يومُ الشهيد.. دهرٌ من العزةِ
بقلم غسان عبد الله
مرَّ على مدينةٍ فأحياها!.. مرَّ على الماءِ ففاض!.. مرَّ على الأزهارِ فانتشرَ أريجُها.. مرَّ على أرضٍ مُجْدَبَةٍ فأثمرتْ.. مرَّ على النار، فأطفأها.. مرَّ على الجرحِ صار الجرحُ بيدَرَ ضوءٍ وسنبُلَةْ!.
يومُ الشهيد.. يومُ الشهادةِ لقدرةِ الدّمِ في الانتصار على السيف.. يومُ انسكاب الدّمع المختلطِ بزغرادت الحياةْ.. ليس انقضاءً للحياةِ.. وليس ذهاباً للوَهَجِ أو انطفاءً للنور..
هكذا هم “شهداؤنا عظماؤنا.. تاريخُنا أمجادُنا” – كما يقول سيدنا سيدُّ شهداء المقاومةِ الإسلامية – هكذا هم.. في كلِّ لحظةٍ يولدون.. وعند كل ذرة تراب من أرضنا يَتَعَمْلَقون.. هم أبداً حاضرون.. لا يغيبون.. ولا تحجُبهم الحُجُب عنا.. لأنهم اخترقوا حُجبَ النور.. فوصلوا إلى معدِن العَظَمَة.
باسمهم افْتَتَحتِ الأوطانُ مواسِمَ عِزِّها.. ومن نجيعِهِمُ القاني تخضّبَتْ قممُ جبالنا العاتية.. وحقُّهم علينا أن يكونَ يومُهم يوماً وطنياً جامعاً.. ومن يريدُ أن يختلفَ على سلاحِهم لماذا لا يلتقي معنا على أن دَمَهم كانَ أولَّ الغيثِ وبدايةَ الحياة لأمةٍ أدمنتِ التعب.. ورَكَنت للظلم.. ورَضِيَتْ بالاحتلال.. لماذا يختلفون على سلاحهم.. ولا يريدون لنا أن نسألَهُم ماذا فعلتْ دبلوماسياتُ العالمِ أجمعِ بترابِنا.. وماذا أنْبَتَ الخطُّ الأزرقُ المرسومُ على وجنةِ الترابِ في وطننا.
يومُهم هو دهرٌ من العزةِ.. ويومُ الخانعين دهورٌ من التقهقرِ والموتِ والفناء.. يومُهم بدايةُ حياتنا.. ويومُ السياساتِ المتماهيةِ مع قراراتِ التّأجيل والتّسويف والمماطلةِ والإمعانِ في الذُّلِ والهوانِ والاحتلالِ والاستيطانِ نهايةُ تاريخنا.. ومواتُ كراماتِنا.. وانتهاءُ عهودِ العنفوان في عزائمِ شعوبنا.
إنه يومُ الشهيد.. يومُ الذي باعَ دنياهُ كرمى لهذا الوطن.. يومُ الباذلين للمُهجِ وفِلْذَاتِ الأكبادِ من أجلِ أن نحيا بكرامةٍ وعزَّة.. هذا يومٌ ينبغي أن يُعلَن يوماً وطنياً ومناسبةً قوميةً وعربيةً وإسلاميةً بكلِّ بلدانِ العالم التي تتوق إلى الحرية.. لا بدَّ أن يكون يوماً عالمياً للسيادةِ والحريةِ والاستقلال.. يوماً تتكاتفُ فيه الإراداتُ الطيبةُ من أجلِ تحرير ما تبقى من أرضٍ لنا.
لن أعدِّدَ مزايا الشهداءِ ولن أفرِّق بينَ دمٍ ودم.. وبينَ بندقيةٍ مقاومة وأخرى تقاوم.. لن أغوصَ في تفاصيلِ الخزعبلات الإعلاميةِ الأمريكيةِ والصهيونيةِ والخليجيةِ التي تريدُ لدمِنا المهدورِ أن يصبحَ دمَ الإرهاب.. ولمقاومتِنا البطلةِ أن تصبحَ رمزاً للتطرُّف.. بل سأقولُ لكلِّ هؤلاءِ الدائرينَ في فلك السياساتِ الأمريكيةِ والمعوِّلين على قيامةِ الوطن ببندقية فرديةٍ أو شاحنةٍ مستهلكةٍ أمريكية.. تعالوا.. فلننظرْ ماذا أعطتنا كلُّ هذه الإيعازات الأمريكيةُ والقرارات الدوليةُ الجائرة.. ماذا قدّم لنا أصحابُ النظرياتِ البائدة والراكضون خلف سراب السلام؟؟.
لم يقدِّموا شيئاً سوى تطميناتٍ للإسرائيلي.. لم يعطونا إلا قرارات بالتجرُّد من كل أسلحتنا كي نصبحَ عراةً أمام جحفل اليهود المدججين بكل الأسلحة الأمريكية.. وتحذيراتٍ من مغبةِ الاستمرار في الذودِ عن الأرض والعِرض.. لأن الدفاع عن الأرض والأوطان في قاموس هؤلاءِ شرٌ ينبغي القضاءُ عليه بأيدي أبناء البلد الواحد.. يريدون قتلنا بأيدينا.. ويريدون أن نسلِّم لهم كلّ ترابِنا ومياهنا وثرواتنا النفطية حتى يرضى الصهيونيُّ ويعيشَ بالأمانِ.. وحتى نرضخَ لمرارةِ الخوفِ والخنوع.. هم هكذا يريدون.. وهذا ما يسعَون إليه.. وهذا ما يظنُّه البعضُ في الداخلِ خلاصاً.
كلا.. إن قطراتِ دم الشهيدِ لا تزالُ مرسومةً على كل الطرقِ المفضيةِ إلى الغدِ المُشرق.. لا يزالُ دمُ أحبَّتنا بوصلةً نحو التحرُّر والسيادة والعنفوان.. وإن منْ يستخفُّ بهذا الدمِ ويشككُ في مصداقيته هو إما واهمٌ أو ضعيفٌ وخائف.. وإما مسكونٌ بالهواجس الأمريكية الإسرائيلية كي لا نقول بأنه عميل.. لأن التُّهم في زمنِ العنجهية الصهيونية لا تصحُ إلا على المقاومين للمشروع الأمريكي الصهيوني.. لذلك نقول:
“يوم الشهيد.. هو يوم الدمِ الأحمر الواضحِ الجلي.. دم الحريةِ والسيادة.. دم العزَّةِ والكرامةِ.. دعونا نحتفل بيومه.. ولنردِّد مقولة شيخ الشهداء راغب حرب: “دمُ الشهيد إذا سقط.. فبيدِ الله يسقط.. وإذا سقط بيد الله فإنه ينمو ويستمر..“.
