إعرف عدوك

اليوم التالي لترامب.. كيف ينبغي لإسرائيل أن تستعد للاضطرابات؟

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

تتناول هذه الورقة السياسية التحوّل الذي يطرأ على المنظومة الأمريكية وتأثيراته على العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وتختتم بتوصيات حول سياسة من شأنها تعزيز الموقف الاستراتيجي لإسرائيل على المدى الطويل، مستفيدة من فترة السماح الحالية والاستعداد لاحتمال حدوث تغيير مستقبلي في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة.

إن خطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة تتوافق بدرجة كبيرة مع المصالح الإسرائيلية الجوهرية، إذ تهدف إلى: استعادة الأسرى من قبضة حماس، إنهاء الحرب، إبعاد حماس عن الحكم في القطاع، نزع سلاحها بالكامل، وتعزيز اندماج إسرائيل في منظومة الشرق الأوسط، بما يحدّ من اتجاه عزلها دولياً. علاوة على ذلك، فإن تبنّي الخطة يُعدّ أمراً حيوياً لتجنيد دعم الرئيس ترامب من أجل دفع مبادرات إضافية من شأنها تحصين الأمن القومي لدولة إسرائيل.

إنّ انخراط الرئيس دونالد ترامب في مسألة أمن إسرائيل، ولا سيّما في الخطة التي عرضها لإنهاء الحرب في قطاع غزة، قد يعكس وجود علاقة متينة وعميقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، بل هناك من يقول إنها وصلت حدّ تحوّل إسرائيل إلى دولة محمية أمريكية شبه كاملة. وربما يكون هذا الانطباع صحيحاً إلى حدّ ما، لكن عند تحليل الاتجاهات بعيدة المدى، ينبغي الإقرار بوجود واقع إشكالي متطور في العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية، والعمل على مواجهته مسبقاً لتقليل أضراره. فالواقع أنّ الولايات المتحدة تمرّ بتحوّلات داخلية جوهرية، تماماً كما يمرّ المجتمع الإسرائيلي بتحوّلاته الخاصة، وهذه التغيّرات تؤثّر بعمق في العلاقات بين الدولتين. وهي تحولات ديموغرافية واجتماعية وسياسية في آنٍ واحد.

وباختصار، يمكن القول إنّ التيار التقدّمي – الراديكالي آخذ في التغلغل داخل جناح اليسار في الساحة السياسية الأمريكية. وهو تيار متطرّف يسعى إلى التكفير عن “خطايا الآباء المؤسسين” – من استعباد السود وإبادة السكان الأصليين للقارة – من خلال تمجيد الضعيف والمظلوم، واحتقار الرجل الأبيض “المُتمتّع بالامتيازات”، بل وأحياناً كره الذات البيضاء نفسها. وفي إطار هذه الرؤية، تُصوَّر دولة إسرائيل على أنها رمز لـ “القوة البيضاء المستغِلّة” في مقابل الشعب الفلسطيني الضعيف والمقهور والمضطهَد. وفضلاً عن هذه الأوساط الراديكالية، فإن نقمة متزايدة تجاه إسرائيل تتعمّق أيضاً في صفوف اليسار الأمريكي المعتدل، نتيجة الطريقة التي تُدرَك بها أفعال الحكومة الإسرائيلية في المشهد الداخلي الأمريكي.

حتى اليمين الأمريكي المحافظ يمرّ بتحوّلات. فالكثير من أنصاره يحنّون إلى الخمسينيات الرائعة من القرن العشرين، تلك الحقبة التي واجهت فيها الولايات المتحدة تحديات على الساحة الدولية لكنها كانت تتمتع بمكانة لا منازع عليها. أما الرئيس ترامب نفسه، كما تشير إلى انتخاباته الموسيقية وإشاراته السينمائية، فهو معجب بعقد الثمانينيات وخصوصاً فترة رئاسة رونالد ريغان، التي عكست أيضاً حنيناً إلى الخمسينيات. وفي نظر هذه الدوائر، كانت تلك سنوات برزت فيها الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية، يقودها الهيمنة الذكورية البيضاء المسيحية، وهو ما يُعد التجسيد النهائي لهذه الهيمنة. وبهذا المعنى، تمثل حركة MAGA التي يقودها ترامب نوعاً من الفوندمنتالية أو الحنين إلى الأسس الأصلية. إذ ترى هذه الفئة أنّ العظمة الأمريكية تقتضي استثمارات داخل الولايات المتحدة – ومن ضمن ذلك تحقيق النصر في المنافسة مع الصين – بينما تُعتبر الاستثمارات خارج الولايات المتحدة غير ضرورية. وفي صفوف جزء متطرّف من هذا التيار، تُرى إسرائيل كدولة استغلالية تحاول توجيه الولايات المتحدة لخوض حروبها، دون مراعاة بالضرورة للمصالح الأمريكية، وهو ما يُضعف الولايات المتحدة في منافستها على الهيمنة العالمية. إلى جانب ذلك، تُسمع في هذا المعسكر أصوات متشددة تعبّر عن مفاهيم معادية للسامية، وتربط هذه المواقف بإسرائيل.

تشير استطلاعات الرأي إلى هذه الاتجاهات بوضوح: هناك انخفاض ملحوظ ومستمر في دعم المواطنين الأمريكيين لإسرائيل، سواء على مستوى الجمهور العام أو على المستوى البرلماني. فوفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة PEW في نهاية آذار 2025، وصل نسبة الأمريكيين الذين يعبّرون عن موقف سلبي تجاه إسرائيل إلى ذروتها بنسبة 53%، بينما سجلت التعاطف مع إسرائيل مقارنة بالتعاطف مع الفلسطينيين أدنى مستوى له منذ 25 عاماً. كما أظهر استطلاع شركة غالوب في آذار نفسه أن نسبة الدعم لإسرائيل بين البالغين الأمريكيين انخفضت إلى 46% فقط، وهو أيضاً أدنى رقم خلال ربع القرن الأخير. ويُعزّز الارتباط في الرأي العام الديمقراطي وبين كبار مسؤولي الحزب بين حكومة إسرائيل والحزب الجمهوري هذه الاتجاهات أكثر، وقد يُترجَم ذلك إلى سياسة خارجية مختلفة من إدارة ديمقراطية مستقبلية أقل دعماً لإسرائيل بكثير.

تشير استطلاعات أخرى إلى اتجاه مشابه: ففي استطلاع جامعة ميريلاند، يرى 41% من الأمريكيين أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية أو أفعالاً مشابهة في قطاع غزة. وارتفعت نسبة الدعم للفلسطينيين تدريجياً لتصل إلى 33%، مقارنة بـ 15% في 2016. أما على صعيد الجمهوريين، فلا يزال الدعم لإسرائيل مرتفعاً نسبياً (75%)، لكن الاتجاه العام يُظهر بدء انخفاض الدعم بين الشباب: إذ بين الفئة العمرية 18–34 عاماً، لا يدعم إسرائيل سوى 13%، مقابل 67% بين من هم فوق 65 عاماً.

لا يزال المسيحيون الإنجيليون البيض من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل، إلا أن الدراسات تظهر تراجعاً مستمراً في نفوذهم وحجمهم. إذ تتقلّص هذه الشريحة: فقد انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يُعرّفون أنفسهم كإنجيليين من 23% في 2006 إلى 14% في 2020. وبالإضافة إلى ذلك، يلاحظ تآكل مكانة إسرائيل حتى داخل هذه المجموعة. فعلى سبيل المثال، بين الشباب الإنجيليين، تراجعت نسبة الدعم لإسرائيل من 69% في 2018 إلى 34% في 2021، وما زالت هذه الاتجاهات مستمرة. وتشير استطلاعات جديدة إلى أنه رغم أن دعم الشباب الإنجيلي لإسرائيل أعلى من نظرائهم غير الإنجيليين، إلا أنه أقل بعشرات النسب المئوية مقارنة بالشباب الأكبر سناً من الإنجيليين. وباختصار، إسرائيل تواجه تحدياً كبيراً في المستقبل القريب.

الخلاصة: يجب استغلال نافذة الفرصة الفريدة التي يوفرها رئيس استثنائي. فطالما بقي ترامب في البيت الأبيض، أمام إسرائيل فرصة كبيرة ينبغي استثمارها عبر محورين متوازيين: جهد لتشكيل واقع الشرق الأوسط، جهد لتعزيز وتقوية إسرائيل داخلياً وخارجياً. وقد تساعد هذه الجهود في تخفيف الاتجاهات السلبية تجاه إسرائيل وضمان تحقيق مصالح حيوية لها في السيناريو المحتمل الذي تستمر فيه هذه الاتجاهات.

