعمقين السعودي والإماراتي.

مماطلة في الجوانب الإنسانية

وعلى الرغم من الالتزام السعودي بالهدنة، ولا سيما في جانب القصف والغارات الجوية، إلا أن النظام تفنن في المماطلة والتسويف في بقية بنود الاتفاق، ومن أبرزها الإفراج عن الأسرى من قبل الطرفين، وفتح الموانئ اليمنية والمطارات، كما لم يلتزم النظام السعودي بصرف رواتب الموظفين اليمنيين، ولم تخرج قواته من المناطق التي احتلها في جنوب وشرقي اليمن، ما شكل خرقاً واضحاً للاتفاق وعدم التزام به.

ومع مرور عامين من العدوان الصهيوني على قطاع غزة بعد طوفان الأقصى، انشغل اليمن بمعركة الإسناد، ولم يتطرق إلى موضوع الاتفاق مع السعودية إلا في أوقات محددة، لكن الآن وبعد وقف العدوان، عاود اليمن فتح هذا الملف، واضعاً السعودية أمام خيارين، إما العودة إلى التصعيد، أو استكمال مسار الاستحقاقات السياسية، وهو مسار لا يمكن لليمنيين السكوت عنه كما يقول عضو المكتب السياسي لأنصار الله ضيف الله الشامي.

ويقول الشامي في تصريح صحفي: “يجب أن تدرك السعودية والإمارات أن اليمن قدم قضاياه الوطنية جانباً لدعم غزة، لكنه بعد انتهاء العمليات العسكرية في فلسطين، تعود استحقاقات اليمن إلى الواجهة، سواء عبر الحوار أو استعادتها بالقوة”، في حين يقول عضو الوفد الوطني حميد عاصم إن هناك استحقاقات كبيرة على النظام السعودي تنفيذها، منها الاتفاق الذي تم قبل عامين ونصف، أثناء زيارة السفير السعودي إلى صنعاء، والذي لم ينفذ بسبب الضغوط الأمريكية، محذراً من أن أمام الرياض خيار السلم أو مواجهة خيارات يمنية متعددة، مشدداً على أن الشعب اليمني تألم كثيراً لكنه لن يطول صبره.

وتعكس هذه المواقف تزايد التوتر بين صنعاء والرياض، فالتحذيرات اليمنية لا تأتي من فراغ أو من موقف ضعف، فقد أثبتت التجربة اليمنية في مساندة غزة مدى صلابة وقوة اليمنيين في مواجهة أعتى الخصوم [أمريكا، وكيان العدو الإسرائيلي]، وتمكن اليمنيون من فرض حصار خانق على ميناء [إيلات] جنوبي فلسطين المحتلة، الأمر الذي يجعل من تكرار تجربة الحصار على ميناء جدة وموانئ دبي أكثر سهولة ويسر، إضافة إلى أن السعودية والإمارات لن تطيقا أي عودة للحرب من جديد، ولا سيما أن اليمن اليوم بات يمتلك صواريخ فرط صوتية وانشطارية وطائرات مسيرة تستطيع ضرب أي منشأة صناعية أو نفطية في المملكة.

باعتقادنا، أن فرصة السلام في اليمن كبيرة ومواتية، وأن الضغط اليمني يجب أن يستمر بقوة مع السعودية والإمارات، فلا طاقة لهما بالعودة إلى الحرب، وإذا حدث تصعيد من جديد، فإن التكاليف ستكون باهظة على المملكة، وستلحق خسائر كبيرة بها، وستقضي على مشروع بن سلمان ورؤيته لعام 2030، ولهذا فإن استمرار الضغط اليمني سيعجل في الوصول إلى استحقاقات السلام وبتكلفة أقل من أي وقت مضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *