آخر الكلام

روحُ العاشقِ في الأسحار

بقلم غسان عبد الله

قلتُ إذن.. سأقرأُ مناجاةَ الخائفينْ..

فمن ذا الذي يردُّ للخائفِ أمناً بعدَ رحلةٍ من عذابْ..

سأقرأُ دعاءِ المجيرِ.. وأكتُبُ في دفترِ الحالمينِ..

لا خوفَ بُعيدَ الفجرِ الصادقِ..

لا حلُمَ مشروخَ الرؤى.. ما أشبهَ اليومَ بالأمسِ..

يا روحَ العاشقِ مضى بنا الشبابْ، اشتعالاتي للسرابْ.. أمنياتي لليبابْ..

يا روحُ.. رويدَ الإثمِ فيَّ.. قد عراني الخرابْ..

لا لطقوسِ الغِيبةِ.. وموائدِ لحمِ الأخوةِ في هنيهاتِ العتابْ..

لا لوصايةِ الشياطينَ على الروحِ..

لا لدموعٍ تجري على الخدودِ بعدَ أن عزَّ انسكابْ..

لا للمراثي تجري على وريقاتِ الكتابةْ..

سأذهبُ بالصومِ الحميم حتى محرابِ المَهابة..

ومن جلدي سيخرجُ التائبونَ.. من روحي تعبرُ المآذنُ حزنَ المدائنِ..

وفي قلبي غيومُ السماءْ..

فأيةُ أدعيةٍ جهَّزَتني لهذي الأماني.. وأيةُ مرحلةٍ توَّجتني لهذا البكاء..

يا روحُ.. انتهى كلُّ شيءٍ..

ولَكَمْ حاصرتني الوساوسُ.. ولفَّني في جوفِ الليالي ظلامي..

كم سرقتني الكآبةُ من عمري.. كم أعَدْتُ أمامَ تربة السجودِ ذكر آثامي..

كم ذهبتُ إلى دمي النابض واتَّكأتُ عليهِ.. وها أنا ذا ضائعٌ.. ضالعٌ في الندامةْ..

من أول الفجرِ حتى انهزامي.. وها أنا ذا ولدٌ ضالعٌ في الندامةِ..

من أول السَّحرِ حتى انكفاء الملاكِ..

يا روحَ العاشقِ في الأسحارِ.. أما انتهت بعدُ هذي الدروبُ المظلمةْ؟!!

يا روحُ.. ماذا أفعلُ؟.. ماذا أفعلُ؟!..

تهمسُ الرُّوحُ:

يا فتى الإنابةِ.. حين تهربُ منك الدماءُ كيف ترسُمُ حزن الأوردةْ؟!

حين ينهمرُ المطرُ في نجيعِكَ.. بأي الألوان ستحتمي؟!..

يا فتى الإنابةِ.. لماذا تناسيتَ عمراً سيهجمُ.. فيرميكَ في بؤرةِ المشأمة..

أُخرجْ من لهفةَ السؤالِ واهبط باحةَ المرحمة..

واستمعْ لصدى خفقكَ الروحيِّ حين تحثُّهُ بكاءً في الأسحارِ..

وحين يصيرُ الوقتُ القدسيُّ سبحاً طويلاً في النهارْ..

أشعلِ الرُّوحَ.. صلاةً.. دعاءً..

أَمْعِنْ في التوبةِ فقدْ تسرقكَ غداً في لحظةٍ غافلةٍ.. ومضةُ الأقدارْ“.