إقليميات

سُقوط الأسد مُتوقع.. وإمدادُ السِلاح بَاقٍ

بقلم زينب عدنان زراقط

ولمن ما يزال المشهد ضبابياً عليه، ننظرُ إلى وقع الخبر في الداخل اللبناني، حيث أن كل الأحزاب والفئات المعارضة للمقاومة، الذين سلطوا ألسنتهم وإعلامهم خلال الحرب على لبنان مطالبين بتسليم سلاح “حزب الله” لتتوقف الحرب، ثم بعد انتصار المقاومة الإسلامية من خلال منع اليهود من احتلال أي جزء من الأراضي اللبنانية وحُفِظ السلاح التزموا الصمت. أما اليوم، بعد سقوط النظام في سوريا، تراهم أول الناس يحتفلون، تحت هتافات “زمن الوصاية السورية انتهى” و”زمن الوصاية الإيرانية الحزبُ – اللهية انتهى”!! لا بل وظنّوا بأن البندقية التي لم تقوَ – ولن – إسرائيل على إسقاطها خلال ستين يوماً من الالتحام المباشر واستبسال المجاهدين وفداء الأرض بدمهم ومهجات العيون، راهنوا عليها بأنها اليوم سقطت وانتهى أمرها. فهل تخلّت إيران عن سوريا كما يدّعي البعض؟ أم هو الأسد من خلَّ بالمحور؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى سقوط النظام في سوريا؟ وهل من تخوّف على خطوط الإمداد إلى “حزب الله”؟

أذناب الداخل يصنعون نصراً فارغ

في لبنان، مَنْ لم يفرح بنصر “عدوان أيلول”، خرج اليوم ليُطبّل ويزمّر بإسقاط المُلقب “بالجولاني” لنظام الأسد وهو من المعلوم أنه كان عنصراً في تنظيم القاعدة وبعدها دخل تنظيم داعش عام 2011 وادرِجَ تحت لائحة الإرهاب الأمريكية، وعلى الرغم من ذلك استضافوه على CNN بعد ظهوره كقائد حزب “هيئة تحرير الشام” واجتياحه سوريا، لتُعرِبَ الولايات المتحدة بعدها عزمها على شطب اسمه من على اللائحة السوداء. قيل إن اسمه “أحمد الشرع” ومسقط رأسه الجولان ليتبيّن بعد التقصّي أنه اسم مزيّف ولم يُحصّل له أي نسل أو انتماء في سوريا وما من جماعة عرّفت عنه، فلم تعنيه لا القضية ولا الجولان ولا دخول الجيش الإسرائيلي إليه ولا احتلاله.

لقد قالها نتنياهو في خطاب وقف إطلاق النار مع حزب الله، – ولعلً كل هذا كان مخططاً مُدبّراً -، “لقد جاء دورك يا أسد”، حتى هاج وماج التكفيريون في داخل سوريا وما كانت إلا ساعات حتى سلّمت السلطة السورية بشكل سلمي حقناً للدماء والمشهد كان واضحاً وورقت النعي كانت مختومة من البيت الأبيض والكفن علم إسرائيل موسوماً بشعار داعش!.

من الواضح أنه مخطط لما لم تتمكن من استحقاقه إسرائيل بالمواجهة المباشرة مع “حزب الله”، أن تتمكن من فرضه بالغدر وبشكلٍ غير مباشر، فالسلاح الذي لم تنزعه بيدها، تظنّ أن بإسقاطها سوريا قد قطعت سُبلَ الإمداد للسلاح، وسوف تقضي على السلاح، – رحمَ الله روح سيدنا الأقدس – الذي قال يوماً “نحن لدينا صناعات محلّية للسلاح ولدينا الاكتفاء الذاتي ببعضها”، ونستشهد أيضاً بالواقع اليمني الذي وعلى الرغم من الحصار والمقاطعة ووطأة الحرب أمسى بصواريخه وقدراته سيّد البحر الأحمر وأعجز أمريكا أمام الإمكانيات التي وصلت إليها بحريته، فإن من رَحِمِ الحاجة تُخلق الانجازات، وعلى كُلٍّ “يد الله فوق أيديهم” وعلى ترنيمات نشيد “حرب الله” وبنفسٍ مطمئنة نُعلمكم بأن ” َدُ الله” هي من تمدّ لنا السلاح”.

نعود في المحصلةِ إلى مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يريد إسقاط “حزب الله” في لبنان وكسر المقاومة لاستكمال مشاريعه الاستيطانية، واجتياحه لبنان، وقد بات لديه يقين من بعد حرب تموز 2006 وعدوان أيلول 2024 أنَّ ما من جدوى بالمواجهة المباشرة مع “حزب الله” الذي يُنزل به الهزائم تلو الأخرى، فعمد إلى إجراء طعنة التفافيه في ظهر المقاومة بإشعال جبهة سوريا، على أنها الوسيط في محور المقاومة ما بين إيران والعراق ولبنان، وطريق إمداده بالسلاح. فهل نجح بذلك “نتنياهو”؟.

حال العلاقة السورية بمحور المقاومة

أولاً، لقد كان الموقف المساند لبشار الأسد ليس من أجل شخصه أو قبولاً بنهج حكمه داخلياً، وإنما لضمان وجود دولة محورية مساندة لمحور المقاومة مع العلم بأنه كان يؤشَّرْ على بشار الأسد سلبيات كثيرة بعد سقوط النظام الصدامي، حيث تجاهل أن سوريا باتت محطة تدريب للإرهابيين الذين كانوا يتدفقون من دول الخليج ومن تركيا ومن دول المغرب العربي إلى العراق لتنفيذ عملياتهم الإرهابية التي كلفت العراقيين الكثير من التضحيات. دول محور المقاومة غضّت النظر عن مواقف الأسد هذه وحاولت تطويعه باتجاه هدف إستراتيجي سامٍ وهو تسهيل المد للمقاومة في لبنان بما تحتاج لتمكينها من مواصلة وجودها المقاوم ضد العدو الصهيوني.

إن تكالب دول الناتو والكيان الصهيوني والدول الخليجية الممولة وكذلك الدور التركي الأبرز أسهم في إسقاط حائط صد مركزي ضد التمدد الصهيوني بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذا السقوط التدريجي والسريع لنظام بشار الأسد.

من أحد الأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار هو مقدارٌ معين من الجفاء الذي اعترى العلاقة بين بشار الأسد ومحور المقاومة في الشهور الأخيرة بعد الاقتراب الناعم والسام للإمارات والسعودية تجاهه في عملية استقطاب واضحة له. كذلك من الأسباب هو تعوّد نظام الأسد على الاستعانة بالحلفاء كما حصل في الأحداث التي استدعت حضوراً ميدانياً للحرس الثوري الإسلامي وفصائل من المقاومة الإسلامية سواء من لبنان أو العراق، حيث أن هذا الاعتماد جعل جيشه يألف حالة الدّعة والتراخي وعدم الاعتماد على الذات في مواجهة أي تهديد ضد سوريا، كما أن الأسد قد وثق مطلقاً بالجانب الروسي على حساب حلفائه.

ولعل من بين الأسباب هو حصول خيانة على مستوى القيادات العسكرية وهناك معلومات تتحدث عن ذلك والتي تدور حول تعاون بعض هذه القيادات مع أطراف في الجماعات الإرهابية المرتبطة بدول الخليج، وعدم استماع الأسد لنصائح الجمهورية الإسلامية التي حذرته من وجود مؤامرة غربية جديدة ضد بلاده.

في حين أن السّيد القائد علي الخامنئي “حفظه الله” سبق وحذّر الأسد قبل ستة أشهر من “خطة الغرب الجديدة على سوريا”: لقد خطط الغربيون وحلفاؤهم في المنطقة لإسقاط النظام السياسي لهذا البلد وإخراج سوريا من معادات المنطقة بالحرب عليها، لكنهم لم ينجحوا. والآن يخططون لإخراج سوريا من المعادلة الإقليمية بأساليب أخرى بما في ذلك الوعود التي لن يحققوها أبداً.

