دوليات

ممداني يفوز بانتخابات رئاسة بلدية نيويورك.. رسائل الانتصار السياسي وتحديات المستقبل

بقلم ابتسام الشامي

ترامب غاضب من فوزه

في العاصمة المالية للولايات المتحدة الأمريكية، والمعقل الرئيسي للاقتصاد على مستوى العالم، وفي مقر رمز النظام العالمي ممثلاً بالأمم المتحدة، انتزع زهران ممداني المسلم المنحدر من أصول هندية، فوزاً لامعاً في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك بعد معركة قاسية واجه فيها ابن الرابعة والثلاثين عاماً حملة شعواء، نزل فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بثقله محاولاً التأثير في فرص الديمقراطي ذي الأفكار الاشتراكية في الفوز بهذا الموقع.

وعلى الرغم من أن الشاب الطموح أرسل منذ بداية خوضه غمار السابق الانتخابي إشارات قوية حول إمكانية تخطيه معوقات الفوز بما في ذلك حملة “معاداة السامية”، الا أن فوزه نزل كالصاعقة على البيت الابيض والحزب الجمهوري، وكان بمثابة الزلزال السياسي، لاسيما في ضوء كلام ممداني ورسائله السياسية في خطاب الفوز، عندما أوضح أمام مؤديه أنه: “إذا كان هناك من يستطيع أن يظهر لأمة خانها دونالد ترامب طريقة هزيمته، فهي المدينة التي أوصلته إلى ما هو عليه”. مضيفا أن “نيويورك ستكون النور في هذا الوقت من الظلام السياسي”.

بدوره الرئيس الأمريكي الذي بذل جهوداً استثنائية لثني سكان نيويورك عن التصويت لممداني، علق نتائج الانتخابات بأن بلاده فقدت شيئا من السيادة. وقال ترامب في مؤتمر اقتصادي في ميامي بولاية فلوريدا: “فقدنا شيئا من السيادة الليلة الماضية في نيويورك، لكننا سنعالج الأمر”. ورد الرئيس الأمريكي سبب انتكاسة حزبه في العديد من المواقع الانتخابية المحلية، للإغلاق الحكومي الذي أصبح الأطول في التاريخ الأمريكي. وقال “لم يكن ترامب على ورقة الاقتراع، والإغلاق الحكومي هما السببان وراء خسارة الجمهوريين الانتخابات الليلة، وفقاً لخبراء استطلاعات الرأي”.

وعشية الانتخابات المحلية، وجه الرئيس الأمريكي نداء إلى الناخبين اليهود لمنع وصول المرشح المسلم إلى منصب رئيس بلدية المدينة. وكتب على منصته تروث سوشيال: “أي شخص يهودي يصوت لزهران ممداني… هو شخص غبي!”، مضيفاً أن ممداني المعروف بدفاعه القوي عن القضية الفلسطينية “يكره اليهود”. وكان الرئيس الأمريكي بهذا النداء يستكمل، الهجمات التي تعرض لها ممداني بسبب مواقفه من الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، من دون أن يتراجع عنها، مؤكدا في الوقت نفسه خلال حملته رفضه القاطع لمعاداة السامية وسعيه لطمأنة المجتمع اليهودي.

لهذه الأسباب فاز ممداني

خبر فوز ممداني تصدر الاعلام العالمي واحتل الصفحات الأولى من كبريات الصحف الغربية، التي اهتمت بقراءة أسباب الفوز وخلفياته، وكذلك درست تأثيراته في المشهد السياسي الأمريكي، مع تخصيص مساحة اهتمام لأداء الرئيس الأمريكي مع نتائج الانتخابات. وفي هذا السياق سلطت صحيفة “نيويورك تايمز”، الضوء على الطريقة التي تمكن بها زهران ممداني من الفوز بمنصب عمدة نيويورك، رغم توجهاته التقدمية الحادة التي أثارت مخاوف نخبة الأعمال. أبرز تقرير الصحيفة كيف استطاع تشكيل تحالف سياسي واسع ضم اليسار التقدمي وقيادات الحزب وحلفاء من قطاع الأعمال، متجاوزا انتقادات خصومه والجدل حول مواقفه الداعمة لفلسطين. وقالت الصحيفة، إن ممداني كان نائما في ساعات الصباح الأولى التي أعقبت الانتخابات التمهيدية في حزيران، حين بدأت الاتصالات تنهال عليه. وبجانب رسائل التهنئة، ظهرت أيضا إشارات تنذر بتحديات مقبلة. فقد تمكن الشاب الديمقراطي الاشتراكي من هزيمة الحاكم السابق أندرو كومو، في انقلاب سياسي مفاجئ على موازين القوة في نيويورك، لم يكن ممداني نفسه يتوقعه بهذا الحجم. وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من امتعاض بعض الشخصيات البارزة في المؤسسة السياسية والاقتصادية، التي تواصلت مع ممداني وفريقه الصغير بعد الانتخابات التمهيدية، نجح في تحدي النظام القائم وبناء تحالف غير متوقع جمع بين الشباب التقدميين وشرائح شعبية غاضبة من ارتفاع تكاليف المعيشة، رغم أن حملته بدأت بنسبة دعم لا تتجاوز 1%. وبعد مسار مليء بالمفاجآت، تضيف الصحيفة الأمريكية “أصبح ممداني في الرابعة والثلاثين أصغر عمدة منذ قرن، وأول مسلم وجنوب آسيوي يتولى المنصب، مدعوما بحملة خلف الكواليس شملت اعتذارات، اتصالات دقيقة مع رموز المؤسسة، ومحاولات مدروسة لتهدئة مخاوف النخب، ما مكنه من تجاوز الهجمات السياسية وإنهاء “الهستيريا” بأدنى تكلفة ممكنة.

وتحت عنوان “عهد ممداني بدأ” كتبت مجلة “ذا نيويوركر”، أن “خصومه حاولوا تشويه سمعته بسبب صغر سنه، وقلة خبرته، وانتمائه السياسي اليساري، لكن سكان نيويورك لم يرغبوا في عمدة تقليدي أو سياسي مخضرم، بل أرادوا زهران ممداني نفسه.” مضيفة أن “ممداني قدم نفسه بديلاً نزيها لطبقة سياسية فاسدة”، واعتبرت أن انتخابه شكل تحولاً في الحياة السياسية للمدينة، إذ وضع فئات كانت مهمشة سابقا في قلب المشهد السياسي، وغير المفاهيم السائدة حول التحالفات ومشاركة الناخبين.

وفي قراءاتها لنتائج الانتخابات وما تعبر عنه من تحولات، اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أن فوز ممداني “يشكل تهديدا واضحا للجمهوريين”، ذلك أن “انتخابه يجسد تحولا جيليا وأيديولوجيا داخل الحزب الديمقراطي، ويجعله أول عمدة مسلم، ومن أصول جنوب آسيوية في تاريخ نيويورك، في لحظة أمريكية تتأرجح بين تصاعد القومية البيضاء، والحاجة الملحة إلى التغيير”. مستدلة بما قاله ممداني نفسه في خطاب الفوز: “إذا كان في مستطاع أي جهة أن تظهر أمام بلد خانه دونالد ترامب كيف يمكن هزيمته، فإنها المدينة التي أوصلته إلى السلطة ابتداء”. ووصفت “الغارديان” البريطانية صعود ممداني بأنه “صاروخي”، مشيرة إلى أن “العمدة الجديد لمدينة نيويورك يتمتع برؤية ثاقبة”. أما عن أسباب فوزه فترى أن “ممداني، البالغ من العمر 34 عاماً، نجح بفضل شخصيته الجذابة وقدرته اللافتة على التواصل مع الناس، في تحفيز الناخبين وتقديم نموذج يحتذى به للسياسيين التقدميين الآخرين”، مؤكدة أن “شعبيته مرشحة لتتجاوز حدود نيويورك، وتمتد إلى مختلف أنحاء الولايات المتحدة والعالم”.

وفي سياق متصل بقراءة نتائج الانتخابات ودلالاتها لفتت مجلة “نيويورك” إلى أن “الديمقراطيين أبطلوا سحر ترامب وتمكنوا من تحقيق انتصارات ساحقة في معظم الانتخابات المحلية، بما في ذلك في ولايتي فرجينيا ونيوجيرسي”، مؤكدة أن “فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك يعد انتكاسة قوية لإرث ترامب السياسي”. وأشارت في هذا الإطار إلى أن استطلاعات الرأي أظهرت تراجع دعم ترامب بين الشباب، واللاتينيين، والآسيويين الأمريكيين، والأمريكيين من أصول أفريقية، وهي الفئات التي أسهمت في فوزه عام 2024، مضيفة أن فوز ممداني وصعود نساء لقيادة ولايات كبرى يعكسان توجها جديدا في السياسة الأمريكية نحو التعددية والأمل، في مقابل الانقسام والتسلط الذي تمثله إدارة ترامب”.

