سيِّدُ الماءِ والخصب “الشهيد”
بقلم غسان عبد الله
لعلكَ تذكرُ وجهي.. وإنْ كنتَ لم ترَهُ من سنينْ..
فها أنا الآنَ في ربوةِ الزعفرانِ الحزينْ
ألملمُ سربَ الطفولةِ عنها وألحانَ أقدامنا التائهةْ
وفي أسفل السفحِ يربضُ خيطٌ من الماءِ خيطٌ من الياسمينْ
هو الماءُ راوٍ فسلهُ عن أمهِ في أعالي الحنينْ
وعن موعدِ الزائرينْ.. وعن الطقسِ والحَورِ والجوزِ والياسمينْ
وهل عُدنا مثلَهُ نؤولُ إلى واحةٍ في الغموضْ
وتَرْجِعُ أعمارُنا تختفي في سماءٍ وطينْ
فراقُكَ مثلُ القصيدةِ صعبٌ… وأصعبُ.. نومُكَ في دفترِ الغابرينْ
وهذا سريرُكَ قلبٌ دفينْ
إلهي: كما أنتَ فجرتهُ من غمامٍ وبرقٍ مكينْ
فأرجعْ له حُمرةَ الوجهِ…
أرجعْ له عشبَ هذا الزمردِ.. خبزَ الطواحينِ والعاشقين
لعلكَ تذكرُ وجهي فتىً من أقاصي اليمامْ..
عليهِ الدروبُ وشاحٌ وَحُلتهُ الشمسُ والغمامْ
يُسلِّيهِ سربٌ فراشٍ يدلُّ عليكْ
وما أنت عنه بخافٍ.. فلونُكَ نصفُ دمِهْ.. ودربُك بوصلةٌ للحَمامْ
لعلكَ تذكرُ وجهي تغرسْ بأقداميَ المتعبةْ..
وباللكنةِ الدافئةْ بثغري على منبرِ الداليةْ
وفي ما تبقى من الحبرِ في الشفةِ العاليةْ
لعلك تذكرُ ذاك الصبيَّ الضئيلْ
يُطِلُ مع الفجرِ يوقظُ ماءكَ من غفوةٍ في الحصى
ومن حلمهِ في شذى الأقحوانْ..
لعلكَ تذكرُ وجهي
وإن كان هذا الزمانُ تسلَّلَ نحوي وأثخنني بانحناءاتِ همٍ وذكرى
كما أثخنتك السنونُ وألقتكَ في صفرةِ البيلسانْ
وعن كاهلِ الوردِ جغرافيةُ الرعدِ والانحناءْ
وأذكر أني كتبتُ إليكَ صهيلَ القصائدِ يوماً
وأرَّختُ قلبي على معطفِ الوردِ قصيدةَ العاشقينْ
ولي دفترُ الشعرِ كان فتياً صغيراً… ولي قهوةُ أمي وعلبةُ شايٍ ومقعدُ دفلى
ولي عدَّةُ الزَّحفِ والتَّسلُّقِ والقنصِ… زهورُ البنفسجِ والزارعينْ
ولي عندكَ المتعةُ الساحرةْ.. فأين تخبئ هذي الكنوزَ وتحبسُ عني الكتابَ المطرْ
ودربُكَ وقتٌ جميلٌ وأجملُ منها أزيزُ الرصاصِ وزفرةُ آهٍ على المنحدرْ
فيا سيدَ الماءِ والخطوِ يا أيها الملتقى والمزارُ الحزينْ
دموعٌ من الأهلِ فوقَ الترابِ وتحت الترابْ
تحيَّةً يا لونَ مواعيدَنا المشتهاةْ.. نغربلُ عندكَ بحرَ الأحاديثِ نطهو المسافاتِ
حتى تعودَ وتحيا ونشردُ في لغةِ العشقِ والمفردات..
وها أنتَ رغم تغضُّنِ وجهِكَ ما زلتَ ترفلُ..
تموتُ وتحيا على صدركَ القبراتُ وتحلمُ بالماءِ والورد والأمنياتْ..
فيا مشعِلَ الذكرياتْ أما زلتَ تذكرُ وجهي؟!!!!!!!!!!…
قمْ يا صديقي.. واعطِ لأشرعتي هواءَها..
ولليبابِ الموغلِ في الصدر بعضاً من الأنسِ والذكريات.
شيئاً من الهمسِ.. أو صدى التمتمات.
