دوليات

اختبارات صاروخية جديدة .. كوريا الشمالية تستعد للأسوأ

بقلم: ابتسام الشامي

توتر متصاعد

حافظت كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية منذ بداية العام الجاري، على مستوى متصاعد من التوتر المدفوع بتغيير الولايات المتحدة الأمريكية طبيعة تحالفاتها القائمة مع كل من سيول وطوكيو والدفع قدماً لإنشاء تحالف ثلاثي عسكري، كان من نتائجه المباشرة، إعلان كوريا الجنوبية زيادة إنفاقها الدفاعي بواقع 13 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة. وإجراء اليابان أكبر مراجعة لسياستها الدفاعية منذ الحرب العالمية الثانية، مع تشخيصها الصين بوصفها “تحد إستراتيجي غير مسبوق” للأمن القومي الياباني. وتخصيصها 320 مليار دولار لتقوية قدراتها العسكرية، والتزود بصواريخ قادرة على ضرب جارتها.

هذا الواقع الجديد على حدود كوريا الشمالية عزز منطق الأخيرة في تسريع وتيرة بناء قدراتها العسكرية وتطوير تحالفاتها الدولية لاسيما مع روسيا. وفي هذا السياق شكلت زيارة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إليها في شهر أيلول الماضي، منعطفاً جديداً في علاقات البلدين اللذين يواجهان تحديات خاصة ومشتركة في آن واحد مع الولايات المتحدة. وعلى وقع تصعيد الأخيرة أنشطتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، كان توجيه كيم واضحاً لقوات بلاده بزيادة إنتاج منصات الصواريخ البالستية استعداداً لـ “مواجهة عسكرية” مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وتحت سقف هذا التوجيه، أجرت كوريا الشمالية عام 2023 عدداً قياسياً من تجارب الصواريخ الباليستية. واستكملتها العام الجاري باختبار لإطلاق “صاروخ أرض – بحر من نوع جديد”، في إطار جهود تعزيز أمن حدودها البحرية، وفي السياق نفسه ضاعفت تجارب الأسلحة، بما في ذلك إطلاق سلسلة من صواريخ كروز، واختبار “نظام سلاح نووي تحت الماء”، وإطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي يعمل بالوقود الصلب.

اختبارات الصواريخ الجديدة جاءت في وقت أعادت فيه بيونغ يانع تشخيص أعدائها، مصنفة جارتها الجنوبية “عدوها الرئيسي”، قبل أن تعمد إلى إغلاق وكالات مخصصة لإعادة توحيد الكوريتين والتواصل بينهما، كما هدّدت بالحرب في حال حصول انتهاك لأراضيها.

خطاب الحرب

الاستعدادات العسكرية المتقابلة التي تشهدها شبه الجزيرة الكورية وترفع من حدة التوتر، يلازمها خطاب حربي بامتياز، يشكل بحسب المراقبين استجابة طبيعية أو ترجمة عملية لثقل الحضور العسكري الأمريكي وتكثيفه في إطار استراتيجية واشنطن للتعامل مع بكين عبر تسييج حدودها بتحالفات عسكرية، هي أقرب ما تكون إلى إنشاء ناتو آسيوي شبيه بالناتو الأوروبي الذي طوّق روسيا وأشعل فتيل الحرب مع أوكرانيا. ما يعني عملياً أن الولايات المتحدة الأمريكية تدفع نحو إشعال بؤرة توتر جديدة في العالم، وإخراج شبه الجزيرة الكورية من “مسار السلام” الذي انطلق عام 2018 ووضعها عملياً على حافة الحرب. ولعل ما يزيد من مؤشرات التصعيد، التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجيش كوريا الجنوبية. وخلال الأيام الماضية، بدأ الجانبان مناورة عسكرية مشتركة، أشعلت الأضواء الحمراء في بيونغ يانغ التي حذّرت سيول وواشنطن، من “دفع ثمن باهظ” لتلك المناورات. وحض متحدث باسم وزارة الدفاع الكورية الشمالية، لم يكشف عن هويته في بيان نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، سيول وواشنطن على “وقف المناورات العسكرية المتهورة والمسعورة”. مشيراً إلى أن “الجيش يدين بشدة التدريبات العسكرية المتهورة التي تجريها الولايات المتحدة وجمهورية كوريا ويحذرهما بشدة لوقف التحركات التي تسبب المزيد من الاستفزازات وعدم الاستقرار”.

زعزعة الاستقرار وما يمكن أن تؤدي إليه التقديرات الخاطئة من انزلاق نحو تصعيد عسكري، دأب زعيم كوريا الشمالية على التحذير منه. وعلى قاعدة الردع المستند إلى القوة، يشرف زعيم البلاد شخصياً على استعدادات بلاده للتعامل مع سيناريوهات الحرب التي قد تفرضها التطورات. في هذا السياق، حرص كيم جونغ أون على حضور الاختبارات الصاروخية الأخيرة، مثنياً على جهود العاملين في مجال تطوير قدرات الصواريخ وأنواعها، لاسيما صواريخ أرض – بحر ومنها صاروخ “باداسوري – 6 من النوع الجديد الذي سيجري تجهيز القوات البحرية به”. وخلال حضوره تجربة الإطلاق، قال كيم إن كوريا الجنوبية سمحت “لأنواع مختلفة من السفن الحربية بالدخول إلى مياه جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية للتعدي على سيادتها بشكل خطير”، في إشارة إلى الإسم الرسمي لكوريا الشمالية. وأثناء تفقده قاعدة تدريب عسكرية رئيسية، حض الجيش الكوري الشمالي على تكثيف تدريباته. وأظهرت صور لوكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية زعيم البلاد النووية، حاملاً بندقية بينما يتحدث إلى جنود ويشرف على تدريبات إطلاق نار ويتفحص أسلحة.

خاتمة

ليس معلوماً بعد مآل تصاعد التوتر العسكري بين الكوريتين لكن الخطر يكمن في ما يرافق الخطاب الحربي من إجراءات عملية تعزز احتمالات التصعيد، ولعل تصويت برلمان كوريا الشمالية، لمصلحة إلغاء قوانين التعاون الاقتصادي مع الجارة الجنوبية لاسيما تلك القوانين الخاصة بالجولات السياحية الدولية التي يجري تنظيمها إلى “جبل كومغانغ” السياحي، تشكل نذر الحرب التي إن اشتعلت ستكون الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة بشكل مباشر عن الدماء التي ستريقها بين أبناء البلد الواحد الذي سبق أن شطرته، ومزّقت نسيجه الاجتماعي والسياسي.