محور “فيلادلفيا”.. العقدة العالقة في المفاوضات
بقلم زينب عدنان زراقط
بين أخذٍ وردّ، في مفاوضاتٍ عالِقة عِندَ عِقدة “فيلادلفيا” لأجل وقف إطلاق النار في “غزة” وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بحوزة “حماس”، أمريكا هي من يشدّ الحبل ويُرخيه، تُقرّب المنطقة صوب الحلّ تارةً وتارةً أُخرى تتنصّلُ منه…
خط فيلادلفيا هو اسم يُطلق على الحدود الأمنية التي تفصل بين قطاع غزة ومصر، والتي تم رسمها بموجب اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978 والاتفاقات اللاحقة. يمثل هذا الخط منطقة خاضعة للإدارة الإسرائيلية خلال فترة الاحتلال، وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في عام 2005، أصبحت هذه المنطقة نقطة حساسة في الصراع وأبقى الجيش الإسرائيلي سيطرته عليه لحد اليوم. فيما يُعدّ هذا الخط واحداً من العناصر الجغرافية والسياسية البارزة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وله تأثير كبير على الوضع في قطاع غزة، حيث تنعكس هذه الأهمية على جوانب عدة، بدءاً من الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، وصولاً إلى الأبعاد الأمنية والسياسية، والأهمّ من ذلك تلك العسكرية والعملياتية، فما هي؟.
تُطالب إسرائيل بالسيطرة على المنطقة الحدودية في المرحلة الأولى من الاتفاق، بينما قالت “حماس” إنه يجب على القوات الإسرائيلية الانسحاب، ذلك ما أشعل خلافاً بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت. من ثمَّ عدّل نتنياهو على مطالبه بعد لقاء رئيس الموساد ورئيس الشابك بمبعوث أمريكا إلى الشرق الأوسط، حتى وافق على إخلاء كيلو متر واحد من محور فيلادلفيا عن طريق البحر والاكتفاء بالحدّ الأدنى من المواقع، – أيّ مع الإبقاء على التواجد الإسرائيلي داخل المحور -.
أهمية محور فيلادلفيا
من الناحية الإنسانية والاقتصادية، تؤثر الرقابة الصارمة على خط فيلادلفيا على قطاع غزة بشكل مباشر. كما تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية فيه، حيث يتم التحكم في الحركة والتنقل للبضائع والأفراد عبر هذا الخط، ما يؤثر على قدرة غزة على الوصول إلى المواد الأساسية والخدمات الضرورية. أما بالنسبة للبعد الأمني فيعتبر خط فيلادلفيا منطقة ذات أهمية أمنية عالية، حيث تستخدمه إسرائيل كخط دفاعي لمراقبة وتحجيم التهديدات الأمنية. فقد شهدت المنطقة العديد من العمليات العسكرية والتوترات الأمنية والاشتباكات بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية.
أمّا من الناحية العسكرية والعملياتية، هنالك فجوة بين حقائق الميدان وبين نظريات رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” حول محور فيلادلفيا، التي يزعم الجيش الإسرائيلي فيها على وجود 150 فتحة على طول هذا الخط، 10 مسارات منها تتجه نحو الحدود المصرية، ولكن لم يتمّ العثور على أيّ نفق مفتوح من الجانب المصري – أي أنه لم يُعثر على أيّ نفق يمكن استخدامه – للتهريب أسفل محور فيلادلفيا على الرُغم من عمليات الجيش المُكثّفة بالمكان منذ عِدّة أشهر. وهذا ما أكّده المحلل العسكري البارز ألون بن دافيد، حول تقديرات الجيش الإسرائيلي على وصف هذا المحور بأنه أكبر مسار لتهريب الأسلحة لغزّة هو غير صحيح، والدليل يظهر من خلال أنّ أكثر من 80% من الأسلحة التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية، هي من تصنيع “حماس” الذاتي، فهي تصنع الـ RBG بجودة عالية وكذلك الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى وتصنع الرصاص لأسلحة الكلاشنكوف وغيرها من العتاد الذاتيّ الصُنع، وهكذا يُشكّل محور فيلادلفيا شيء ثانوي بالنسبة للمعضلة والخطر الأساس الكامن بالـ “التصنيع الذاتي”.
لذلك تؤثر السيطرة على خط فيلادلفيا بشكل كبير على حركة حماس التي تدير قطاع غزة. فيما تُعاني حماس من قيود كبيرة نتيجة للضغوط المفروضة على هذا الخط، ما يؤثر على قدرتها على إدارة القطاع وتلبية احتياجات السكان. بالإضافة إلى ذلك، تشكل هذه القيود أحد العوامل التي تساهم في تصعيد الصراع بين حماس وإسرائيل، حيث يتم استخدام هذه القيود كجزء من استراتيجيات سياسية وأمنية متبادلة. وتجدر الإشارة إلى أن تأثيرات خط فيلادلفيا لا تقتصر على غزة فقط، بل تتجاوزها إلى الأبعاد الإقليمية والدولية. فهو يلعب دوراً في العلاقات بين مصر وإسرائيل وفلسطين، ويؤثر على الاستقرار في المنطقة بشكل عام.
في هذا الصدد، يقول الكاتب “الإسرائيلي” تسافي بارئيل، إن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزراءه يعرفون أن السيطرة على محور فيلادلفيا لم تمنع هجمات فصائل المقاومة في الماضي ولن تمنعها مستقبلاً، وإن الاحتفاظ به لم يعد مجرّد جنون، بل هو الشر بعينه، وفقاً للكاتب. ويلفت بارئيل إلى أن الجيش والشاباك يقرّان بعدم أهمية هذا المحور الإستراتيجية، ومع ذلك فإن نتنياهو والكابينت يتمسكان به “كما لو أن الأمر يتعلق باستعادة الأرض الموعودة”، ضارباً المثل بالضفة الغربية حيث ينتشر الجيش الإسرائيلي لكن المستوطنين يشتكون قلة حمايتهم، وحيث يتدفق السلاح على فصائل المقاومة على الرغم من هذا الانتشار. فيما يُشدّد نتنياهو على أن حياة الأسرى باتت تتوقف على إخلاء المحور، إلاّ أنّه على العكس من ذلك تماماً، فهو يُحاول المبالغة في أهميته على حساب حياة بضع عشرات الأسرى، لأنه يعرف أنه بوابة أساسية لإعادة احتلال غزة الدائم، إذ لا يمكن السيطرة عليه تماماً دون إحكام القبضة على الطرق المؤدية إليه.
في الخلاصة، بناءً على ما سبق، فإن خط فيلادلفيا يمثل أحد العوامل الأساسية التي تؤثر على الوضع في قطاع غزة، ولديه تأثيرات بعيدة المدى على الأمن والاقتصاد والسياسة في المنطقة. وإن فَهم هذه الأبعاد يمكن أن يسهم في تقديم حلول أكثر فعالية للتحديات التي تواجهها غزة، ويعزز من الجهود المبذولة نحو تحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. فما الذي تُريده أمريكا بتمرير صفقة من المعلوم أنها مبتورة من أساسها -على أنه من المُستحيل أن توافق “حماس” على إبقاء التواجد الإسرائيلي ضمن حدود هذا المحور- في حين أنه بمُجرّد قبولها على بقاء الجيش الإسرائيلي في “رفح”، سوف تنزل “مصر” عند رغبة “واشنطن” كي لا تُحدث خلافاً مع الولايات المتحدة الأمريكية خلافاً لما أبدته من تجاوب مع حماس في الأسبوع الماضي وتسليمها للخرائط المُحدثة لتواجد الجيش الإسرائيلي!.