واشنطن وكييف تتهمان كوريا الشمالية بإرسال قوات للقتال إلى جانب روسيا.. موسكو وبيونغ يانغ تعززان تحالفهما
بقلم ابتسام الشامي
ما بعد مصادقة مجلس الاتحاد الروسي، على معاهدة دفاع مشترك مع كوريا الشمالية، تعزز الأخيرة علاقاتها الاستراتيجية مع جارتها، وفي ما تتخذ واشنطن من الاتفاقية ذريعة لتصعيد الضغوط على موسكو..
تبدي كييف مخاوفها من التأثيرات العملية لهذه الاتفاقية في ميدان المواجهة الساخنة، لاسيما في ضوء الحديث عن أن مشاركة قوات عسكرية من كوريا الشمالية القتال إلى جانب روسيا ضد القوات الأوكرانية باتت وشيكة.
اتفاقية الدفاع المشترك
بعد أشهر قليلة على توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأحرف الأولى معاهدة دفاع مشترك مع كوريا الشمالية، سلكت الاتفاقية مسارها القانوني في المؤسسات الرسمية الروسية. وبعد أسبوعين من تصويت مجلس النواب لمصلحة الاتفاقية، صوّت المجلس الأعلى في البرلمان بكامل أعضائه عليها، في ما يعكس قناعة روسية جماعية في التقارب مع كوريا الشمالية، في وقت تسارع فيه موسكو إلى تحسين موقعها الميداني، على مسافة قريبة من دخول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب البيت الأبيض، ومعه وعده بإنهاء الحرب في أوكرانيا.
الاتفاقية الاستراتيجية التي وُقِّعت لدى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية في شهر حزيران الماضي، نصّت بشكل صريح على تبادل تقديم الدولتين المساعدة العسكرية، في حال “وجد أحد الأطراف نفسه في حالة حرب، بسبب هجوم مسلح من قِبَل دولة أو أكثر…حيث يستخدم الجانب الآخر على الفور كل السبل المتاحة لتقديم المساعدة العسكرية وغيرها من المساعدات، وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة – في إشارة إلى حق كل دولة عضو في اتخاذ إجراءات للدفاع عن النفس بشكل فردي أو جماعي – وقوانين كل من البلدين”.
وإلى المساعدة العسكرية المتبادلة، نصت الاتفاقية على التعاون في مجالات مختلفة منها الطاقة النووية واستكشاف الفضاء والأمن الغذائي والطاقة، إضافة إلى التزام طرفيها بعدم التوقيع على أي معاهدة مع دولة ثالثة تنتهك مصالح الطرف الآخر، وألا يسمح أي منهما باستخدام أراضيه من قبل أي دولة للإضرار بأمن وسيادة الآخر.
وبحسب الاتفاقية، يتّخذ البلدان خطوات لإعداد تدابير مشتركة وأغراض تعزيز قدراتهما الدفاعية من أجل تجنب الحرب وحماية السلام والأمن الإقليميين والعالميين. أما على المستوى السياسي فإن الاتفاقية بين روسيا وكوريا الشمالية نصت على التعاون الجاد في الجهود الرامية إلى إقامة “نظام عالمي جديد عادل ومتعدد الأقطاب”.
تأكيدات أمريكية حول مشاركة قوات من كوريا الشمالية
اتفاقية التعاون المشترك التي اعتبرت نقلة نوعية في مستوى علاقات البلدين، وحسماً لتموضع روسيا في مقاربة المسألة الكورية إلى جانب حليفتها الجديدة، كانت قد تلقّت هجوماً مباشراً من أمريكا وحلفائها الإقليميّين لاسيما كوريا الجنوبية، التي أبدت مخاوفها من التأثيرات المباشرة لها في الميدان، في ظل الوقائع الميدانية الدالة على تراجع القوات الأوكرانية في أجزاء مهمة على طول الجبهة، والحديث عن وصول طلائع من القوات الكورية الشمالية إلى روسيا للمشاركة في المعارك الجارية لاسيما في المناطق الحدودية التي تعتبر استراتيجية بالنسبة لموسكو، ما يعني تسريع مسار انجازاتها العسكرية.
وفي هذا السياق كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أكدت، نهاية تشرين الأول الماضي، أنها تتوقع انخراط الجنود الكوريين الشماليين في المعارك إلى جانب روسيا، خلال الأيام المقبلة. وصرح في حينه وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن روسيا تعتزم “استخدام هذه القوات في عمليات على الخطوط الأمامية”.
وتعليقاً على هذه المعطيات شدّد الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن مساعدة كوريا الشمالية لروسيا في حربها على أوكرانيا “خطيرة للغاية”، جاء ذلك في أعقاب تأكيد البنتاغون إرسال كوريا الشمالية نحو 10 آلاف جندي لتلقي التدريب في روسيا. بدوره تحدث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن وجود أدلة على أن كوريا الشمالية أرسلت قوات إلى روسيا، واصفاً هذه الخطوة بأنها “قضية خطيرة للغاية”، محذراً من العواقب المحتملة لمثل هذه الخطوة.
أما كييف، وفي إطار التعبير عن مخاوفها من هذا التطور، فقد أكد رئيسها فولوديمير زيلينسكي، “أن 11 ألف جندي كوري شمالي باتوا موجودين في منطقة كورسك الروسية”. على أن مخاوف أوكرانيا، التي تدعي نقصاً في العدد والعتاد والعسكري لتبرير تراجعها أمام التقدم الروسي في عدد من المناطق الحساسة في مختلف الجبهات، لا تقف عند هذا الحد، أي انخراط كوريا الشمالية في القتال إلى جانب روسيا، وإنما تتعداها إلى جبهة حلفائها ومدى تماسكها خلفها في ظل تراجعها الميداني، ووصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الابيض، لاسيما وأن الأخير تعهد في حملته الانتخابية، وقف الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. وهذا التعهد تستشعر فيه كييف تراجعا في المساعدات العسكرية، من جهة وإجبارها، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع موسكو، ويد الأخيرة العسكرية عليا، ما يعني اختلالاً في الميزان السياسي لمصلحتها.
تصعيد الموقف ضد روسيا
وعلى الرغم من نفي موسكو بشكل قاطع مشاركة الكوريين الشماليين في الحرب مع أوكرانيا، ووصف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، هذه المعلومات بأنها “كذبة إعلامية أخرى”، إلا أن مستوى المخاوف الأوكرانية وكذلك الأمريكية المعبّر عنها من تطور العلاقات الروسية مع كوريا الشمالية، كان قد تعزّز مع زيارة وزيرة خارجية الأخيرة إلى موسكو “تشوي سون هوي” ولقائها عدداً من المسؤولين الروس في مقدمهم الرئيس بوتين، حيث وعدت مضيفيها بأن بلادها “ستبقى إلى جانب شريكتها موسكو حتى يوم النصر في أوكرانيا”.
بدوره جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التأكيد على أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية أرست الأساس لتعميق العلاقات في جميع المجالات. مشيراً في مستهل محادثاته مع نظيرته الكورية الشمالية، إلى أن الاتفاقية المذكورة تهدف لتعزيز استقرار في المنطقة الأوراسية. ونوّه بأن العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ، وصلت إلى مستوى عال غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية بفضل جهود زعيمي الدولتين فلاديمير بوتين وكيم جونغ.
الحديث عن مشاركة قوات كورية شمالية إلى جانب القوات الروسية في القتال في أوكرانيا، تتّخذ منه واشنطن وكييف ذريعة لتغيير قواعد اللعبة في إطار الحرب الجارية، بما يسمح بدخول لاعبين جدد بشكل مباشر. وهو ما دلت عليه مسارعة كوريا الجنوبية للإعلان أنها “تدرس إمكان إرسال أسلحة مباشرة إلى أوكرانيا”، بعدما كانت تعارض ذلك في إطار سياسة اعتمدتها منذ زمن طويل، تمتنع بموجبها من توريد الأسلحة إلى الدول التي تخوض حرباً.
وفي سياق متصل، انتقد الرئيسان الكوري الجنوبي، يون سوك يول، والأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، التعاون بين موسكو وبيونغ يانغ في المجال العسكري، و”أدانا بأشد العبارات التعاون العسكري غير الشرعي بين كوريا الشمالية وروسيا، بما في ذلك نقل الأسلحة ونشر القوات، واتفقا على مواصلة المشاورات الاستراتيجية من أجل رد مشترك”، بحسب بيان مشترك صدر عنهما.
إلى ذلك نقل تقرير لموقع “نيوز بيم” الكوري الجنوبي، عن مسؤول استخباراتي قوله، إن حكومة سول ” تدرس خطة لإرسال أفراد، بينهم ضباط مخابرات وخبراء في تكتيكات العدو لمساعدة أوكرانيا في استجواب السجناء الكوريين الشماليين وتزويدها بمعلومات حول مبادئ عمل الوحدات الكورية الشمالية، وعلى معنويات الجنود وغيرها”.
ووفقاً للموقع ذاته، سيشارك المتخصصون من كوريا الجنوبية في العمل كذلك كمترجمين في حالة أسر جنود كوريين شماليين يشاركون في الحرب في أوكرانيا، لكنه أوضح أنه لم يتقرر بعد إذا ما كان سيجري الإعلان رسمياً عن ذلك، وأن القرار يعتمد على موقف القيادة السياسية في أوكرانيا وكوريا الجنوبية.
خاتمة
التأكيدات الأمريكية والأوكرانية حول وجود قوات عسكرية كورية شمالية في روسيا لمشاركتها القتال، نفاها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، مشيراً إلى عدم وجود أدلة واضحة عليها، لكن الإصرار الغربي على نشر هذه المعلومات والتعامل معها بوصفها حقائق قطعية، يشير إلى وجود نية في تصعيد الموقف ضد روسيا وكوريا الشمالية معاً، من جهة واتخاذ ذلك ذريعة للدفع بقوات عسكرية غربية إلى الميدان في أوكرانيا، علماً أن تطوراً من هذا النوع يعني تدويلاً واسعاً للنزاع، وتوسيع جبهة المنخرطين في الحرب ضد روسيا.