السياسة المطلوبة لتشكيل شكل الشرق الأوسط

الساحة الإقليمية/الفلسطينية: من الصائب أن تقبل حكومة إسرائيل رسمياً مبادرة ترامب، لكن ينبغي أن تُخطو خطوة إضافية وتستغل هذه الفترة لرسم خطوط عريضة سياسية للفصل بين دولة إسرائيل وكيان فلسطيني مستقل (مُنزوع السلاح وذو سيادة محدودة – رهناً باتفاقيات مع إسرائيل، كما طالبت إسرائيل في مفاوضات سابقة -). في هذا السياق يمكن الانضمام بخطة ترامب لعام 2020 (خطة القرن): فثمة في هذه المبادرة عناصر قد تخدم إسرائيل جيداً، وهي مذكورة أيضاً في الخطة الحالية المطروحة. ربط مبادرتي ترامب قد يمهد الطريق لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

استراتيجية ذات مستويين تجاه إيران: ضغط اقتصادي قد يُقلق استقرار النظام، لكن الغاية الحقيقية هي دفع إيران للموافقة على اتفاق نووي أفضل من السابق. هذه استراتيجية تدمج سياسة الضغط الأقصى الاقتصادية والدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة مع تهديد عسكري موثوق عبر بناء قدرة هجومية متجددة مشتركة إسرائيلية–أمريكية. إن تغير النظام في إيران سيكون أمراً مرغوباً، لكن إذا ظل النظام قائماً رغم كل هذه الإجراءات، فلا بد من استغلال نهاية ولاية ترامب لصياغة اتفاق نووي أفضل من السابق يضمن ألا تمتلك إيران سلاحاً نووياً أبداً. ويُوصى بعدم ترك هذا الملف لرعاية الرئيس القادم، كما تأمل القيادة الإيرانية بأن يحدث.

قيادة سورية مسؤولة نحو حكم معتدل: النتيجة المرغوبة في سوريا واضحة — دولة مستقرة تسيطر على أراضيها ولا تسمح بظهور أي تهديد تجاه إسرائيل، وتقيم علاقات دبلوماسية معها وصولاً إلى التطبيع. الطريق نحو هذا الهدف أقل وضوحاً. من الصحيح الدفع أولاً نحو اتفاق أمني، لكن لا ينبغي التعجيل بإسقاط أحمد الشرع (لأن نواياه غير مؤكدة) إلى قرارات متسرعة قد تؤدي إلى سقوطه واستبداله بقائد إسلامي جهادي متطرف وواضح أكثر. بمعنى آخر: في الحالة السورية الخاصة، الطريق لا يقل أهمية – وربما أهم – من الهدف. يجب تحديد محطات طريق تساعد على استقرار نظام معتدل في سوريا، ويشمل ذلك إنهاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية على مناطق سورية مقابل اتفاق أمني، مع فحص دقيق لموقف النظام تجاه إسرائيل، واتخاذ الحيطة اللازمة، مع الإقرار أيضاً بأن تفويت نقاط تحول تاريخية يشكل مخاطرة. ولأن الشرع يحتاج إلى دعم أمريكي/خليجي لبقائه ولإعادة إعمار سوريا، فإن الولايات المتحدة هي التي ستكون في موقع القدرة على رسم المسار.

التطبيع مع لبنان ونزع سلاح حزب الله: لا تزال الأنشطة الهجومية الإسرائيلية المستمرة الهادفة إلى منع إعادة بناء قدرات حزب الله ذات أهمية قصوى. فقد مكّن الإضعاف العسكري للمنظمة على يد جيش الدفاع الإسرائيلي الحكومة اللبنانية من المطالبة بتفكيك السلاح عن حزب الله. لكن لا بد من فعل المزيد وبسرعة أكبر، لأن نافذة الفرصة في هذا السياق على وشك الإغلاق. تسعى إيران لإعادة بناء قوة حزب الله، ومع استعادة الحزب لقوته ستتوقف المبادرة التي تحاول الحكومة اللبنانية دفعها قدماً.

ولذلك يجب تسريع جهود تفكيك حزب الله مستفيدين من الرافعة الأمريكية: يمكن للجيش الأمريكي أن يدعم الجيش اللبناني ويرافق عملية تفكيك حزب الله تحت رقابة وإشراف مشدّدَيْن (قد تصل إلى انخراط مباشر)، وهو تدخل سيكون أكثر فاعلية من عمل اليونيفيل، التي تمرُّ هذه السنة بمرحلة تُعدّ الأخيرة لوجودها. في الوقت الراهن، تُعدّ الأنشطة الجارية في هذا المجال رمزية إلى حد كبير وغير مجدية. يجب الانتقال من الكلام إلى العمل، ويفضّل أن يقود ذلكَ الجيش اللبناني بدعم أمريكي. ومع ذلك، لا بدّ من الاستعداد أيضاً لتكثيف العمل الإسرائيلي بحيث يُبقى نافذة ضعف حزب الله مفتوحة بما يتيح استثمار المسار السياسي بالكامل.

تعزيز أمن إسرائيل

مذكرة تفاهم جديدة مع الولايات المتحدة: يجب تكثيف الجهود لإبرام مذكرة تفاهم جديدة، تتيح التحول التدريجي من المساعدات الأمنية إلى شراكة استراتيجية، وفق النهج الذي تتبعه الإدارة الأمريكية حالياً. أي الانتقال من وضع إسرائيل كـ “دولة مدعومة” إلى “شريك استراتيجي”. في هذا الإطار، ينبغي تطوير قوة دفاع مشتركة تشمل: إزالة قيود التصدير والاستيراد، تعزيز القدرة الإنتاجية في الولايات المتحدة وإسرائيل، دمج إسرائيل بشكل كامل وعميق في البحث والتطوير الأمريكي. يمكن لهذا الإجراء أن يعزز العلاقات الخاصة على المدى الطويل على أساس التزامات تجارية وعقدية تعكس مصلحة مشتركة، وليس فقط قيماً مشتركة. فالبيئة الدولية الحالية تميل إلى إعطاء الأولوية للشراكات القائمة على المصلحة العملية والتجارية كأساس للعلاقات بين الدول.

خطة بحث مشتركة في مجال التكنولوجيا العميقة (Deep Tech)

التقنيات الناشئة – مثل الحوسبة الكمّية والذكاء الاصطناعي – ستغيّر مسار الحياة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ساحة المعركة المستقبلية. في هذا السياق، إسرائيل لا تزال في الموقع المناسب للصعود على متن هذه الثورة التكنولوجية، لكن إدارة أمريكية أقل دعماً لإسرائيل، بالتزامن مع استمرار الاتجاه الذي يصوّر إسرائيل كعنصر مثقل سياسياً وقيمياً ومنبوذ، قد تمنعها من المشاركة في الزخم الدولي للتطوير وتتركها متأخرة. وحدها سياسة استباقية من الرئيس ترامب (إعلان رئاسي) أو تشريع في الكونغرس كأساس للشراكة الإسرائيلية في البحث والتطوير، إلى جانب ظروف أفضل في الولايات المتحدة لشركات ناشئة إسرائيلية في مجال الحوسبة الكمّية، يمكن أن تمنع هذا الإقصاء.

انضمام إسرائيل إلى “خمس عيون”: هذا تحالف يشبه نادياً راقياً وفريداً قائماً على الثقة لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين خمس دول: الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أستراليا، ونيوزيلندا. تقوم الدول الأعضاء بتبادل مصادر الاستخبارات، ما يوفّر نظام إنذار أقوى بكثير من قدرات أي دولة بمفردها. إن دمج إسرائيل في هذا الإطار سيُعزّز قدراتها الاستخباراتية، كما سيُحسّن مكانتها الدبلوماسية، ما سيساعدها على تحقيق أهدافها عبر مسارين متوازيين: في الشرق الأوسط وفي الساحة الدولية الأوسع. كما أن العمل الإسرائيلي على المستوى الإقليمي سيساهم أيضاً في تسهيل هذا الاندماج.

الملخص

ستستعد إسرائيل لإجراء الانتخابات العامة في 2026، بينما ستدخل الولايات المتحدة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، تليها حملة انتخابية رئاسية لعام 2028. ويعني هذا الجدول الزمني أن إسرائيل ليس لديها ثلاث سنوات كاملة للاسترخاء والاعتماد على دعم ترامب؛ فالوقت الفعلي قصير جداً. لذلك، يجب التحرك الآن وبإحساس عاجل، من خلال: تعزيز التعاون التكنولوجي، إبرام مذكرة تفاهم جديدة مع الإدارة الأمريكية الحالية، وبناء شبكة من الاتفاقيات التي تضمن إنجازات إسرائيل العملياتية في الحرب ضد حماس وفي ساحات الصراع الأخرى. كما يُعد منع تدهور الحرب في قطاع غزة إلى حرب استنزاف لا نهاية لها وإنهاؤها بشكل مناسب تطوراً مهماً. ويجب السعي لتنفيذ الجزء الثاني من الاتفاقية وتطبيق كامل لخطة الـ 20 نقطة للرئيس ترامب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *