دوليات

حشود عسكرية غير مسبوقة منذ عقود.. أمريكا تصعد ضد فنزويلا

بقلم ابتسام الشامي

الضغط العسكري

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية شهر أيلول الماضي، مرحلة جديدة من الضغوط على فنزويلا، في محاولة لتغيير المعادلة السياسية القائمة فيها. ولئن ألبست تدخلها العسكري هذه المرة لباس مكافحة تجار المخدرات، إلا أن الغارات الخمس التي تبنتها ضد قوارب صيادين وأدت إلى مقتل العشرات منهم لا يمكن فصلها عن المسار المعتمد من قبل واشنطن خلال السنوات الماضية ضد فنزويلا، وهو مسار أدى إلى وضع البلاد على حافة الفوضى، عبر دعم المعارضة المحدودة الشعبية للإطاحة بحكم الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، قبل أن تباشر واشنطن مرحلة أخرى من التصعيد عبر فرض عقوبات اقتصادية خانقة، فشلت هي الأخرى في تحقيق الهدف المنشود بالإطاحة بالنظام.

ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن المشروع يستكمل بمستوى أعلى من الضغوط، يتقدمها الضغط العسكري، وسط تقديرات تفيد أن الأخير اتخذ بالفعل قرار التدخل العسكري المباشر من بوابة مكافحة المخدرات ضمن مسار تصاعدي، يشمل إلى الاستهدافات المركزة، ترهيب كاراكاس ودفعها إلى الاستسلام عبر نشر حاملات الطائرات قبالة السواحل الفنزويلية، لاسيما حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد فورد”، التي تعتبر منصة القتال الأشرس لدى الولايات المتحدة إضافة إلى قطع عسكرية أخرى تمثل نحو عشرة في المئة من الأصول البحرية الأمريكية، وهو ما توقفت عنده مجلة ذي اتلانتيك الأمريكية، مشيرة إلى أن واشنطن لم تنشر هذا العدد من القطع البحرية منذ أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962. وفي تقديرات المجلة أن مجموع عدد السفن في المنطقة لدى وصول مجموعة “جيرالد فورد” سيكون مساوياً تقريباً لعدد السفن التي استخدمتها أمريكا للدفاع عن “إسرائيل” من الصواريخ الإيرانية.

وشمل الانتشار العسكري الأمريكي قبالة شواطئ فنزويلا، ثلاث مدمرات صواريخ موجهة من فئة “أرلي بيرك” إضافة إلى طراد صواريخ موجه وغواصة هجومية من طراز USS Newport News القادرة على تنفيذ ضربات دقيقة بصواريخ “توماهوك”. كما أُرسلت السفينة الهجومية البرمائية USS Iwo Jima ترافقها سفن دعم لوجستي وحربية أخرى، وعلى متنها نحو 4500 من عناصر البحرية والمارينز ضمن الوحدة الاستكشافية البحرية الثانية. أما في الجو، فقد تمركزت مقاتلات35F- الشبحية في بورتو ريكو، إلى جانب طائرات “بوسيدون” للمراقبة البحرية وطائرات الدعم الأرضي Ghost rider المسلحة بصواريخ “هيلفاير” إضافة إلى طائرات مسيّرة من طراز 9 MQ- Reaper، وبالتزامن مع ذلك أعادت واشنطن فتح قاعدة “روزفلت رودز” العسكرية في بورتو ريكو كمركز لوجستي للطائرات والقوات الأمريكية.

سيناريوهات التصعيد

وفي تفسيرها لهذا الانتشار العسكري نشرت مجلة فورين بوليسي، تحليلاً يتضمن 3 سيناريوهات محتملة لتطور الموقف الأمريكي تجاه فنزويلا. وأكد الباحث الأول في مركز أتلانتيك كاونسل لأمريكا اللاتينية المحلل جيف رامزي أن البيت الأبيض صعّد من سياساته تجاه فنزويلا مؤخراً، إذ أعلن الثلاثاء الماضي مقتل 6 أشخاص في غارة أمريكية جديدة استهدفت قارباً قبالة سواحل فنزويلا، بدعوى أنه كان يستخدم لتهريب المخدرات إلى أراضيها.

وبحسب الكاتب فإن السيناريو الأول لتطور الأزمة هو قيام تمرد داخلي بقيادة الجيش، أو بقيادة مدنية، أو بتعاون بينهما. وفي هذا السيناريو ستوفر واشنطن الدعم اللوجستي والاستخباراتي أو حتى الدعم العسكري المباشر من خلال قواتها الحالية في البحر الكاريبي، لكنها لن تقود الهجوم. مشيراً إلى أن القيادة الأمريكية تفضل البقاء في الكواليس عند تغيير الأنظمة، كما حدث مع قائد المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو في 2019، الذي دعمته الولايات المتحدة وعدّته “رئيساً انتقالياً للبلاد”، على الرغم من أنه فشل بعد ذلك في الإطاحة بمادورو. ولكن الكاتب لا يرجّح هذا السيناريو بسبب انقسام المعارضة وضعفها، في مقابل قوة الأجهزة الأمنية الاستخباراتية للحكومة الفنزويلية.

أما السيناريو الثاني وفقاً للباحث فيقتضي استخدام الولايات المتحدة قوة عسكرية مباشرة ساحقة، تشمل ضرب المنشآت العسكرية الفنزويلية بشكل مكثف، مع احتمال تكليف وحدات القوات الخاصة بالقبض على الرئيس مادورو ومحاكمته. وبرأي رامزي فإن دون هذا السيناريو مخاطر كبيرة بما في ذلك التصادم مع دفاعات فنزويلا الجوية القوية، وانزلاق الصراع إلى فوضى واسعة قد تمتد سنوات، نظراً لوجود “مليشيات” موالية للحكومة ومخزون كبير من الأسلحة.

ومع استبعاده هذين السيناريوين، يرجح الكاتب حصول السيناريو الثالث، وهو أن يعلن ترامب النصر بعد سلسلة الضربات البحرية، ثم يعود إلى القنوات الدبلوماسية لخدمة المصالح الأمريكية في مجالات الطاقة والهجرة والأمن الإقليمي.

وإذ لفت المحلل إلى أن إدارة ترامب قد تعيد تفعيل خطة “الإطار الانتقالي الديمقراطي” التي اقترحتها الإدارة السابقة، التي تنص على تشكيل حكومة انتقالية مشتركة بين المعارضة والحزب الحاكم، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات وتنفيذ إصلاحات تضمن انتخابات نزيهة. خلص إلى أن الخيار الأنسب لإدارة ترامب واستقرار فنزويلا هو الموازنة بين الضغط السياسي والاقتصادي من جهة، وتجنب الحرب المباشرة من جهة أخرى، وقد يمنح ذلك ترامب مكاسب دبلوماسية وشخصية كبيرة، وربما يعزز فرصه لنيل جائزة نوبل للسلام العام المقبل كما يريد.

خاتمة

بخلاف وعوده إطفاء الحروب، يوقد دونالد ترامب حرباً جديدة في الكاريبي، يتخذ من محاربة تجار المخدرات ذريعة لها، لكنها ستكون في حال اندلاعها، استكمالاً لخطط من سبقه في البيت الأبيض، في الإطاحة برأس النظام، بعدما فشلت الضغوط الأخرى في تحقيق هذه الغاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *