الثورة الإسلامية في إيران.. فجرُ انتصار الشعوب…
بقلم: غسان عبد الله
يوم حطّت الطائرة التي حملت آية الله روح الله الموسوي الخميني(قده) على أرض مطار مهرباد في طهران، دخلت المنطقة الممتدة من سيبيريا إلى شواطئ المحيط الأطلسي في مخاض شديد، فالرجل القادم على أجنحة ثورة شعبية قل نظيرها في العالم، لم يكن قادماً من خلفية سياسية تقليدية ذات بعد شرقي أو غربي وللعالم يومذاك قطبان أحدهما شرقي هو الاتحاد السوفيتي والأخر غربي وهو الولايات المتحدة الأمريكية وعلى هامش كل منهما مجتمعات ودول تدور في فلكها، وتتصل بها بحبل صرّة يمدها بما تحتاج إليه من مقومات البقاء والنمو.
يوم طرح الإمام الخميني شعاره الذي تميّز به عن مجموع القوى النافذة في العالم، (لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية) ويوم رددت جماهير الثورة هذا الشعار، حددت الثورة – ومن بعدها وليدتها الجمهورية الإسلامية – هويتها وانتماءها إلى مرجعية وحيدة، هي الإسلام بكل معانيه وبكل قيمه وأبعاده. تلك المعاني والقيم التي ظنّ أربابُ الفكر ودهاقنةُ السياسة أنها قد اندثرت إلى غير رجعة، وأنه ليس بإمكانها الحياة والتكيف في ظل عالم بلغ فيه التعقيد في كل شيء حداً غير مسبوق.
يومها انطلقت التحليلات السياسية في مراكز الدراسات الإستراتيجية وعلى صفحات الجرائد والمجلات تؤكد أنه ليس من خيار أمام هذه الثورة الفتية سوى الارتماء في أحضان الإدارة الأمريكية لأسباب عديدة أهمها الخلاف الإيديولوجي بينها وبين القطب الآخر – أي الاتحاد السوفييتي – وإمساك أمريكا بناصية القرار لدى جميع أنظمة المنطقة المحيطة بإيران.
وعندما تأخرت قيادة الثورة الإسلامية عن تقديم أوراق اعتمادها لدى الإدارة الأمريكية أو لدى القوة الأخرى اعتبرت الإدارة الأمريكية أن عليها أن تلقن هذه القيادة الدروس التي تجبرها على الخضوع والاستسلام. فكانت المؤامرات الاستخباراتية وتدبير المكائد السياسية التي اكتشفتها قيادة الثورة فقررت أن أمريكا يجب أن تُلقِّنَ درساً يدفعها لاحترام إرادة الشعوب وعدم الاستخفاف بها فكان تحرك الطلاب المسلمين باتجاه السفارة الأمريكية حيث ألقي القبض على الذين كانوا يتجسسون على الثورة وقيادتها ويدبرون مع جماعات أعداء الثورة من الليبراليين وأنصار الشاه والشيوعيين المكائد من أجل إفشال الثورة أو الإمساك بها لحرفها عن المسار الذي حدّده لها الإمام الخميني رحمة الله عليه.
صمدت الثورة الإسلامية في مواجهة هذه المؤامرات والمكائد، واستطاعت قوى الثورة أن تطور ثورتها وأن تمسك بالقرار في البلاد، ولكن القوى التي غذت التآمر ضد الجمهورية الإسلامية لم تستلم فطورت هي الأخرى في أساليبها، فبعد أن أيقنت أنه ليس بإمكان القوى المعادية للثورة في الداخل النجاح في محاولة قتل هذه الثورة أو السيطرة عليها قررت إيكال هذه المهمة إلى النظام الحاكم في العراق الذي كان يطمح لبسط سيطرته على دول المنطقة المجاورة له، فظن أن بإمكانه القيام بالمهمة التي ستشكل إذا ما نجحت الخطوة الأولى باتجاه تحقيق طموح السيطرة على المنطقة، وعلى الرغم من أن دول المنطقة كانت تدرك حقيقة المطامع الـ(صدّامية) إلا أنها موّلت الحرب على أساس التخلّص أولاً من العدو الأخطر بنظرهم ونظر أسيادهم في الإدارة الأمريكية، ثم بعد ذلك يعملون بالتعاون مع الإدارة الأمريكية من أجل التخلص من صدام حسين ونظامه ومن حزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا ما حصل فعلاً بعدما فشل صدام حسين في القضاء على الثورة الإسلامية.
لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية تحت الحصار أن تحقق تقدماً صناعياً في كافة المجالات الصناعية المدنية والعسكرية، وأصبحت القوة الصاروخية الإيرانية مضرب المثل في المنطقة والعالم وحققت ما يسمى بتوازن الرعب الذي يجعل أمريكا وإسرائيل تفكران أكثر من مئة مرة قبل التفكير في توجيه ضربة عسكرية لإيران. وجاء الملف النووي الإيراني ليشكِّل صدمة لأعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحالة بهجة للمسلمين المحبين للجمهورية والمعادين لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد حققت إيران تقدماً في هذا المجال ووضعت برنامجاً لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وكانت قبل ذلك من الدول الموقِّعة على معاهدة حظر إنتاج واستخدام الأسلحة النووية وبالإضافة إلى ذلك أصدر مرشد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي فتوى تحرّم إنتاج واستخدام الأسلحة النووية ومع ذلك يرفض الغرب ممثلاً بالوكالة الدولية للطاقة الذرية التوصل إلى اتفاق مع إيران حول ملفها النووي زاعماً أنه ليس من حق إيران إنتاج الطاقة النووية لأن في ذلك احتمال استخدام اليورانيوم المخصب بدرجة معينة في إنتاج القنابل الذرية والنووية.
وفي المقابل وعلى الرغم من كل التهديدات ترفض القيادة الإيرانية التنازل عن حقها في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية التي تكفلها المعاهدات وشرائع الأمم المتحدة ذات الاختصاص.
إن خوف المجتمع الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة كما يزعمون هو من قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي يشكل خطراً على الدولة الصهيونية ولولا هذا الخطر لم يكن الغرب ليعترض حتى على امتلاك إيران لسلاح نووي ولكان غض النظر عنها، بل لكان قدم لها الدعم كما قدمه لكل من الهند وباكستان حيث يشكل السلاح النووي في أيدي تلك الدولتين تهديداً وخطراً عليهما فقط ولا يشكل تهديداً أو خطراً على الكيان الصهيوني الغاصب.
وعلى كل حال فإن قدرة إيران على المواجهة والمناورة في موضوع الملف النووي قد أثارت إعجاب شعوب الأرض، فهي ثابتة في الحفاظ على حقها في امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا، وأثبتت الجمهورية الإسلامية أنها غير مستعدة للتفريط بحقوقها أو التنازل عن مبادئها مهما بلغت الضغوط والتهديدات والتحديات.
في الذكرى الخامسة والأربعين لانتصار هذه الثورة العظيمة نتوجه إلى السيِّد القائد الإمام الخامنئي ولفخامة الرئيس السيد إبراهيم رئيسي بالتهنئة والتبريك.. ونقول لكل الشعوب في العالم… إن ثورةً تصل إلى أن تصبح دولةً عظمى.. هي ثورةٌ للتاريخ وللجغرافيا.. هي انبجاسٌ للنور العظيم.. للحرية المنشودة.