غمارُ الأمنياتْ
بقلم غسان عبد الله
أطلِقْ خيولَكَ في دمي.. لا الريحُ تثني أخضري
لا الموتُ يقتلع الجذورَ
تشبَّثَتْ رئتي بخاصرة الهواء، ولم أزلْ
أقوى على حَمْلِ انتكاسات الترابْ
أطلق خيولك في دمي
هذي المواسِمُ تُخْرِجُ المكنونَ.. تنتزع الخناجرَ من فمي
وتبرعم الأسرارَ..
أطلقْ.. كلّهم ناموا.. فرعداً.. كي أفجّر صحوَهمْ
برقاً.. لأفتح أعينَ الأحجارِ
أو وعداً.. لأُلقي حلميَ الأبديَّ يبلَعُ وهمهمْ
ويدِي.. لأخرجَها بلون الماءِ أعتصرُ السرابْ
أطلِقْ خيولكَ.. ذا وجيبُ القلبِ يخفقُ
والرؤى انفتحتْ على أفلاكها
انهمرتْ على شفتيَّ وانبجسَتْ حروفاً، أنجماً زُهراً، كواكبَ..
ها يدي لمستْ حرير الشمسِ تنسج للهُيام شراعَهُ الضوئيَّ
ها خدي استراحَ على فراشِ قصيدةٍ شَرِبَتْ زُلالَ الغيمِ
لا طَلَلاً.. لأرثيَ
لا سلامَ يفُكُّ عقدةَ جدولي.. لا خيلَ تقتحِمُ النهارَ
ولا بذارَ لتربتي كيما أفكَّ رموزَها.. لا شيءَ..
لم أُبصر سوى كتلٍ من الأطيانِ بلّلها المهينُ
وغادرتْ فردوسَها.. التصقتْ بقاع الوقتِ حجَّرها السباتُ
فمشعلاً.. كيما أضيء كهوفها
ناراً.. لأصهر قيدها شمساً لأبتلع الضبابْ
أطلق خيولك في دمي حرفاً.. فحرفاً..
كي أسيل على ثرى الرؤيا
وأطلع أخضراً من أزرقٍ.. وقرنفلاً من زنبقٍ
قمراً شهيَّ الومضِ.. قيثاراً من الأهدابِ
نوراً باهراً.. شمساً من الضحكاتِ
أو سيلاً من النيرانِ أشربه فأغدو مارداً
سأعيدُ تَشْكيلَ الفصولِ في دمي..
صياغة الأشكالِ..
فصلاً من رفيفِ الضوءِ.. فصلاً من غضار الوقتِ
أصنعُ من هلامِ الضوءِ سلامَ المواسِم والفصولْ
أطلق خيولك في دمي
كأنما سال الفرات على جبينيَ
لم يكن برقاً.. ولكنْ.. كان إيذاناً ببدء مواسم حُمِّلتُها
مذ كنتَ لؤلؤةً.. وكان النور يسري في خلايايَ الشفيفةِ
كنتُني.. قبلَ اغتراب الروحِ.. قبل الجدبِ
قبل فُراقِنا.. فاهطلْ وسافر في دمي
هذا حضورك أيقظ الأعشابَ
فتّح أعينَ الأزهارِ، ألهَمَها الشذى
ما غادَرَ الشعراءُ من كفَّيكَ بَعدُ
ولم تزل فيكَ اختلاجاتُ المواسِمِ تسلُبُ اللبّ اللّبيبَ
وفي حضوركَ.. ألفُ داليةٍ تسرّح شعرها
بل ألفُ زنبقةٍ ترونِقُ عطرَها
وعلى يديكَ الطيرُ يلهمُني الدعاءَ
وكلما أرمي شباكي الجائعاتِ على دعائِكَ
أرتوي ألقاً، وأقتَنِصُ الغمامْ
أطلق خيولك في دمي.. الآن أبصرُني.. وأبحرُ في مجاهليَ القصيَّةِ
ها دمي حين التقينا صارَ وردياً
وها روحي.. بنفسجةً.. وذي عينايَ.. أجنحةً نمت لهما
وذي كفيَّ تلامِسُ وجنةَ الصحو البهيةَ
ها دعاءٌ.. ها صلاةْ..
الآن يمتزِجُ انهمارُكَ وانهماري في غمارِ الأمنياتْ.