ما من سلاح يعبر سوريا

في التفاصيل، قبل سنة وبشكل مفاجئ هبط وزير الخارجية الإماراتي في دمشق وحصل تطبيع للعلاقات بين بشار ودول الخليج تحديداً السعودية والإمارات وبعد ذلك حصلت أمور كثيرة وصدرت قرارات كثيرة ضد جبهة المقاومة وتحديداً حزب الله وإيران منها صدر أمر من الأمن السياسي السوري بإغلاق المدارس الإيرانية بما فيها الحوزات الدينية للمراجع ومنع الإيرانيين من استئجار البيوت والمواقع وتم تحديد عدد الزوار الإيرانيين الداخلين أسبوعياً.

ومن الأمور التي حصلت أيضاً هو الأمر الذي صدر من القيادة السورية بإخراج كل أعضاء حزب الله ومنع دخولهم إلى سوريا برفقة السلاح حتى السلاح الشخصي منعهم من حمله عند دخولهم الأراضي السورية، بالإضافة إلى إجراءات التفتيش المشددة على الحواجز العسكرية المقامة. ومُنعت النشاطات العسكرية الاستخبارية في الجولان انطلاقاً من الأراضي السورية حيث رفض ذلك أيضاً وشمل التضييق أمر الفصائل العراقية بالخروج من الأراضي السورية منذ أكثر من 9 أشهر ومنعهم من المشاركة بمعارك طوفان الأقصى ولم يبقَ منهم هناك إلا بعض الأخوة لحراسة حرم السيدة زينب عليها السلام.

وكما هو حال الجمهورية الإسلامية لا تتخلى عن أصدقائها وبقيت القيادة الإيرانية تحاول أن تعيد الامور مع الأسد ليُعيد النظر في هذه التضييقيات لكنه للأسف لم يستجب. وقبل بـ 6 أشهر، علمت الجمهورية الإسلامية بأن هناك ترتيبات لإسقاطه، وأعلمته بالمخطط الكامل الذي يُلعب ضدّه لكنه لم يتفاعل وبقي على موقفه وابتعاده عن جبهة المقاومة. ولأن الجمهورية الإسلامية لا تعالج قضاياها بالإعلام لذلك لم تخرج هذه التفاصيل إعلامياً بوقتها.

في الختام، حدد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي بوضوحٍ مُبرم ضلوعَ أمريكا وإسرائيل بأحداث سوريا بالدلائل، وبالنسبة لإمداد المحور، “المقاومة بحول الله ستغطي المنطقة كلها أكثر من أي وقت مضى وإيران قوية وستصبح أكثر قوة”. بناءً عليه، على ما يبدو ما جرى على نظام الأسد كان نتيجةً متوقعه لما عوّل عليه من دول الخليج المتآمرة مع العدو الإسرائيلي ولما فرضه من متغيرات ومُضايقات على محور المقاومة في الآونة الأخيرة حؤوله دون العون في تحرير الجولان السوري المحتل! في طبيعة الحال، نقول دوماً أن الخير فيما وقع. ولكن من بعد هذا الانتشار السرطاني السريع على الحدود جنوباً وامتداده وصولاً إلى جنوب دمشق، هل من رادعٍ سيقف في وجهه في ظل صمت أولئك المُسمّين “بهيئة تحرير الشام”؟ وهل سيعود يُشكل خطراً جديداً على الحدود اللبنانية من جهة مزارع شبعا؟ هل سينجح مخطط تقسيم سوريا ومحاصصتها، قضمه من كل جانب على الدول الطامعة بها من الجوار؟!. وعلى ضوء التمييز العرقي والطائفي وانتشار مظاهر الإجرام الداعشي من تنكيل وتعذيب وقتل، هل من الممكن أن تعود النخوة والبصيرة لتولد من رحم هذا الاحتلال لمقاومة من شبابٍ غيور على أرضهم؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *