إلى صديقي المرابط على ثغور المقاومة الإسلامية
بقلم غسان عبد الله
في يومٍ كهذا.. قبل أربعةٍ وعشرين عاماً وقصيدة.. على رصيفِ انتظارٍ باردٍ.. التقينا وأكثر من مرّةٍ.. تقاطعتْ خطواتُنا على الرصيفِ عندَ البيادرِ الجذلى.. لم يأتِ الملاكُ الذي كنتَ تنتظر.. لم يأتِ الحبيبُ الذي كنت أنتظر!!.. قالت عيناكَ بضراعةٍ: – كن هو.. قالت عيناي بابتهال حائر: – وكن أنتَ هو!.. وفي منتصف العمرِ التقينا تعانقتْ أصابعُنا بقوةٍ كما لو كانت تنتظرُ هذا العناقَ منذ ألفِ سنة.
في إغماضةٍ حميمةٍ خبّأتُ اسمَكَ وعلى خفقةٍ من القلبِ منَحْتَني أحلى تعاويذِكَ.. ومضيتَ وجَعْبَتُكَ تنضحُ بنورِ ملاكك الذي تنتظر.. في يومٍ كهذا.. قبلَ أربعةٍ وعشرين عاماً وقصيدة.. وعلى رصيفِ رحيلٍ ساخنٍ التقينا: قالت عيناي: لا ترحلْ.. قالت عيناك: “سأذكرُك.. كثيراً”.. ودَّعْتُكَ.. ومضيتَ.. وفي الرحيلِ المسافرِ نحو الشوقِ الأخيرِ وجدتُكَ بانتظاري.. ووجدتني أجلس قُربَكَ.. ها هنا عند أطرافِ بنتِ جبيل من جهةِ صفِّ الهوى حيثُ الهوى.. ابتسمنا معاً… وأَشعلْنا قرانا بأفراحِ الخلقِ من جديد.. وفي محطةِ الربيع القادم كان أحدُنا ينتظرُ على البيادرِ من صفِّ الهوى.. وكان الآخرُ يبحثُ عن ساعدٍ قويٍّ يوسِّدُهُ رأسَهُ المتعبَ في ليالي الثلج والزمهرير القادمة.
الرياحُ الباردةُ تمزِّق صمتَ ليلِ تشرين.. تؤنسُ الأشجارَ.. وتسامرُ الأحجارَ التي تسهرُ بانتظارِ أمنيةٍ عاشتْ بصدرٍ متلهِّفٍ للقيا.. والعصافيرُ التي أغفت ملتحفةً ببقايا الزقزقات.. بارَحتْ أعشاشها لتنامَ لُحيظةً في حناياكْ.. كنتُ أكسرُ وقتَها صمتَ المرايا حين على ظلالها يرتسِمُ وجهي شاحباً متعباً حتى الانحناء أمام هيمنةِ الذكريات!.. أسألكُ عنكَ.. تسألُني عني.. ومعاً نسألُ عنا المعابرِ والبيادرِ والأزقّةَ والمدى.. وعن ظلَّيْنا القديمَيْن المتَّحدَيْنِ على مرايا الجنوبِ حتى رفيفِ الينابيع.
أرتديكَ نوراً جميلاً أوزّعُ نصفَهُ على الأصدقاء.. ترتديني قميصاً من سوسنٍ جبليٍّ تنشرُهُ أمام وجهٍ فريدٍ مضيءٍ يلقيهِ قمرٌ عابرٌ روحَكَ على بيادرِنا الخضراء.. تحتفي به لفرحٍ واحدٍ.. ثم تغيبُ خلفَ ركبِ المهاجرينَ إلى الفردوسِ في قصيدةِ الرصاصِ الأخيرة.. وتعود إليّ مغسولاً بالكوثرِ.. تقرأ لي حواديتِكَ ليلاً وأنا كطفلٍ أريدُ المزيدْ.. والله يفعلُ ما يريدْ..
تعودُ مرَّةً كلَّ ربيعٍ لتتحدث عن عينين متعبتين وإكليلِ وجدٍ غارَ في كبدِ الأرضِ عطشاً لغيثٍ سوف يجيء.. تضعُ رأسَكَ على راحةِ قلبي إضمامةَ عطرٍ تنثُرُها ثم أبكي ضياعَها حين تأبى المكوثَ كي لا تفقدَ الحياةَ كونَكَ وحدَكَ القادرُ على إعطائها وهَجَ العطرِ.. وألقَ الحياةْ.
