السعودية في قلب مشروع الشرق الأوسط الجديد
بقلم زينب عدنان زراقط
بدخوله معركة الإسناد إلى جانب محور المقاومة في مواجهة مشروع الإبادة الجماعية الذي تنتهجهُ إسرائيل في “غزّة”، ألقى اليمن الحُجةَ على جميع الدول العربية والإسلامية التي تقاعست عن نُصرة المظلوم وقطع دابر الظالم.
فهل ننتظرُ من السعودية غوث أطفال ونساء فلسطين مثلاً، وهي التي ما تزال تُنفّذ إملاءات الأجُندة الأمريكية بحرب عبثية وحصارٍ همجي منذ عام 2014 م مُفتعلةً أبشع صور المجازر في اليمن وأسوأ مجاعة حول العالم، فما هو الدور الذي تقوده السعودية في صلب مشروع الشرق أوسط الجديد برعاية أمريكا وإسرائيل؟.
تقاعس الدول العربية
بعدما أن ناهزت الحرب على اليمن عامها العاشر، كان اليمن خلال هذه المدة في مرحلة ترميم وبناءٍ للذات، نمت مقاومته وتطورت إمكاناته العسكرية، حتى وقف وقفة عزٍ إيمانية إسلامية تاريخية ضد العدو الإسرائيلي، فقطع خطوط الإمداد البحرية من خلال البحر الأحمر المتجهة نحو الكيان الغاصب مُذلّاً بذلك القدرات العسكرية الأمريكية والبريطانية مُلحقاً بها إصاباتٍ وخسائر مُباشرة، إلى أن انطلقت مُسيراته وصواريخه إلى فلسطين المحتلة وإلى وسط عاصمة الاحتلال مُرغِماً المُستوطنين على الهروب نحو الملاجئ.
لم تجرؤ أي دولة من دول العالم العربي والتي يبلغ عددها 22 دولة من مصر، الأردن، البحرين، قطر، عُمان وغيرها على التدخل بأي شكل من الأشكال لصدّ العدو الإسرائيلي عن أهل “غزة” والمجازر التي يفتعلها بهم، وهم من الأساس مُشرعين أراضيهم للأمريكي ليبني قواعد عسكرية ونقاط رصد والتي لا تخلو من التوغلات العسكرية الأجنبية إلى جانب التواجد الإسرائيلي. إلى السعودية التي العين عليها لأنها تقود حرباً بإملاءات أمريكية على اليمن الذي على الرغم من ذلك انتفض بما أوتيَ من قوة لإغاثة الملهوف، ومن بعد المواربة لسنوات ولقاءات خلف الكواليس والضجة التي علت مع مشروع “نيوم” وكثرة اللقاءات ما بين ولي العهد السعودي والموساد في دهاليز جُزره، يتأسف العالم الإسلامي أن المملكة العربية السعودية والتي هي خادمة الحرمين الشريفين وعلى أرضها تُؤدى أعظم مناسك المسلمين من أداء فريضة الحجة وفيها مقام رسول الله (ص) والأئمةً، ليس فقط لعدم نصرتها للقضية الفلسطينية ولا لأنها أداة بيد الولايات المتحدة بعدوانها على اليمن، فهي لم تكتفِ بذلك وحسب بل هانت عليهم أنفسهم بأن يُصافحوا عدوّ الأُمّةِ، -مُغتصِب الأرضَ- جهرةً أمام الملأ باتفاقية تطبيعٍ تسقط بإبرامها آخر قطرة دمٍ تنطقُ العُربةَ وتنكسُ رايةَ وحدة قضية المسلمين!.
“التابلاين” من السعودية إلى لبنان
العدو الإسرائيلي يواصل التمدد في الجنوب السوري بشكل مستمر ويسعى لشق طرق من ريف القنيطرة إلى جبل الشيخ من خلال تجريف الأراضي الزراعية وباتت سيطرته على محافظة القنيطرة كبيرة بما يقرب من 95% من مساحتها، إضافةً للتمدد والانتشار الأمريكي الذي استقدم المزيد من التعزيزات العسكرية في الشمال السوري حيث الثروة النفطية. إن هذا التموضع الإسرائيلي المباغت عند حدود المنطقةِ العازلة والتربع على قمة جبل الشيخ وهضبة الجولان وتمدد الانتشار العسكري الأمريكي في ظلِّ سكوتٍ وتمريرٍ كُلّي من قبل حكومة الانقلاب برئاسة الجولاني يستدعينا لإعادة تذكّر الانقلاب الأول في سوريا عام 1949م الذي قادته أمريكا في سوريا من مدينة القنيطرة في الجولان إلى العاصمة دمشق على يد قائد الجيش آنذاك “حسني الزعيم” ليُطيحَ بنظام الرئيس السوري “شكري القوتلي” بعد شهر واحد من رفض المجلس النيابي السوري تمرير اتفاق “التابلاين”، ليوقع فوراً بعدها على اتفاقية الهدنة، ويُصادق على تمرير اتفاق “التابلاين”، وقد تمت عملية التطويق والاستسلام في جميع هذه المواقع سلمياً ودون إطلاق رصاصة واحدة، وقد استقبل الشعب نبأ الانقلاب كما يقول باتريك سيل ” في كتابه الصراع على سوريا” بفرح وابتهاج”. فما هو هذا الاتفاق الذي دفع بأمريكا لإسقاط النظام السوري من أجل إبرامه؟.
“التابلاين” هو مشروع خطوط أنابيب بترول عبر البلاد العربية، أسسته أمريكا للنهوض بالاقتصاد الأوروبي كأهم عامل مؤثر على اقتصادها، بعدما خرجت أوروبا مُنهكةً بعد الحرب العالمية الثانية. وتقوم فكرته على سحب النفط الخام السعودي ليصبّ في البحر المتوسط، عبر شركة أرامكو – الامريكية سابقاً – أقوى الشركات الفاعلة، من خلال إنشاء خط أنابيب لنقل النفط الخام من حقول النفط في مدينة بقيق السعودية إلى مدينة حيفا في فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط، إلا أن قيام إسرائيل عام 1948 عطل تنفيذ المشروع، عندها أمر الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، إما بإلغاء الخط كاملاً أو إيجاد مسار بديل، وتم تحويل مساره إلى ميناء صيدا في لبنان عبر الأردن ماراً بـمرتفعات الجولان السورية، لينتهيَ بها المطاف إلى الأسواق الاستهلاكية في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عبر البحر المتوسط.
ويذكر محمد حسنين هيكل – من أشهر الصحفيين المصريين -،”لقد كان الصراع السياسي في سوريا في مرحلة من المراحل صراعاً بين شركة البترول البريطانية العراقية، وشركة أرامكو الأمريكية، وهذا الصراع هو المحرك الأساسي لسلسلة من الانقلابات العسكرية، التي بدأت في سوريا عام 1949 واستمرت لسنوات طويلة تحت مسميات عديدة. حيث لم تستطع بريطانيا الاستسلام لهذا النجاح الأمريكي الذي سيحمل النفط السعودي إلى شاطئ المتوسط لينافس بترول شركاتها في العراق. ولم يكن أمامها سوى صنع انقلاب آخر يوقف تنفيذ اتفاقية التابلاين بل يلغيها وهذا ما حصل في 15 آب من نفس العام 1949 إلى أن تم الاتفاق بين الأمريكيين والبريطانيين على تقاسم مصالح البترول في عائدات الدول العربية منه.
تم الانتهاء من إنشائه في عام 1950 وبعد شهرين من ذلك بدأ ضخ النفط إلى ميناء الزهراني في صيدا، وتوقّف ضخ التابلاين مؤقتاً مرتين، الأولى خلال “العدوان الثلاثي” على مصر عام 1956، والثانية إثر “النكسة” عام في 1967 ونسفه في الجولان المحتل.. وتوقف “الضخ” إلى ميناء صيدا في 1976، جراء اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. واستمر الضخ إلى مصفاة الزرقاء الأردنية حتى توقف نهائياً عام 1990 لأسباب اقتصادية وسياسية. وسُحب النفط المتبقي في الأنابيب عام 2000، وبدأت شركة أرامكو بتفكيك محطات الضخ الخمس في السعودية عام 2006، في حين لا يزال الخط موجوداً.
في الختام، مع مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو رجل الصفقات والتجارة والمساومة على المصالح دون اللجوء إلى سياسة الاستنزاف في حروب طويلة، وهو راعي مشروع أبراهام، فإنَّ أول خطوة سيقدم عليها هي استئناف تطبيع السعودية وبما أن الإسرائيلي متمركز في الجولان، يبقى لبنان العائق أمام استكمال مشروعهم “خط أنابيب تابلاين” الذي يعود أساسه لعام 1946م. لبنان الذي يعيد ترتيب أوراقه بانتخاب رئيس للجمهوريةِ، حيث كان لافتاً قبل يوم، هبوط طائرة سعودية خاصة في لبنان لتُقِلَّ قائد الجيش اللبناني “جوزيف عون” في زيارةٍ خاصة ما من تفاصيل حولها، فهل تعمد المملكة العربية للحثّ على اسم معين لرئيس الجمهورية بما يتماشى مع الاملاءات الأمريكية؟.