آخر الكلام

أدقُ بابَ الأرض

بقلم غسان عبد الله

ها أنذا‏ أدقُّ بابَ الأرضِ‏ أصيح بها:‏

يا سرّي‏ افتحي العشق لنتّحد بفيءِ الحزن المُقيمْ..

لأكون أنتِ، وتكوني انبثاقي مِنْ أحشائك‏

لتكوني حروفي، وأنا دمُكِ.. أنوءُ بترابكِ ولا أقومْ..

أنتظر مطركِ.. لتتواشج البذرة بحنين نسيجِهِ‏”..

أدقُّ.. ليس إلاّ رمادٌ يتطاير‏.. ليس إلاّ سكونٌ.. أشباحُ طيور.. ألمٌ عظيمْ..

أدقُّ.. وأدقُّ.. تعبتُ وكلَّتْ يدي.. ‏أريد درباً تعلمني المشيَ،‏ هواءً يعلِّمني التّنفسَ،‏

شمساً تعلِّمُني النّهار،‏ وماءً يشربني!‏..

هل أدقُّ أكثر؟!‏.. أم أرتدُّ أسفاً غضبانَ يعلوني الوجومْ..

سأعبرُ عزلتي، وأجعلُ اسميَ باباً،‏ وأدعو الطيرَ والنبات، الأنهارَ والبحارَ‏

الجبالَ والسهولَ.. ‏ليدخلوا بكلِّ لغاتهم.. لكنّي لستُ نبياً!‏!.. إنما بشرْ..

كل ما أملُكُ أنْ أُشرعَ بابي،‏ ربّما تدخل لغتي كلَّ الأبواب.. فأقترب من ذاتي!‏

أيتها الأرضُ الرحبةُ.. هل لكِ شمعةٌ تفرُشُ وجدَها ليمرَّ ‏القمرْ..

لتحلو على الخاطرِ المغيَّبِ أزماناً ليالي السمرْ..

يا لعطشي!‏!.. لو أعبُّ مِنْ مياهكِ،‏ ثمّ أطيرُ حولَكِ كفراشةٍ،‏

فيأخذُني لهيبُك؟‏!.. ويطفيني المطرْ..

وكلّما احترقتْ أجنحتي‏ نَبتتْ مرةً أخرى..‏ فأطوف بأغصانِكِ‏.. أقرأُ حَيْرَتي فيكِ‏..

أقرأ المراثيَ‏.. الأملَ..  فصلَ الحزنِ يمدُّ حزنَهُ‏.. يلفّني!‏.. 

الصمتَ يتواشج مع اللغو‏.. البكاءَ والقهقهاتِ،‏ البياضَ وشَغَبَ الكتابةِ‏

فكيف أُفرِّقُ بينكِ وبينَ اللغةِ.. خذَلَتني الصُّورْ.. ‏أنتِ لغتي.. فاتسعي وأوسعي لتعبي!‏

مَنْ قادني، بَشيءٍ من الوجدانِ لا تدركهُ الروحُ،‏

إلى كونٍ حاضر.. يتباعد في ذاكرةٍ لا تموتُ ولا يُدرِكُها الخطرْ..‏

هي الأشجارُ‏.. الأنهارُ‏.. الجبالْ‏.. القبابْ

الجداولُ والمعاولُ،‏ ثغاءُ كائناتٍ مختلفةٍ‏.. واخضرارُ الهضابْ 

ثرثرةُ الينابيعِ‏.. همسُ الأوراق‏.. وفصلُ الخطابْ

كلمتني في مهودها!‏ ألْقَتْ على قلبي أنينَ سرِّها!!‏

أشدُّ الأستارَ إلى أقصى الغموضِ..‏ وأعلى ما في الروحِ من سحابْ

لأكتبَ انبعاثَ الفؤادِ،‏ وأترُكَ للورودِ شيئاً من الوجدانِ..

وأرشُفَ من ندىَ الأوراقِ على صبحِ المفازاتِ سيلَ الرضابْ!!‏

لكلِّ خفقةٍ لغةٌ تفتحُ كونها الغامضَ، فيفيضُ بهاؤها.. نهراً من التَّحنانْ..‏

مَنْ خبّأَ كلَّ هذا النُّورِ في نبضي، وخّبأ فيَّ تحناني‏ واخضراري؟!‏

وأعطاني من أَلَقِ الأسماءِ غسَّانْ..

سبحانَ مَنْ جَبَلَ العشقَ بطينِ النّور في وجدي ثمّ قال:‏ “اقرأ ضِلْعَكَ الأقصى”.‏.

فانفَتَحَ الكوكبُ عن خبيءِ مكنونِهِ!‏.. وانعتقَ الإنسانْ..

من التي أطلقتْ أسرارَها في عظامي، ونامَتْ في الخلايا‏

لأصحو مبعثراً.. وأمشي في الحروف فتمشي معي‏

وأضلُّ عنها وهي في مقبلِ الأيامِ ومدبِرها صدى الأزمانْ‏

مَنِ التي جَمَّعتِني مِنْ شتاتي، ثمّ بعثتني في المدائنِ..

أحمِلُ نبضَها، وتحمِلُني.. توزِّعُّني فتخضَرُّ الطّرقُ؟!‏

سأترك رموزي.. أعبرُ أرضَ اللغةِ.. وتعبُرُني لغةُ الأرضِ..

الأرضُ اللغة…‏ اللغةُ الأرض..

تأخذني من عشقٍ لنبضٍ ومن نبضٍ لعشقٍ‏..

وتعطيني في حالِكِ الأزمانِ كثيراً من النورِ.. وبعضاً من الأشجانْ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *