إقليميات

إنجاز يمني جديد ضد المخابرات الأمريكية الصهيونية السعودية

بقلم نوال النونو

ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الداخلية فإن العملية الأمنية تمكّنت من كشف شبكة تجسس تعمل لصالح “تحالف استخباراتي” وتضمّ “وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)” و”جهاز الموساد الإسرائيلي”، و”المخابرات العامة السعودية”، ومقره داخل الأراضي السعودية.

وأوضح البيان أن القبض على أفراد الشبكة جاء بعد “عمليات رصد ومتابعة دقيقة استمرت عدة أشهر”، شملت التنصت الإلكتروني، والتمويه، وجمع الأدلة على الاتصالات المشبوهة، ووصف ما تم إنجازه بأنه “إنجاز أمني كبير يُعد نجاحاً جديداً في مواجهة التدخلات الخارجية” مشيراً إلى أن الغرفة المشتركة قامت بتنسيق “أنشطة تخريبية وتجسسية ضد اليمن”، عبر إنشاء خلايا صغيرة متفرقة، تعمل بشكل مستقل لكنها مرتبطة مركزياً بالغرفة، بهدف تفادي الكشف.

وأضاف البيان أن العناصر المتورطة تلقّت تدريبات متقدمة داخل الأراضي السعودية على أيدي ضباط أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين، شملت كيفية استخدام أجهزة تجسس متطورة، ورفع الإحداثيات بدقة، وكتابة تقارير استخباراتية، واستخدام أساليب التمويه والتخفي لتفادي الملاحقة الأمنية.

وزُودت هذه الخلايا بأجهزة رصد حديثة تُستخدم لجمع معلومات عن مواقع حساسة في اليمن، بما في ذلك البنية التحتية العسكرية والأمنية، ومواقع تصنيع الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، فضلاً عن أماكن إطلاقها، وهي قدرات يستخدمها الجيش اليمني في هجماته ضد أهداف في كيان العدو الإسرائيلي.

وأكد البيان أن الخلية كانت تراقب أيضاً قيادات عسكرية وأمنية يمنية، بالإضافة إلى شخصيات مدنية بارزة، حيث جمعت بيانات حول تحركاتهم ومقرات عملهم ومنازلهم، كما اتُهمت الشبكة بجمع معلومات عن منشآت خدمية حيوية – مثل محطات الطاقة والمستشفيات والأسواق – والتي تم استهدافها لاحقاً في عدوان أمريكي صهيوني سابق على اليمن، معتبرين أن هذه الهجمات تهدف إلى “الإضرار بالمصالح الحيوية للشعب اليمني، وفرض حصار اقتصادي ومعيشي”.

السعودية رأس الحربة

وتعدّ هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها الأجهزة الأمنية القبض على خلية تجسس مزدوجة تخدم ثلاثة أجهزة استخباراتية عالمية، وهي المخابرات الأمريكية والصهيونية والسعودية، في حين كان الإعلان في المرات السابقة يتم الكشف فيها عن خلايا تجسس تابعة للمخابرات السعودية أو الإماراتية، نتيجة العدوان السعودي على اليمن الذي بدأ عام 2015م.

وعلى الرغم من هذا الإعلان إلا أن السعودية تظل رأس الحربة، إذ أنها المقر الرئيس للمخابرات الثلاث، وهي التي مولت ودعمت واستقطبت خلايا التجسس، وهذا يتفق مع الدور العدائي المتراكم للملكة تجاه اليمن، في دلالة واضحة على عدم وجود نوايا للسلام، وإيقاف العدوان ورفع الحصار، كما تزامن هذا الإعلان مع حملة يمنية منظمة للناشطين وقيادات الدولة ضد السعودية المتهمة من قبلهم بالمماطلة في تنفيذ استحقاقات السلام، وهم بذلك يكشفون عن دور جديد للسعودية يستهدف اليمن لكن هذه المرة في الإطار الاستخباراتي الذي يخدم العدو الأمريكي الصهيوني.

ويُظهر هذا الكشف أن اليمن بات في قلب معركة استخباراتية مفتوحة تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، فالتنسيق بين الـ (CIA) والموساد والمخابرات السعودية يعكس وجود “تحالف ظلّ” يعمل على تقويض الاستقرار الداخلي في صنعاء، بعد فشل العدوان العسكري في تحقيق أهدافه، وبناء على ذلك فإن نجاح الأجهزة الأمنية اليمنية في تفكيك شبكة بهذا الحجم يؤكد تحوّل صنعاء إلى مركز فاعل في ميدان الأمن الإقليمي، قادرة على خوض حرب معلومات مضادة بكفاءة عالية، وهو ما لم يكن ممكناً في السنوات السابقة.

دلالات التوقيت والإعلان

ومن اللافت أن من أعلن البيان لم يكن متحدثاً أمنياً تقليدياً، بل السيد علي حسين الحوثي، ومنصبه في وزارة الخارجية هو وكيل الوزارة، ورئيس قسم الاستخبارات بالوزارة، وهو كذلك نجل مؤسس المسيرة القرآنية الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رحمه الله- حيث يحمل ظهوره دلالات تتجاوز مضمون العملية إلى رمزية القيادة والجيل الجديد، فالإعلان من قبل شخصية شابة تمثل الامتداد الفكري والسياسي للمسيرة، ويعكس أن اليمن لا يواجه فقط بعقيدة صلبة، بل أيضاً بطبقة قيادية متجددة قادرة على الجمع بين الوعي الأمني والرؤية الثورية، وهي إشارة ضمنية إلى أن المشروع اليمني يمتلك جيلاً قادراً على إدارة الصراع بأدوات حديثة، وأن الانتقال من جيل التأسيس إلى جيل الإدارة التنفيذية يجري بسلاسة تعكس نضوج البنية المؤسسية داخل صنعاء. ويأتي الإعلان عن العملية في وقت تتعاظم فيه الضغوط الأمريكية على السعودية للحد من تقاربها مع صنعاء وتنفيذ استحقاقات السلام، وذلك نتيجة الإسناد اليمني لغزة على كافة الأصعدة، وفي مقدمة ذلك الجانب العسكري عن طريق الحصار على الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، وإطلاق الصواريخ الباليستية والفرط الصوتية على كيان العدو في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويأتي هذا الإنجاز كذلك، ليوجه رسالة إلى التحالف السعودي، بأن “الاختراق لم يعد ممكناً”، ورسالة إلى الداخل اليمني بأن “الأمن الوطني يقظ” في مواجهة أعتى أجهزة التجسس في العالم، فهي لحظة فاصلة تشير إلى انتقال اليمن من موقع الدفاع إلى موقع “الردع الاستخباراتي”، أي امتلاك زمام المبادرة في ميدان الحرب الخفية.

وفي السياق الإقليمي، يفتح هذا الحدث باباً على سؤال جوهري: هل ما زال اليمن في نظر واشنطن مجرّد “ساحة نفوذ”، أم بات “رقماً مقلقا” في معادلة الأمن الخليجي والبحر الأحمر؟

وتميل المؤشرات إلى الاحتمال الثاني، فاليمن، عبر تراكم خبراته في الميدان الأمني والعسكري، أصبح فاعلاً في صياغة معادلات الردع الإقليمي، لا مجرد طرفٍ متأثر بها، ولذا من المتوقع أن يعيد هذا الإنجاز ترتيب الأولويات، فالفشل الاستخباراتي سيقود على الأرجح من قبل أمريكا والسعودية والصهاينة إلى تصعيد بأساليب متنوعة على اليمن لتعويض الخسارة الميدانية، في حين من المتوقع أن تعزز صنعاء من منظومتها الأمنية والاستخباراتية، وتطوير أساليب للكشف عن العمل الاستخباراتي المتطور لأي شبكات قادمة، مستفيدة من أساليب الأعداء في التجسس على اليمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *