ليس جميلاً سواكَ على مجمر الروح
(إلى سماحة السيّد حسن نصر الله)
بقلم غسان عبد الله
أخرجُ منك، لأعودَ إليك..
وأنا أهرولُ وراءَ غيمةٍ.. ثم أكتشفُ أنها صدىً للهاثِك..
أو نقاطاً على حروفِ الضبابِ ووحشةِ الأوراقِ عند غيابِك..
أنا منكَ.. وجهُكَ يهطُلُ غزيراً على جفافي..
أنا منكَ.. وأركضُ وراءَ النسيمِ الذي يهبُّ على وهَجِك..
أصفعُهُ.. أخافُ يخدشَ رقَّتَك ذات صباح..
وأعود إليك بعد عذاب.. لأرى كم تُشْبِهُ العشقَ الساكنَ عمقَ فؤادي..
وكم تُشْبِهُ في الغيابِ وَحشْةَ الرياح..
من الروحِ تأتي.. من الجوارحِ.. ومن قمرٍ صادرتْهُ الرياح فصارَ كأنشوطةٍ في دمي..
صار ساريةً لاقتناص الحروف..
فمن أين أبدأ؟؟ هل ما سأقولُ يرى فُسحةً للضياء؟؟..
ثمةَ ومضةُ نورٍ ترُّشُ على القلب نوَّارها..
هل يكفي الحُلُمُ لنجْعلَ من ريشةٍ في السحاب سفينةَ عشقٍ؟؟.. ومن ديمةٍ.. مرْبَعاً؟؟
هل السماءُ مزرعةُ الكلمات، نطيرُ إليها فتمسحُ دمعاً تجذَّر فينا؟؟
لا.. لكنَّ القلبَ الذي نحمِلُ به نبْضَنا..
والذي يخفِقُ لحظةَ أفراحنا ضِعْفَ خفْقِهِ شاهدٌ علينا..
شاهدٌ علينا كيف نَحسُّ.. كيف ننامُ.. وكيفَ نفكِّرُ حينَ يجيءُ إلينا المساء..
هو الطُّهرُ.. ظلُّ يدِنا على صدْرِنا.. هي الشمسُ لا تتوهجُ في البدءِ إلا على شروقِنا..
فمن سنى الشمسِ مُدَّ الجسورَ.. وهاتِ يديك.. شجونكَ.. والصبرَ..
هاتِ دعاءً ينقُلنا إليكَ.. وفي راحتينا شَغَفٌ من عطايا الفؤاد..
وفي النَّبْضِ تشتعِلُ الصلوات..
نجيءُ إليك يا حجَّةَ الطهرِ على العشقِ السّاكنِ في القلوب..
نرمِّمُ بعض الخراب.. ونرفعُ عشقَنا للسماء..
لعلَّ الصَّباحَ الذي انتظَرَتْهُ العيونُ طويلاً يجيء!!
وكلَّ صباحٍ وأنتَ بخير.. وأنت اشتعالٌ.. وأنت ابتداءٌ لفجرٍ جديد.. وعُرسٍ جديد..
فليس جميلاً سواكَ على مجمر الروح..
وحين تمرّ.. يشْتَعِلُ الجُلَّنارُ..
وحينَ تضيقُ البلادُ لتأخُذَ شكلَ الرَّصيفِ.. نفيءُ إليكَ.. ونسجُدُ للنعمة الدائمة..
أيُّ فرحٍ خبَّأهُ الزمانُ؟؟
وأيُّ همسةٍ اختصرت المدى كي تنام في امتداد الليالي؟؟
كبُرْنا.. ونَمَتْ ملامِحُنا على وجعِ انتظاركَ في مخاض الحنان..
فالتجأنا إلى الحلم كي نشْهَدَ فينا تفتُّحَ الحصى والياسمين..
ترى هل ستأتينا في آخرِ العمرِ.. غداً.. نجمةً للعشق؟..
غابةَ صفصافٍ تنتظر اشتعال الضفاف؟.. زهرةَ نارنجٍ لعبَقٍ تقمَّصَ المنام؟
لعينيك كان عمرُنا يزدهي.. نخبِّئ في أحلامنا الوردَ والقصائد..
ولنرجسِ يخرُجُ من بين الأصابع..
سنقرأ دفاترَ الشعرِ لفجرٍ سيطْلُعُ من مرايا عينيك..
آن لك.. أن تظهرَ من غيهبِ الدهرِ..
آن لك أن تخرُجَ من عباءةِ الليل.. وأن تعلِّقَ الوهمَ على شجرِ الصفصاف..
كي ترسُمَ اشتياقاً للندى.. ليمامةٍ غابت في المدى.. لتربةِ السجود تغمَّسُ برائحةِ المطر..
انهض سيدي من فوضانا وانثرْ ورودكَ على جدرانِ القرى..
سلسلةً من الصباحات والندى..
اقرأِ السلام على النائمين في آخر المدى.. وابدأِ بالصلاة..
أنت ماءٌ لصمت الصحاري ونميرٌ لحطامٍ الروح..
أنت للقلبِ المشرّدِ تكبيرةُ الوريد.. وأُنشودةُ الحياةْ
أنت امتدادٌ لظلِّ التوجُّهِ حين تُعيينا الجهاتْ..
وأنت ليبابِ هذا العمرِ غمامَ غوثٍ..
وأنتَ.. أنتَ.. سيّدُ الصّدقِ.. وسفينةُ النجاةْ.