أول الكلام

إنه مجرد خوف، أليس كذلك؟؟

تقولُ لي إنه الفراغ؟!!. أبداً.. فأنا لا أملك من الوقت، غيرَ ما أقضيهِ متولهاً، أنشرُ على رحابةِ الذهنِ، تفاصيلَ مخاوفي، وأجعلُها تستفْحِلُ على مَهلٍ، ثم تترسَّبُ تائهةً في الأعماق.

كنت تتوقعني قوياً.. أليس كذلك؟. أنت مخطئٌ إذاً، بل وواهمٌ، والشهورُ القليلةُ الماضيةُ، التي آلفتنا، لم تكن كافيةً، كي أجعَلَك تُطِلُّ، على كلِّ الخرابِ داخلي.. فأنا وإن كنتُ شهياً، بهذا الجدل اللذيذ، وتلك المماحكة الصلبة، فأنا الآن على العكس من ذلك تماماً. هشٌ ورهيفٌ، إذ لا أستطيع أن أنام، أو أجتازَ جدارَ الخوفِ و “الوسوسة القهرية!”، دون أن أدسَّ في الظلام يديَّ، أبحثُ عن مكامن الوجعِ أحرِّكُ فيها ما لا أجده سبباً للوجل.

من حقي، أليس كذلك؟!!. بالله قل لي، ما الذي تخلصُ به، في نهاية نهاراتكَ، عدا وجعٍ في الرأس، ونزيفٍ في الروح، ونقرٍ على الصدغين، لا يروح، مهما بلعنا من مسكنات؟!!.. ولا ينجلي حتى لو التهمنا الـ (كزانكس) واحدة تلو الأخرى في عملية ضحكٍ على الذات بأنَّ ما لا يذهبُ من وسوسةٍ قهريةٍ بالدعاءِ ستُزيلُهُ حتماً تلك الحبةُ الزهريةُ اللون.. السحريةُ المفعول!!.

وحين يأتي هاتِفُكَ، أكذُبُ عليكَ وأقول، إنني أمام التلفزيون.. من يقوى على متابعة مشاهد، يطبعها الرعب والتدمير؟؟.. أو من يلاحقُ وجه الحقيقةِ المغيَّبِ أصلاً عن أفهامنا عبر الفضائيات المنتشرة كوباء الجمرة الخبيثة.. وأكذبُ عليكَ مرة أخرى حين أقول لك إنني أقود سيارتي ولا أستطيعُ أن أكمل حديثي معك على الهاتف.. إذ أنني أصلاً لا أخرجُ من دائرة منطقتي الممتدة بين العمل والبيت بالأشبار إلا بالسيارة.. وبالتالي فإنني حتماً لست على الطريق الدولية كي لا أستطيع متابعة الحديث معك.

أتدري؟!!.. على الرغم من ضَحِكَ مَنْ حولي، فالتلفزيون أو المحطات الفضائيةُ عندي، لا تعدو أن تكون، كلَّ ما يُفْصِحُ عن تلكَ القصصِ الرقيقةِ الحالمةِ.. القصص التي يحلو لبعض المتحاورين على طاولة واحدة أن يبتدعوها عن كيفية وصولهم إلى عالم النجومية.. أو أفلام الكرتون “توم أند جيري.. ورود رانر”.. أقول إنني أتابعها كي يجتاحني النوم، ثم يحملني بعيداً في خفوت.

ليس وسواساً قهرياً إذاً، إذا ما هربتُ بعينيَّ، من صورِ الاقتتالِ الطاحنِ والرصاص؟؟. وإلا ماذا ستقولُ عني، حين أفتحُ لكَ أكثرَ، صدريَ المليءَ بالأسرار؟. ليس من الحكمةِ فعلُ ذلك؟.. ولكنَّ الوحدةَ قاتلةٌ، وأنت بصفائِكَ، شبيهٌ بي، فدعني أحكي.. أرجوك.. أول الكلام.

سأسألُكَ سؤالاً واضحاً، وبدون تفاصيل.. لماذا لا يتحرش الوسواسُ القهريُّ، برجالِ السياسة؟؟!!.. ولماذا لا يتجهُ دوماً، بأسئلته المقلقة، وحثِّه المرضيِّ، سوى نحوي؟!!.. ولعلمِكَ، هذه أيضاً، نقطةٌ سوداءُ داكنةٌ، في سجِلِّ ارتعابي.

غريبٌ هذا الأمر!!.. كلُّ الأمراض والأعراض والأوجاع الوهمية والضغط غير المستقر على حال.. كلُّ أولئكَ كان عنه مسؤولاً.. كلهم يحملون أسمالهم ورثاثاتهم، ثم يتحركون هائمين باتجاهي.. وأنا بين هلعي منهم، ورعبي من الاستفراد بي، أُهْرَعُ في حَنَقٍ، أو أتسللُّ صوب باب الطوارئ في المستشفى القريب جداً، حتى أحياناً، قبل أن تقع بغتةً، عينُ أحدهم علي، أو تكونَ وجهتُهُ، ذاهلةً صوب وجهي المشفوط بالهلع!!.

إنه مجرد خوف، أليس كذلك؟؟.. فأنا أنأى، منذ كنت طفلاً، حين سمعتُ إحداهن عابثةً، تحكي لأمي، أن أحمقاً استيقظ صباحاً في شهر رمضان ليجِدَ حاله مَيْتَاً.. هل يستطيعُ أحمقٌ، أن يستيقظَ من موته، ويشعر بأنه ميت…؟؟… يا إلهي!!.. إذن قد أستيقظُ غداً بعد هذه الجرعات من الخوف والأعراض الشبيهة لأجد نفسي ميتاً.

لا تستخفَّ بي أرجوكَ، فأنا صادقٌ تماماً.. لا تَرتَبْ، ولا تتطلع مرتعباً إليَّ هكذا.. أنت لا تخاف؟؟!!.. أدري.. كنتُ مثلَكَ تماماً، متأهباً لاقتحام المجهول، ولسبب ما، رقَّقَ الزمنُ مشاعري، ونبتَتْ على غفلةٍ مني، عرائش الخوفِ والوحشة.

أرأيت؟!.. إذاً اصمت، ولا تسهب كثيراً في الكلام.. أقلتَ الأعصاب؟!!. ربما، فأنا مشدودٌ دوماً، إلى أخطار لا منتظرة.. ضربةٌ من هنا.. طعنةٌ من هناك.. سقطةٌ في هوة.. دمٌ كثير.. سرطان.. كولِّسترول شحوم ثلاثية.. آآآآآآه. منذ متى؟؟!.. لا عليك.. أنت لا تخافُ البقاءَ كثيراً في بيتِكَ.. أما أنا فيُطْبِقُ عليَّ، وتحاصِرُني زواياهُ!!. 

أتَذْكُرُ..؟ كم كنتُ قوياً صلباً.. أتحرش قصداً بالمتاعب.. صديقُنا اليساريُّ، صارَ مثلي، يقرأُ آية الكرسي، دفعاً للآتي، وابنهُ الذي أنجبته زوجَتُهُ بعد الأربعين، بتُّ أرقيه له سراً، درءاً للمَرَضِ والعينْ.. لستُ خجلاً، وربما كان هو كذلك.. لكن، ما الذي أفسد باحاتنا، ولوثها بالغباء؟؟.

تطارِدُني بالفضول؟؟!!.. ليكن!!.. أشيائي الحميمةُ أقولُها.. كنتُ من قبلُ مغلقاً تماماً، وفي تورُّطٍ حَذَري.. الآن أنا أحكي.. تأخرتُ؟؟!!. ربما.. ربما كنتُ في حالةِ اعترافٍ صامتٍ.. داخلي كان يغلي.. وكنتُ منهمكاً بتفكيك لغز السرسبة مدى ثلاثين عاماً.

أفكارُكَ بائسة!!.. ماذا لو قلتُ لكَ، كي لا تشقى أناي، أضعُ في وَهَنٍ، ما تبقى من اصطبارٍ، على جرحِ نوباتٍ يحبِكُها قلقٌ رجيم.. كأسُ الماءِ جنبي، أنرِ المصباحَ وناولني إياه.. لستُ أقوى على ليِّ كفِّي.. أنا وأنتَ، لسنا اثنين، أنت أنا.. وأنا أنت.. إذ أن المرآة التي أتهندمُ صباحاً قبالتَها تريني إياكَ لأقف معك.. وأحدِّثَكَ.. إذاً.. أنصت إليَّ، ولا تقل، إنه وسواسٌ قهري!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *