الشِّعرُ مائدتي.. فكَيْفَ تكاثر الشعر في زمن الغبار؟!
بقلم غسان عبد الله
مُلْقى أنا والأرضُ هَاوِيَةٌ على قلقي
كأنَّ اللَّيْلَ تَحْتي صَخْرَةٌ والرِّيحُ جَاثِيَةٌ على جَنْبَيَّ
ما انْطَفَأَتْ وما اشْتَعَلَتْ سوى لُجَجِ الْعِتَابْ..
مِنْ ها هُنا مرُّوا.. وما مَرَّت خُيُولُهُمُ وما حَضَرُوا وما ذَهَبُوا..
وما سَمِعُوا سوى صَوْتِ العتابْ..
مُلْقى أنا والشِّعْرُ قافيةٌ تَرَنَّحُ فوقَ أَصْدَاءِ الْغِيَابْ..
من ها هُنا مَرُّوا وما سَأَلَتْ عن اللَّيْلِ الطوِيلِ قُلُوبُهُمْ
من ها هُنا مَرَّتْ بلا حُلْمٍ قَصَائِدُهُمْ
بلا نبضٍ سوى نَبْضِ السَّرَابْ..
سَرَقُوا قميصِي.. عَلَّقُوا تَرْنِيمَتِي أيْقُونَةً
بَاعُوا دمي بِدَرَاهِمِي.. بِدَرَاهِمِي باعُوا قَصيدِي.. نَخْوَتي.. نَهَبُوا جِرَارِي..
صَالَحُوا الرُّومَ الْغَطَارِسَ واحْتَمَوْا تحتَ السُّرَادِقِ والبيارقِ والرِّغَابْ.
مَالُوا إلى أَهْوَائِهِمْ فَتَنَابَذُوا وَمَضَوْا إلى أَوكارِهِمْ فَتَصَايَحُوا وَتَصَالَحُوا وتَسَامَحُوا
من ها هُنا مَرَّتْ وما مَرَّتْ خُيُولُهُمُ
وما مَرَّتْ سُيُوفُهُمُ وما مَرَّتْ عَزَائِمُهُمْ
سِوَى سَفَرٍ إلى بَلَدِ الكبارِ تَعَلَّمُوا وَتَعَلَّمُوا لَثْمَ الأيادي والثِّيَابْ..
ذَهَبُوا وجاؤُوا ثمَّ جاؤوا في ذهَابْ
شَادُوا على الْبَحْرِ الخفيفِ قُصُورَهُمْ.. زَبَداً.. رمَالاً..
دَاهَمُونِي عَسْكراً فوق التُّرَابِ
وَعَسْكَراً تَحْتَ التُّرَابْ..
الشِّعْرُ مَائِدَتِي.. ومائدتي لِكُلِّ مُهَاجِرٍ ومُغَامِرٍ ومُسَافِرٍ
لِدَلِيلِهِمْ لِسُيُوفِهِمْ ونِبَالِهِمْ لِجيَادِهِمْ ورِجَالِهِمْ لِرِمَاحِهِمْ..
لِمَرَاكِبٍ لِمَرَافِئٍ شَجَريَّةٍ لِقَصِيدةٍ بَحْريَّةٍ تَسْتَلْهِمُ الْعَبَقَ الْغَرِيقْ..
الشِّعرُ مائدتي.. فكَيْفَ تكاثر الشعر في زمن الغبار؟!
تحلقوا في رقصةٍ مجنونةٍ حولي..
وكيف تكاثرتْ أبياتُهُمْ وقريضُهُمْ وَرُواتُهُمْ
وأنا المُكَلَّفُ بالرُّؤَى وأنا الْمُدَجَّجُ بالحريقْ..!؟؟
الشِّعرُ مائدتي.. فكيفَ تَضَعْضَعَ الشُّعرَاءُ تحتَ قصيدتي
فَتَعَلَّقوا بِرُواتِهِمْ وَتَخَاصَمُوا وَتَصَايَحُوا..!؟؟
لكِنَّهُمْ سَقَطُوا على أبْوابِهَا صَرْعَى القوافي والْهَوَى
الشِّعْرُ مائدتي وَلَيْسَ لَهُمْ سوى اللَّغَطِ المُرَابِطِ فَوْقَ أَسْوارِ الطَّرِيقْ..
فإذا انْتَفَضْتُ قَصِيدَةً
فأنا الطريقُ إلى الشَّذَا وأنا الطريقُ إلى الرُّؤَى وأنا الطريقُ.