سقوط سوريا بداية مشروع “الشرق الأوسط الجديد”!!
بقلم زينب عدنان زراقط
إسرائيل تحتل الجنوب السوري وهضبة الجولان وتعتلي جبل الشيخ وأمست على مقربة من الحدود اللبنانية.. الأردن ومصر تتخوفان في سيناريو مُشابه من الانقلاب للجماعات الإسلامية المتواجدة في أراضيهم، إلى السعودية التي وافقت على اتفاقية التطبيع، أمّا العراق الذي تُهدده أمريكا بإنهاء مقاومته وتفرض عليه ضغوطاً تمنعه من إسناد غزة.
أما عن مشهد الدبابات الإسرائيلية التي تنتهك وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني وتتجاوز الحدود وتقترف ما عجزت عنه في وجه “حزب الله”… فالإسرائيلي يظن أنه بات أقوى بسقوط الأسد نظراً للضغط الذي بات يُشكله على لبنان بمحاصرته وإضعافه!!…
فهل ضعفت المقاومة اللبنانية حقاً بعد سقوط سوريا؟ ثم ماذا عن عدم رد المقاومة على انتهاكات الجيش الإسرائيلي؟ وما هو المشروع الأمريكي الإسرائيلي بعد سقوط سوريا وهل من مخاوف على دول الجوار وهل ستسقط ممالك تِباعاً، و”الحبل على الجرار”؟!..
انتهاكات في الجنوب وتوغلٌ من الشرق
هذا هو الإسرائيلي، ينجز ما عجز عنه أيام الحرب حيثُ لم يتجاوز الشريط الحدودي بسبب بسالة المقاومين الأبطال من مجاهدي “حزب الله”…، مُستغلاً الهدنة واستلام الدولة حفظ الأمن، ليتقدم في قُرى جنوبي لبنان الحدوديةِ ويُجرّف بيوتها ويُهدّم جُدران مساجدها ومعالم ساحاتها ويختطف مُسنِّيها ومُزارعِيها ويزرع المتفجرات في أوديتها، كل هذا على مرأى ومسمع أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أنهم يرعون اتفاق وقف إطلاق النار. فها هو الجيش اللبناني ينتظر كي يبسط سيادة الدولة اللبنانية على الحدود اللبنانية الفلسطينية وبمواكبة قوات حفظ السلام لكن العدو لا يزال يتمادى في الخروقات اليومية لهذا الاتفاق.
وللذين علت أصواتهم في الداخل اللبناني مطالبين بأن يكون الجيش اللبناني وحده على الحدود ليحمي الوطن من غطرسة الصهاينة نقول، أين الدولة وسيادتها والجيش وقوته من هذا الخرق اليومي؟.. وهل هم فعلاً قادرون على مواجهة هذا العدو الذي لا يلتزم لا بقوانين دولية ولا باتفاقات؟ لا الجيش ولا الدولة باستطاعتهم اليوم وضعَ حدٍ لكل ما يقترفه العدو من خروقات وانتهاكات وعدوان! فهل ستبقى حدودنا مُشرّعة للانتهاكات وسماؤنا مُباحةً للمُسيرات؟!.
ها هو نتنياهو وكاتس من على قمة جبل الشيخ يصرحان، “سنبقى هنا مهما طال الأمر، إن وجودنا هنا على قمة جبل الشيخ يعزز الأمن ويضيف بعداً للمراقبة والردع إلى معاقل حزب الله في البقاع بلبنان فضلاً عن تعزيز الأمن والردع ضد المتمردين في دمشق الذين يدعون أنهم يمثلون وجهاً معتدلاً ولكنهم من التيارات الإسلامية الأكثر تطرفاً”.
على ما يبدو أن هناك تريثاً وحكمة من قبل إدارة “حزب الله” لهذه الحرب، وهم ملتزمون بتنفيذ بنود وقف إطلاق النار، مُلقين المسؤولية على عاتق الدولة والجيش اللبناني، وريثما تجري الانتخابات الرئاسية، ولعلّه في أقسى درجات كظم الغيظ، فكل حراك العدو هو تحت الرصد وكل تمركز محدد موقعه ويد المقاومين على الزناد، أما ما بعد هُدنة الـ 60 يوماً، فالحديث مختلف، ومن غير المعلوم حتى متى تبقى تحركات الجيش الإسرائيلي ضمن ما يُمكن لـ “حزب الله” الصبر عليه… فيما يقول قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي، حول قدرات “حزب الله”، “الكيان الصهيوني واهم بأنه يحاصر حزب الله عن طريق سوريا ليقضي عليه لكن من سيتم القضاء عليه فعلياً هي إسرائيل“.
وقد انتهز الجيش الإسرائيلي فرصة إخلاء الجيش السوري لحدوده بعد سقوط نظام بشار الأسد ودخول الجماعات المُسلحةِ، مُحتلاً 500 كيلومتراً مربعاً من الجنوب السوري ليُصبح على مقربةٍ من الحدود اللبنانية السورية عند المصنع، على بعد أقل من 12 كلم فقط من الطريق الدولية التي تصل دمشق في العاصمة اللبنانية بيروت.
وحول هذا التقدم الإسرائيلي قال أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني”، عبر “نيويورك تايمز” صراحة: “لن نسمح باستخدام سوريا كمنصة لشن هجمات ضد إسرائيل، ولا نريد الدخول بصراعات ضد أحد”. فجاء جواب الإسرائيلي بفظاظة عبر نائبة وزير الخارجية التي قالت، عبر “بلومبرغ”: “قادة سوريا الجدد هم ذئاب بثياب أغنام ويحاولون إقناع العالم بأنهم ليسوا متطرفين، لن ننخدع بالكلام اللطيف منهم وسنقيّم أفعالهم”… فهل هم يرجون الرضى الإسرائيلي “إرضاءً لأمريكا”؟!!.
إحياء خطة “إسرائيل الكبرى”
صحيح أن رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو يعرب عن تدمير القدرات التي أنشأها نظام الأسد على مدار سنوات” واستهداف مسارات نقل الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا إلا أن المخطط بالطبع أوسع من ذلك. فإن المخطط الإسرائيلي الساري مفعوله اليوم، أخطر وأبعد مما يتصوره البعض، والتحرك المباغت للجيش الإسرائيلي في سوريا واحتلال أجزاءٍ منها بهذه السرعة، كشفت عن طموحاتها التوسعية القديمة، والتي ما تزال سارية المفعول.
فعندما يعلن نتنياهو أن مرتفعات الجولان جزء من إسرائيل “إلى الأبد”، بما يتماشى مع أجندة “إسرائيل الكبرى”، التي تتصور التوسع في أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق وما وراءها، يُدرك أن ما وراء إسقاط سوريا مشروع كبير اسمه “الشرقُ الأوسطُ الجديد” الذي روجّت له أمريكا منذ عهد جورج بوش الابن بعد أحداثِ أيلول/ سبتمبر 2001.
يُمثل هذا التحول الاستراتيجي بعد سقوط سوريا، مُنعطفاً خطيراً يعكس الأيدولوجيا الصهيونية القائمة على التوسع والمطالبة بدول الجوار على أنها من ملكيتها، مُستغلةً عدم الاستقرار في سوريا بعد فشلها في لبنان.
كما أفادت مصادر إخبارية نقلاً عن الكيان الصهيوني أن المسؤولين السياسيين والأمنيين في هذا النظام يشعرون بالقلق من سقوط الحكومة الأردنية على يد جماعات المعارضة في هذا البلد، وقالت إن حكومة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، تدرس القضية، وإبّان ذلك زار مسؤولون أمنيون وعسكريون من تل أبيب عمان.. فهل هو قلق أم تمهيد أو صفقة تُمهّد لتنحّي الملك؟؟!.
تُطرح قضية انتقال الثورة إلى دول أخرى عدة مرات في إسرائيل، فهنالك حسابات كثيرة حول أن نجاح “المسلحين” في سوريا قد يؤثر على جهات في الأردن، مثل الجهات المتطرفة، والجماعات الجهادية، وحتى المعارضة للنظام الملكي الأردني، وقد جرى عرض التصورات مراراً خلال مناقشات الكابينيت. علماً أن نجاح “المسلحين” في السيطرة على الحدود بين الأردن وسوريا، يثير قلقاً كبيراً في إسرائيل لأن لديها مع الأردن أطول حدود مقارنة بجميع الدول المجاورة.
من جهته، أبدى رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” أن التعرّض للتنوع الإثني والديني في سوريا ستكون له ارتدادات في المنطقة خصوصاً في العراق لا سيما مع وجود المراقد المقدسة واحتمالية استهدافها من أجل خلق الفتنة.
أما مستشار رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الصميدعي، أعرب عن طلب أمريكي يفضي إلى تفكيك الفصائل كما تم الطلب من الحكومات السابقة، معتبراً أن هذه المرة أكثر جدية وقد يُفرض ذلك عليهم، موضحاً أن الكتل السياسية قد دخلت في مفاوضات متقدمة جداً مع الفصائل وهناك نوع من الاستجابة – حسب إفادته -، “فإن لم تستجب الفصائل للشروط الأمريكية وتحلّ نفسها، فسيفرض علينا وعليهم هذا الأمر بالقوة”.
ختاماً، سارعت السعودية لإبرام صفقة التطبيع مع الإسرائيلي حفظاً لعرش ابن سلمان وتخوفاً من أي حركات انقلاب، أما عن ما تبقى من دول الجوار السوري فهي في حالة غليانٍ وترقّب، وبينما جُلّ الإعلام موجهٌ صوب “سوريا”، تبقى القضية المبدئية والأساس مُنبثقة من حرب “غزة” التي ينتهج فيها الإسرائيلي الإبادة الجماعية، حيث مُسحت معالمها الجغرافية بالكامل وأُبيدت عائلات من نسلها، نجد جبهة اليمن في محور المقاومة بقيت حجةً على كل العرب الذين تخلّوا عن القضية وباعوا الدين قرباناً لعروشهم. وعلى الرغم من كل الحصار واشتداد الحرب الأمريكية الإسرائيلية عليها، لا تزال تتعاظم مساندتها لغزة، من البحر وقطع خطوط الإمداد نحو العدو أو من الجو عبر ضرب مواقع حساسة بالعمق الصهيوني بالمسيّرات. المساندة لن تتوقف، بغض النظر عن منطلقها، فالبطشة هي بيد محور المقاومة، إلا أنه هناك ثمة مخاوف حول وضع لبنان من التصعيد عند حدوده إن كان من جهة سوريا أو من فلسطين المحتلة، كل هذا يبقى في إطار التوقعات، وأمسى الحِمْلُ أكبر على المقاومة، مضافاً إليه جرعة كبيرة من “الصبر والبصيرة”، وحتى متى الصبر على وهنِ الحكومة اللبنانية وتواني الجيش اللبناني عن اتخاذ إجراءات رادعة في وجه اعتداءات العدو الصهيوني؟؟!.