سوريا في مواجهة أعدائها: الإرهاب وأردوغان و”إسرائيل” وأمريكا
بقلم توفيق المديني
ما أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين العدو الأمريكي – الصهيوني وحزب الله في لبنان قبل أسبوع حيز التنفيذ، ودخول حرب غزَّة مراحلها الأخيرة، حتى تفجر الصراع المسلح في الشمال السوري، من خلال شنِّ الجماعات الإرهابية متمثلة بـ “هيئة تحرير الشام” وأخواتها عدواناً جديداً على مدينة حلب ذات الأهمية الاستراتيجية، سياسياً واقتصادياً وجغرافياً.
مما يثير تساؤلات حول تنسيق هذه التنظيمات المتطرفة مع مشغليها من حيث توقيت هذا العدوان الذي شكّل مفاجأة من العيار الثقيل فاقت في وقعها كل الحسابات، محلياً وإقليمياً ودولياً، وأعاد خلط الأوراق في الأزمة السورية، التي تشهد جموداً منذ عدة سنوات.
وبذلك، باتت مدينة حلب تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية ما خلا حيي الأشرفية والشيخ مقصود، اللذين ما زالا تحت سيطرة “وحدات حماية الشعب” الكردية، وأصبحت المدينة للمرَّة الأولى خارج سيطرة قوات الدولة الوطنية السورية منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 2011. كما أعلنت هذه التنظيمات الإرهابية السيطرة على الطريق الدولي حلب – حماة، وذلك بعد سيطرتها على طريق حلب – خناصر جنوبي حلب، وكذلك على المدينة الصناعية في الشيخ النجار، شرقي مدينة حلب، وعلى جبل عزان الاستراتيجي في ريف حلب الجنوبي، وبذلك بات الطريق مفتوحاً أمام هذه الفصائل باتجاه البادية السورية.
ويوم الأحد1 ديسمبر2024، بدأ ما يسمى “الجيش الوطني السوري”، وهو تجمع من الفصائل المحلية المدعومة من تركيا، عملية عسكرية أخرى تحت مسمى “فجر الحرية” ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” و”وحدات حماية الشعب” الكردية، ما أدى إلى بسط سيطرتها على مدينة تل رفعت وقرى وبلدات في ريف حلب الشرقي. وتل رفعت في الأساس مدينة ذات غالبية عربية، لكن بعد شنّ تركيا والفصائل الموالية لها هجوماً على منطقة عفرين عام 2018، ثم سيطرتها عليها، تدفّقت عشرات آلاف العائلات الكردية إليها. وتقع تل رفعت في جيب يسيطر عليه المقاتلون الأكراد في ريف حلب الشمالي، ويقدّر الخبراء وجود أكثر من مئتي ألف كردي محاصرين فيها حاليا من الفصائل السورية الموالية لأنقرة.
الأطراف الدولية والإقليمية الضالعة في هذا العدوان الإرهابي
لا يمكن استيعاب هذا العدوان الإرهابي على سوريا، إلا في ارتباطه الوثيق، مع التحولات الجيو/استراتيجية الجارية في الشرق الأوسط ككل. وذلك على خلفية الواقع الجديد الذي تشكّل على مدار أكثر من عام من خلال حرب الإبادة الجماعية في غزّة ثم في لبنان. إضافة إلى الحرب الروسية في أوكرانيا التي تواجه فيها الحلف الأطلسي، والمستجدات العالمية وأهمها عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وجه الارتباط، أن الساحة السورية هي الأكثر تهيؤاً وقابلية لفرض إرادة أي طرفٍ وإحداث واقع جديد، أو تثبيت الواقع الراهن. بعد أن أصبحت نقطة تمركز سياسي وعسكري لكلّ من تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، فضلاً عن التنظيمات الإرهابية.
يأتي هذا العدوان الجديد على الدولة الوطنية السورية من جانب القوى الإرهابية والتكفيرية في ظل دعم كبير من معسكر أعداء سوريا لها: تركيا والكيان الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا وقطر، وهي التي أجَّجت مختلف أشكال الصراعات الطائفية والمذهبية من أجل الإطاحة بالدولة الوطنية السورية، وتقسيمها إلى دويلات قائمة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، عقب “موجة انتفاضات الربيع العربي” في عام 2011. وكان هذا المخطط يستدف إضعاف إيران ولمصلحة “إسرائيل” بالكامل للتخلص من إيران؛ لأنَّ تل ابيب تعتبر إيران التهديد النهائي لها في المنطقة.
قال المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي اي”، لاري جونسون، إن” أمريكا وبريطانيا وإسرائيل تقف وراء هجوم الإرهابيين في سوريا بالتعاون الكامل مع تركيا لإضعاف إيران”. وتابع مضيفاً: من وجهة نظري، ما يحدث هو أن أمريكا وبريطانيا شنتا هذا الهجوم بالتعاون الكامل مع تركيا، وتزامن ذلك مع وقف إطلاق النار بين لبنان و”إسرائيل”. والهدف من هذا الضغط هو الاحاطة بحكومة بشار الأسد.
وقال جونسون إن سوريا كانت قد خططت لبناء خطي أنابيب للنفط من إيران إلى العراق ثم إلى سوريا، لتصدير النفط من المحطات السورية إلى جميع انحاء العالم.. لكن الغرب لا يمكنه قبول شيء كهذا، ولهذا السبب هو بصدد الإطاحة بحكومة بشار الأسد والمجيء بحاكم عميل للغرب.
وكشفت صحيفة كييف بوست الأوكرانية عن تورط أجهزة الاستخبارات الأوكرانية في الهجوم الإرهابي على محافظتي حلب وإدلب في الشمال السوري من خلال تدريب مجموعات إرهابية لتنفيذ الهجمات. وأشارت الصحيفة إلى أن مستشاري القوات الخاصة الأوكرانية يقدمون الدعم للهجوم الإرهابي الحالي على شمال سوريا، معتبرة أن ذلك جزء من خطة نظام كييف لاستهداف القوات الروسية في الخارج أيضاً.
فقد كثفت القوى الإرهابية والتكفيرية من استخدام الطائرات المسيرة في محاولة لاستهداف خطوط الجيش السوري والتعزيزات الوافدة لصالحها، حول جبل زين العابدين الاستراتيجي، والذي يشكل بوابة حماة، ويشرف على مناطق تمتد حتى ريف حمص. ويأتي ذلك في محاولة لتكرار تجربة سابقة نفذها تنظيم “جند الأقصى” قبل نحو 9 أعوام، انتهت باستعادة الجيش السوري الجبل، وتأمين المحافظة، قبل بدء عملية عسكرية حصرت المسلحين في إدلب، لتتوقف الاشتباكات إثر ذلك؛ مع التوقيع على الاتفاق الروسي التركي في 5 مارس/آذار 2020 لوقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سوريا، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، وهو بمنزلة المُلحق باتفاق سوتشي، حول “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، إذ ينصُّ على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر اتفاقية “خفض التصعيد” بين تركيا وروسيا، ضمن مسار “أستانا” الذي تلعب فيه الدولتان، إلى جانب إيران، دور الضامن.
وقد خلق هذا العدوان الإرهابي أزمة في العلاقات الروسية التركية، والتركية الإيرانية، وأضر بالتفاهمات القائمة بين الدول الثلاث حول سوريا، والخاصة ببقاء الوضع الميداني على الصيغة التي استقر عليها بعد معارك عام 2020، التي سيطر فيها الجيش العربي السوري والقوى الحليفة على مساحات كبيرة من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، خصوصاً مدن معرة النعمان وخان شيخون وسراقب.
تصدي الجيش العربي السوري للإرهابيين
من الواضح أنَّ تقدم الفصائل الإرهابية بدا بطيئاً في حماة قياساً بما كان عليه في حلب وريف إدلب الجنوبي والشرقي، وربما يعود ذلك للإسناد الخلفي للجيش العربي السوري من الجنوب، أي عمق محافظة حماة وحمص وبعدها دمشق، الذي يظهر أنَّ إيران لا تريد خسارة مواقع هامة تسيطر عليها في محافظة حماة، ولا سيما في مصياف حيث مركز البحوث وتصنيع الصواريخ، وكذلك جبل زين العابدين الذي يُعَدُّ قاعدة كبيرة لقوات الحرس الثوري شمالي المحافظة، بالإضافة إلى مطار حماة العسكري الذي يؤمن الكثير من الإسناد الجوي وإدارة العمليات العسكرية.
وتقول مصادر ميدانية من قلب مدينة حماة بأنَّ وحدات الجيش العربي السوري تواصل عملياتها العسكرية في استهداف مواقع ومحاور تحركات الجماعات الإرهابية بريف حماة الشمالي وتمكنت من دحر الارهابيين بعيداً عن محيط مدينة حماة بمسافة تصل إلى 20 كيلومتراً، مع القضاء على أعداد منهم وتدمير آلياتهم.
وتستمر القوات السورية، بدعم جوي روسي مكثف، استهداف مواقع ومحاور تحركات “جبهة النصرة” في ريف حماة الشمالي وصد محاولات الجماعات الإرهابية المسلحة التي تسعى للسيطرة على مواقع استراتيجية. وتقدم الإرهابيون إلى مسافة يبعد 7 كيلومترات عن حماة، وسط مخاوف من دخولهم بعض الأحياء في أطراف المدينة.
ونفذ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 100 غارة جوية منذ مساء أمس على مواقع الارهابيين في ريفي حماة وإدلب. وقالت: مصادر ميدانية من قلب مدينة حماة ان عدد المسلحين القتلى هذا الأسبوع يتجاوز 1600 من جبهة النصرة وباقي تنظيماتها.
الموقف الروسي من العدوان على سوريا
في تطور سياسي يمكن اعتباره الأبرز، أَكَّدَ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، دعم موسكو للسلطات السورية في استعادة سيطرتها، مشدِّداً على ضرورة وقف هذه الهجمات بالسرعة القصوى. وبحسب بيان للكرملين، أكَّدَ بوتين خلال الاتصال الذي جرى بمبادرة من الجانب التركي، “ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإرهابي ضد الدولة السورية من قبل الجماعات المتطرفة، والدعم الشامل لجهود السلطات الشرعية لاستعادة الاستقرار والنظام الدستوري على كامل أراضي البلاد، وخصوصاً مع استخدام أنقرة لإمكانياتها المتوفرة في المنطقة”. وأشار البيان إلى أنَّ “الرئيسين أعربا عن تأييدهما لتعزيز التعامل ضمن الإطار الثنائي وفي إطار عملية أستانا على حد سواء. وتمت الإشارة إلى الأهمية الرئيسة لمواصلة التنسيق الوثيق بين روسيا وتركيا وإيران في ما يتعلق بتطبيع الأوضاع في سوريا”.
وأعلنت تركيا، بدورها، عبر بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أنَّ أردوغان “أكَّد دعم بلاده لوحدة الأراضي السورية وبذلها جهوداً للتوصل إلى حل عادل ودائم في سوريا، داعياً إلى فتح مساحة أكبر للدبلوماسية في المنطقة، وضرورة انخراط الحكومة السورية في عملية الحل السياسي في هذه المرحلة”. كما ذكر البيان أنَّ الرئيس التركي أكَّد لنظيره الروسي استمرار العمل على مكافحة “الإرهاب”، في إشارة إلى “قوات سوريا الديموقراطية” الكردية، والتي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب “العمال الكردستاني”(PKK) المصنف على لوائح الإرهاب التركية.
انتقاد إيراني حاد لتركيا بعد لقاء فيدان بعراقجي
تعكس التداعيات المتسارعة للعدوان الإرهابي على سوريا بداية شرخ كبير في العلاقات التركية – الإيرانية، تُفَسِّرُهُ زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى أنقرة يوم الإثنين 2 ديسمبر 2024، قادماً من دمشق، حيث التقى بوزير الخارجية التركي حاقان فيدان، إذْ اعتبر عراقجي أنَّ العدوان العسكري الذي شنته الفصائل الإرهابية والتكفيرية السورية ضد سوريا هو “خطة أمريكية صهيونية بعد هزيمة النظام الصهيوني في لبنان وفلسطين”.
وقد أعلنت السلطات السياسية والعسكرية في الجمهورية الإسلامية، بالإجماع، “دعم إيران الكامل” لسوريا، في مواجهة الجماعات المسلّحة المتطرفة. وشدّد مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، على أنّ “على أمريكا، الصهاينة، والدول الإقليمية – سواء كانت عربية أو غير عربية – أن يعلموا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواصل دعمها المطلق للحكومة السورية حتى النهاية”. وفي حوار خاص أجراه، يوم الثلاثاء 3 ديسمبر 2024، مع وكالة “تسنيم” القريبة من “الحرس الثوري”، قال ولايتي: “اليوم، عدد حلفاء سوريا أكبر من عام 2011 (بداية الحرب في سوريا). فإلى جانب إيران، هناك روسيا، وحزب الله اللبناني – الذي أصبح أقوى من أيّ وقت مضى -، والحشد الشعبي العراقي – الذي يُعدّ قوّة مدهشة -، والحوثيون الأبطال في اليمن، والأعزّاء الفلسطينيون. جميعهم متّحدون في دعم وحدة أراضي سوريا وحكومتها الحالية”. وردّاً على سؤال حول دور تركيا في هذه المعركة، أشار وزير الخارجية الإيراني الأسبق، إلى أنَّ “تركيا أصبحت، للأسف، أداةً في يد أمريكا والكيان الصهيوني… لم نتوقّع أن تقع تركيا، التي لديها تاريخ طويل في الإسلام، في الفخّ الذي أعدّته لها أميركا والصهاينة”.
وهذه هي المرّة الأولى التي يتّهم فيها مسؤول إيراني، تركيا علناً بالتورّط في الأحداث الأخيرة في سوريا؛ وفي الأيام الأخيرة، وصف مسؤولون إيرانيون تحرّكات الجماعات المسلحة في سوريا بأنها “خطة أمريكية – صهيونية” لمهاجمة المقاومة، لكنّ وسائل إعلام إيرانية مختلفة نشرت، في الأيام الأخيرة، مقالات تنتقد فيها سياسات تركيا في دعم الجماعات المسلحة، وتتّهمها، بالتعاون مع إسرائيل، بإضعاف الحكومة السورية.
الموقف الصهيوني
في غضون ذلك، يتابع الكيان الصهيوني عن كثب التطورات في سوريا، فحسابات نتنياهو في فلسطين ولبنان لن تتحقَّق، إن لم يأخذ سوريا أو يضعفها. والعكس صحيح. لذا، يدعم الكيان الصهيوني التنظيمات الإرهابية من جديد في الشمال السوري، وكذلك في جنوب سوريا لفتح جبهة جديدة من قبل الفصائل المعارضة للرئيس بشار الأسد. فيتم تسخّين جبهة درعا من جديد. ونتنياهو الذي لم يربح في لبنان، يريد إنهاء سوريا ومن ثم العودة لضرب لبنان. ولذلك يجب قراءة ما يجري في سوريا بناءً على مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهذا ما قاله الرئيس بشار الأسد، بأنَّ العدوان الإرهابي، وهو الأوسع منذ أعوام، وهو محاولة “لإعادة رسم خريطة” المنطقة.
وأفادت صحيفة هآرتس العبرية منذ عدَّة أيامٍ بأنَّ “إسرائيل” قلقة بالأساس، من دخول قوات إيرانية كبيرة إلى سوريا لمساعدة الأسد في تثبيت حكمه، لكنَّها تخشى بالمقابل ممن قد يخلفونه في حال انهيار حكمه. كما قالت هيئة البث الصهيونية نقلاً عن مصادر مخابراتية غربية لم تسمها أنَّ “حزب الله قام بتحويل بعض من قواته من لبنان إلى سوريا لحماية منشآته فيها”. من جهة أخرى نقلت الهيئة عن مسؤولين أمنيين صهاينة لم تسمهم أنَّ “الأحداث (في سوريا) يمكن أن تساعد على المدى القصير في إحلال الهدوء على الحدود الشمالية (لبنان)، لأنَّ اهتمام حزب الله يتحول إلى سوريا”. في المقابل، نقلت وكالة رويترز عن “ثلاثة مصادر مطلعة على تفكير حزب الله” أنَّه لا ينوي حالياً إرسال مقاتلين إلى شمال سوريا لدعم الأسد.
التهيئة للهجوم المضاد لتحرير الشمال السوري المحتل
منذ بداية العدوان الإرهابي، بدأتْ الدولة الوطنية السورية في التهيئة العسكرية واللوجستية في التحضير للهجوم المضاد من أجل دحر الإرهابيين، وتحرير محافظتي حلب وإدلب. والجيش العربي السوري بمؤازرة القوى الروسية الصديقة والقوى الحليفة قادرٌ على استعادة مدينة حلب وإدلب، وإنْ كان هذا سيكلف مجدَّداً الكثير من الأرواح. وهذا ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد؛ إنّ سوريا قادرة بمساعدة حلفائها على “دحر الإرهابيين مهما اشتدّت هجماتهم”. على الرغم من أنَّ حليفتي سوريا إيران وروسيا صارتا ضعيفتين أو لم يعد لديهما القدرات نفسها التي كانتا تتمتعان بها من قبل، فإنَّ لدى الحكومة السورية وحدات قادرة على خوض حرب شوارع. فقد طبق الجيش العربي السوري استراتيجية الانسحاب أولاً، ثم معاودة الضرب بوحدات ذات خبرة، التي تمَّ اللجوء إليها مراراً في السنوات الأخيرة، ثانياً.
خاتمة
ما من شك في أنَّ المخطط الأمريكي- الصهيوني – والتركي، من خلال استخدامه أدوات متنوعة ومتباينة (التنظيمات الإرهابية “هيئة تحرير الشام”(جبهة النصرة) وأخواتها من التنظيمات الجهادية الأخرى، كان يريد تحقيق الاستيطان للإرهاب التكفيري في منطقة الشرق الأوسط، أولاً. كما أنَّ هذا المخطط الآنف الذكر أخفق في معالجة جوانب فشل الدولة الوطنية السورية حسب ادعائه، من خلال إحداث تغيير جوهري في بنية الدولة الوطنية السورية عبر تفكيكها إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، تحت مسميات مختلفة، لا سيما في ما عدّته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها عوامل فشل في بنية الدولة السورية، خاصة فيما يتعلق بعدم قدرتها على الاستيعاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي لجميع مكونات المجتمع السوري، ثانياً.
إنَّه رهانٌ خاسرٌ من جانب أمريكا وحلفائها، لأنَّ تيارات الإسلام السياسي على اختلاف مسمياتها لا تؤمن بالدولة الوطنية القائمة على التنوع، وبالتالي فإنّ المراهنة على تلك التيارات الدينية التي تستقطب الأتباع و الأنصار بدعوى الثأر لتلك البنى التقليدية ما قبل الدولة الوطنية، وباستعمال الشعارات القائمة على تمثلات طوباوية للماضي، من أجل أن تكون بديلاً للنخب الحاكمة في سوريا وغيرها من الدول العربية، لا يعني فحسب، إعادة إنتاج سياسات إقصاء تنتحل سمة القداسة، ولكن يعني أيضاً، وبشكل أكثر خطورة، أنَّ هذه التيارات الأصولية لا تقدّم أي بديلٍ واضحٍ لما هو سائد، ويمكن بسهولة أن تتخذ مطية لاستبداله بالأسوأ، فضلاً عن إهدارها لمعنى الدولة الوطنية بتنوعها، ما يعبد الطريق لمزيد من الحروب الأهلية، وانهيار الدول الوطنية، وانتشار التطرف والإرهاب.