محادثات مسقط.. هل تنعش مسار السلام في اليمن أم تمهّد لتصعيد جديد؟
بقلم نوال النونو
عُقدت في العاصمة العمانية مسقط منذ أيام محادثات متنوعة حركت المياه الراكدة لمسار السلام في اليمن بعد توقف استمر لأكثر من ٣ سنوات نتيجة انشغال اليمن بإسناد غزة والضغوط الأمريكية على السعودية لعدم تنفيذ الاتفاق.
وعقد المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام محادثات الأربعاء الماضي مع المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ تركزت حول ضرورة استئناف العمل على تنفيذ ما تضمنته خارطة الطريق مع السعودية وفي مقدمتها الاستحقاقات الإنسانية، مشدداً على أنه لا يوجد أي مبرر للاستمرار في المماطلة.
ويأتي اللقاء بعد سلسلة من التصريحات النارية للمسؤولين في صنعاء انتقدت فيها السعودية ومماطلتها في الدخول إلى مرحلة تنهي العدوان على اليمن وترفع الحصار الكلي عنه، إضافة إلى قيام الناشطين لأنصار الله بإطلاق دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام لاستئناف الحرب وإجبار المملكة على تغيير سلوكها العدواني على اليمن، ولهذا فقد وضع عبد السلام المبعوث الأممي أمام خلاصة الموقف اليمني الساخط من السعودية.
وتشير مصادر غير رسمية إلى وجود توترات كبيرة بين اليمن والسعودية سواء على الحدود بين البلدين من خلال عمليات التحشيد العسكري المتواصلة، أو في الساحل الغربي لليمن عبر التحركات المريبة لطارق عبد الله صالح الموالي للإمارات، والذي يحشد قواته باستمرار، محاولاً الانقضاض على الحُديدة والسيطرة على مينائها الاستراتيجي.
ويرى مستشار المجلس السياسي الأعلى محمد طاهر أنعم أنه لم تعد هناك مبررات للمماطلة السعودية في ملف السلام وتطبيق التسوية والاتفاقات التي سبق التوصل إليها، معتقداً أن أمريكا وكيان العدو الاسرائيلي يعملان على إبقاء الملف اليمني مفتوحاً لتحقيق مآرب وأغراض تخدمهما.
وكان رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، قد حذر في كلمة له منتصف الشهر الماضي من الانزلاق في حرب مع السعودية تخدم أطرافاً خارجية، داعياً الرياض إلى التحلّي بالحكمة والقبول بالسلام، لكن وفي الوقت الذي يتقدم فيه وفد صنعاء والمشاورات بطلب تنفيذ الاتفاقات واستحقاقات السلام، تواصل السعودية المماطلة، ما يضع الشعب اليمني أمام خيار الدفاع عن حقوقه ومصالحه واستعادة ما فُقد من موارد وتعويضات نتيجة العدوان والحصار المستمر منذ عشرة أعوام، والكلام لمحمد طاهر أنعم الذي يؤكد بقوله “لن نَسكت أو نصبر طويلاً، نحن منزعجون جداً وأيدينا على الزناد”.
خارطة الطريق ستنفذ قريباً
وينطلق اليمنيون من قناعة بأن السكوت طويلاً على المماطلة السعودية سيفقد اليمن من استحقاقات هامة تجبر المملكة على تنفيذها مثل دفع رواتب الموظفين، والإفراج عن أموال اليمن المحجوزة في البنوك السعودية والإماراتية، ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت باليمن جراء القصف والغارات السعودية الإماراتية منذ عام 2015م، ولذا لا مناص من إجبار السعودية على المضي في هذا المسار، فإذا أرادت ذلك عن طريق المفاوضات والمحادثات فاليمن جاهز لذلك، وإن أرادت تجاهل ذلك، فالعودة إلى الحرب قد تكون قريبة.
ومن الواضح أن تحرك المبعوث الأممي جاء بإيعاز سعودي، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية كانت الرياض تلتقط إشارات الغضب والاستياء من صنعاء، ثم تبادر للتهدئة، وهي لا تحبذ التصعيد والعودة إلى الحرب لأسباب كثيرة متعددة، من بينها أن صنعاء في 2025م غير صنعاء 2015م، فهي الآن تمتلك قدرات عسكرية كبيرة ومتطورة جعلتها تتحدى أمريكا وكيان العدو الإسرائيلي، وهي في جهوزية للدخول في حرب مع السعودية التي ستسبب للرياض الكثير من الخسائر المدمرة وتجعل المملكة في حرب حقيقية، تختلف جذرياً وكلياً عما حدث في السابق.
وفي كل الأحوال، فإن السعودية والإمارات لن تغامرا في حرب مباشرة مع اليمن، إلا إذا كان هناك ضغط أمريكي هائل عليهما، مع استعدادهما لتحمل تكاليف مآلات الحرب، وسيكون الهدف الأسمى من ذلك، هو العمل للقضاء على أنصار الله، وهو هدف ترى أبو ظبي والرياض أنه صعب المنال ولا يمكن تحقيقه، في حين أن اليمن يتشوق للعودة من جديد إلى المواجهة، للثأر من المملكة، وإعادة ما تم نهبه من ثروات، وتأديب الخونة والعملاء الذين طعنوا اليمن في الظهر بفعل تحالفهم من الغزاة الأجانب، وبناء على ذلك فإن موقف صنعاء يسعى لتحويل أي نافذة تفاوضية إلى نتائج ملموسة تعيد جزءاً من الحقوق والموارد (رواتب، أموال مجمّدة، تعويضات) وتُنهِي آثار الحصار والعدوان.
ولذلك، نحن أمام عدة سيناريوهات محتملة، فإما عودة الحرب والدخول في جولة عنيفة جداً تتعرض فيها صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة أنصار الله لضربات عنيفة، مقابل تعرض الرياض وأبو ظبي لقصف غير مسبوق، وتعرضهما للحصار غير المسبوق، وكذلك لاستهداف الطاقة وآبار النفط والغاز الذي سيلحق الضرر الكبير على المملكة والإمارات، وهي كلفة لا يمكن تحملها من قبل الرياض وأبو ظبي.
أما السيناريو الآخر، فيتمثل في نجاح المفاوضات، وفتح صفحة جديدة، تتضمن التزام السعودية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في السابق، وهي خروج قواتها من اليمن، ودفع تعويضات لليمنين، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين، والدخول في مرحلة سلام حقيقي، يمهد لعلاقات جديدة بين البلدين، فالمعركة الآن ليست فقط على بنود خارطة الطريق، وإنما على صياغة واقع سياسي يفصل بين السلام العادل والخضوع لشروط تمس سيادة وكرامة اليمنيين، وإذا نجحت المساعي في مسقط، بتحويل الكلام إلى تنفيذ، فستكون هزيمة لسياسات المماطلة ونجاحاً دبلوماسياً لصنعاء، وإذا استمرت المملكة في التلكؤ، فالخيار العسكري – وإن لم يُرغب به – سيظل ورقة ماثلة على طاولة صنعاء رداً على العدوان والحصار.