بدوره موقع “ذا إنترسبت” اهتم بإبراز فوز ممداني من زاوية تعرضه لحملات اتهام بمعاداة السامية قادتها شخصياتٌ دينية يهودية نافذة. وأوضح الموقع الأمريكي أنّ تلك الاتهامات كانت ذات دوافع سياسية تهدف إلى إسقاطه وتشويه سمعته بسبب انتقاده لـ “إسرائيل ودعمه للفلسطينيين”. ورأى الموقع أنّ “فوز ممداني يحمل دلالات عديدة، أبرزها رفض الهجمات المعادية للإسلام، والتصدي لاستغلال تهمة معاداة السامية كسلاح سياسي”.

هذه هي التحديات التي ستواجه عمدة نيويورك

وتحت عنوان “ممداني ينتخب عمدة لنيويورك: ما هي التحديات المقبلة أمامه؟” نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أشارت فيه إلى أن انتخاب زهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي، أول عمدة مسلم للمدينة، جاء نتيجة نجاحه في تحفيز الناخبين الجدد والشباب والمستائين، بينما سيواجه تحديات تشمل إدارة المدينة بميزانية ضخمة، وكسب دعم الحاكم والمجلس التشريعي، ومواجهة تهديدات ترامب وانقسامات الديمقراطيين حول سياساته اليسارية. وقالت الصحيفة، في تقريرها إن “زهران ممداني، البالغ من العمر 34 عاماً، فاز على حاكم نيويورك السابق أندرو كومو، الذي خاض الانتخابات كمستقل بعد خسارته أمام ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وعلى المرشح الجمهوري كورتيس سليوا، في حين منح الرئيس دونالد ترامب، الناقد الصريح لممداني، تأييداً في اللحظة الأخيرة لكومو عشية يوم الانتخابات. وفسرت الصحيفة فوز ممداني بأنه جاء نتيجة علاقته القوية مع الناخبين، واستخدامه الذكي لوسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى وعده بسياسات شعبية تشمل الرعاية الشاملة للأطفال والحافلات المجانية، وسيصبح قريباً أول عمدة مسلم لنيويورك. وأضافت أن ممداني سيناط به تنفيذ أجندته الطموحة التي تتطلب دعم المجلس التشريعي للولاية وحاكم أكثر اعتدالاً، إلى جانب مواجهته هجمات من ترامب وحزب ديمقراطي منقسم حول سياساته اليسارية. مشيرة إلى أنه عند أدائه اليمين الدستورية في الأول من كانون الثاني، سيتولى مسؤولية مدينة بميزانية تقارب 116 مليار دولار، وقوة عاملة تزيد عن 300 ألف موظف، وسكان يفوق عددهم 8 ملايين، مع تحديات كبيرة نظرا لخبرته المحدودة بعد أربع سنوات في الجمعية التشريعية.

مجلة “نيوزويك” الأمريكية بدورها، طرحت خمسة سيناريوات محتملة حول كيفية تعامل الرئيس مع فوز ممداني مستقبلا، وهي: تشديد تطبيق قوانين الهجرة في مدينة نيويورك، كما فعل قَبلها في لوس أنجلس وشيكاغو. مقاضاة المدينة، من خلال اللجوء إلى الطعن في سياسات إدارة ممداني أمام المحاكم، خصوصاً تلك المتعلّقة بملفّ الهجرة. حجب التمويل الفدرالي، وهو ما هدد به الرئيس فعلاً. زيادة الرقابة الفدرالية، عبر ربط الحصول على التمويل الفدرالي، بالامتثال لأولويات الإدارة في التعاون مع وكالة الهجرة. نشر “الحرس الوطني” للمساعدة في تنفيذ أجندة ترامب المتعلقة بالجريمة والهجرة، في عدد من المدن التي يحكمها ديمقراطيون، والتي لن تكون نيويورك بمعزل عنها.

خاتمة

وصول زهران ممداني إلى رئاسة بلدية نيويورك يشكل علامة فارقة في المشهد السياسي الأمريكي، ويوجه الأنظار إلى التحولات الجارية في المجتمع الأمريكي في ظل رئاسة دونالد ترامب وتداعيات سياسته الداخلية والخارجية على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *