آخر الكلام

للضاحيةِ كلُّ هذا الفخرِ حينَ عطشت روّاها محسنٌ بالدماء

بقلم غسان عبد الله

 أيا ضاحيتي الأبيةِ.. رويدَ الصبرِ منكِ..

سأخاطبكِ بآخرِ ما أَملكُهُ مِن فتاتِ قولِ الشعرِ وحشرجةِ البكاءْ

هذه قصائدي.. نهبَ احتضارٍ كانتْ..

وصوتَ افتخارٍ تصيرُ لأجلِ مَنْ شيّدوا صرحَ الزمنْ.. ليكونَ للحياةِ طعمُ الحياةِ..

هذه قصائدي.. موسيقى تَبثُّ فرحْتَها.. تَدّثَرُ بلونِ الإباءْ..

وندائيَ المنبعثِ مِن غمامةِ الجرحِ وعطرِ البقاءْ

تَدّثرُ بهذا الزَّندِ الأسمرِ العاري يُغالبُ آلةَ القتلِ فيغلبُها..

هذه قصائدي.. ترتدي لباسَ العزِّ..

ومئذنةً مُزينةً بخيولٍ جامحةٍ تتقافزُ في حضنِ المنارِ والنورْ..

وما بينهما نورُ هذا السيدِّ الذي لا يغيبْ..

هذا الذي أعرفُهُ جيداً مثلما أعرفُ ضحكةَ أيمنْ.. وأهزوجةَ جنى..

هذه قصائدي.. تمسكُ رملَ الكرامةِ.. وتُسطِّرُ خط الشهادةِ في كتابِ الدمارْ

تمضي صُعُداً في عبابِ السماءْ

وتَستولِدُ مِن لحنِ قافيتِها لغةً سهلةً

تلمُّ بقايا ما تهافتَ من أصواتِ ألسنةِ حداد.. تزرعُها علَّها تعودُ إلى رُشْدِها..

يا لجلودِكم المنزوعةِ على عتباتِ الأمم.. تنتظرُ دورها في السلخِ يااااااااااااا…

ياااااااااه… آهٍ تخونُني في كلِّ مرةٍ هذي الكلماتْ..

فسيِّدُ المفرداتِ العظيمةِ يحدوني بيدِه العلويةِ الثباتْ..

لا.. لا.. لا تنبسوا بِبِنْتِ شفةٍ.. كي لا تخونوا الوطن والدماءْ..

حنانيكَ سيدي.. أنى لها أن تُوأدَ وسطَ زعيقِ الخيانةِ هذي البناتُ

هذه قصائدي.. هذه بِضْعُ الكلماتْ..

حينَ تَدهمُني بناتُ الشعرِ.. ويباغتُني دمارُ البلادْ..

سأخاطبُكِ بما لا يطالُ سقفَ عزَّتِكِ الشاهقِ نحو سماءٍ دونها السماءْ..

وسأعطيكَ بعضَ ما لا يقوى على فهمهِ الأعداءْ..

رُمانةَ روحي الملهوفةِ تتهادى في العراءْ

دمي الفائر في قعرِ الروحِ.. في صاروخِ البطولةِ وانهيارِ جسرِ الكرامةِ

قبيلَ هدمِ جسرِ العروبةِ بقرارْ..

عروبَتُنا.. عروبةُ ذي الفقارِ يلتمعُ فوق رقبةِ بنِ ودٍّ..

وثمَّةَ عروبةٌ هي بعضٌ من ملامحِ يافث ووِدْ..

عروبةٌ يأكلُ خيراتِها وحشُ الصَّغارِ

والعزُّ تداوَلَتْهُ الجيوشُ وباعتهُ الملوكُ في سوقِ العبيدْ..

وا سيِّداهُ.. هلاّ صَرَخْتَ يا سيدي.. نحبُّ هدوءَكَ.. نعشقُ حكمةَ صوتِكَ..

لكنْ.. هلا صرَخْتَ قليلاً.. لأجلِ هذه الضحيةِ المستباحةِ..

هلا غضِبْتَ كي نَشُمَّ أَريجَ الصرخةِ في شوارعِ المربَّعِ المستطيلْ..

وتُصعِّدَ شوارعُ الحارةِ قصائدَها.. مكتوبةً في دفاترِ الأطفالْ..

أيها الصابرُ الجليلُ.. حنانَيْكَ.. لكن..

أعجزُ عن تبريرِ ما أهذي به.. أعجزُ أمامَ ماردِ صبركَ الجليلْ..

‏ويا ضاحيةَ البأسِ الشديدِ.. رويدَ الدمعِ على بقاياكِ..

فسأُحدِّثُكِ بما كانَ قبلَ أن يكونْ..

تماماً كما حدَّثنا السيدُ العظيمُ عن النصرِ المبينْ..

قد كان هناكَ دمٌّ في وريدِ عماد.. وكانَ الوعدُ الصادقُ ينتظرُ الشبابْ..

دمُهم الممزوجُ بنهرِ الأدعيةِ والتمائمِ التي كتَبَتْها يدُ الملائك بزعفرانٍ مذابْ..

فار الدمُ من وهجِ الوريدْ.. تناثرَ رعداً بأرقامٍ قد لا تبيدْ..

ثم عادَ ذو الفقارِ بيدٍ من عزمِ خيبرَ ليخلع بابَ اليهودْ..

هكذا.. وبومضةِ برقٍ مستثارٍ من حلكةِ ليلٍ وأنّةِ وليدْ..

تزلزلتِ الأرضُ من تحتِ أقدامِهِم.. وكانَ وعدُ الردِّ الأكيدْ..

هكذا.. والفخارُ لكِ وحدكِ أيتُها المُتَلألئةُ كخاتم ماسٍ في يدِ العروسُ

يا أبيةً ما بَخُلَتْ يوماً على بنيها بأرجوانِها وهي تُخضِّبُ الأرضَ بالأحمرِ القاني

وتكتبُ قصائدَ فخارِنا في محيطِ دمارْ

السلامُ لصبركِ العالي.. لِروعَتِكِ.. وصلابتِكِ.. وحضورِكِ الجليلْ..

والأبياتُ… آهٍ لخيانةِ المفرداتِ لهوى القصائدِ وترادُفِ أسرابِ الأبيات..

حينَ لا أجِدُ مفردةً يحجمِ البهاءِ تخرجُ من وكرِ أبجديةٍ عصيةِ المفرداتْ..

آهٍ لعجزي الأبدِّي في حضرةِ المعجزاتْ..

آهٍ لخيبتي أنا أستجدي بقايا جملةٍ خرجتْ قبيلَ وقتها أن تعودَ من الشتاتْ

آهٍ للجملِ التي لا تَليقُ بهوى الترابِ الذي لا يرتضي من الشعرِ ببعضِ فُتاتْ..

آهٍ.. كم أفنيتُ عمري بجمعِ قصائدي المجهولةِ البحرِ كي أُريقَ دمها على العتباتْ..

آهٍ لعجزي عن صناعةِ مفردةٍ بحجمِ ضاحيةٍ تجترحُ المعجزات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *