إقليميات

الحرب الناعمة الأمريكية ورضوخ الأردن ومصر

بقلم زينب عدنان زراقط

كأن السيناريو كله كان محبوكاً، تدمير كل مقومات الحياة في غزة وفرض التهجير القصري على أنه السبيل الأمثل لإنقاذ هذا الشعب وترعاه “أمريكا” مصورةً المشهد على أنها هي طوق النجاة للمستضعفين!. لتمرير صفقتها بتهجير شعب بأكمله واحتلال أرضه واستعمارها.

فكيف تمكنت أمريكا من التغلغل في كيانات الدول العربية والتحكم بسياساتها وترويضها كيفما شاءت؟ وعلى ماذا يستند ترامب لهذه الثقة المفرطة في تهجير سكان غزة إلى الأردن ومصر، وخصوصاً بعد مجيء الملك حسين الأردني ورضوخه أمامه…؟ ما هي المخاطر التي تهدد أمريكا على ضوء سياسته الجديدة التي تكسر الأسلوب الأمريكي بالتعامل مع شعوب العالم على مدى الحكومات المتعاقبة لعقودٍ من الزمن؟.

لقد هرول نتنياهو إلى أمريكا على عجل بعد تدمير قطاع غزة بأكمله، حيث أمره ترامب “بوقف إطلاق النار” بعدما انتهت المهمة المطلوبة منه بسحق كل مقومات الحياة! وإظهار إسرائيل وكأنها تماشت مع ما فرضته المقاومة الفلسطينية حماس على أن تكون أول الشروط تبادل الأسرى، وإعادة الإعمار بحيث يأتي الاتفاق عليهل في المراحل المتقدمة بعد إنهاء ملف الأسرى. فتنصلوا من الاتفاق بعدما شارفوا الانتهاء من تبادل الأسرى، ليظهر موقف ترامب الحقيقي من القضية، وأعرب عن رغبته بـ “أخذ” غزة – دون مقاومة حتى – فهو سيفرغها من السكان ويأخذها أرضاً “بور” ليقيم فيها مدينة جديدة مليئة بالاستثمارات وتتماشى مع التطورات الآنية من الذكاء الاصطناعي. وانقلب على حماس مهدداً إيهاا بالجحيم إذا لم تسلم ما تبقى من الأسرى!.

اجتمع نتنياهو مع ترامب، وأحكموا الخطة جيداً، وأصدر ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب محاكمتها لرئيس الوزراء الاسرائيلي وتجريمه بالإبادة الجماعية في غزة، وهذا أمرٌ لم تمرّ له سابقة بفرض عقوبات على منظمة دولية، فكيف إن كانت “المحكمة الجنائية”! وهكذا استنقذ نتنياهو من جرمه، من أجل استكمال مشروع صفقة القرن، بتحويل المنطقة إلى “شرق أوسط جديد”.

كان جوهر الحديث حول تهجير سكان غزة هو التعويل على الوحدة العربية، ومقاومة دول الجوار لرغبات ترامب الغوغائية، وكسر أوامره الهوجاء التي يفرضها على الشعوب عن عبث ودون أي حق أو مسوغ. لكن المعطيات التي تم توثيقها بقبول الأردن ومصر – مبدئياً – باستيعاب سكان غزة، يُظهر أن المخطط مدروس ومجهّز له وكل شيء مُعدّ.

لقد بات جليّاً أمام العالم أن أمريكا تتحكم بقرارات البلدان وخصوصاً سياسات الشرق الأوسط، – من فوق الطاولة لا من تحتها -، يجلس المبعوثون الأمريكيون ووزير الخارجية لمراقبة سير انتخابات الرؤساء – ما حدث في لبنان – وعلى وزراء الحكومة أن تكون لهم علاقة وثيقة بأمريكا وغيرها من الأمثلة. كذلك لديها جمعيات وأندية بأسماء مختلفة وترعى أعمالاً اجتماعية وإحصاءات وجمع للبيانات، ودراسات مختلفة لا يعلم حقيقتها أحد تمولها السفارة الأمريكية المتمركزة في كل الدول.

سياسة المساعدات الأمريكية والحرب الناعمة

تنتهج الولايات المتحدة الأمريكية سياسة المساعدات الخارجية التي أقرت بقانون بموافقة الكونغرس منذ عهد الرئيس الأمريكي “جون كندي” عام 1961م وتم تأسيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المعروفة باسم USAID وتمول من الكونغرس الأمريكي بعشرات مليارات الدولارات. متبنياً فكرة أن هذه المساعدات سوف تعود أضعافاً على أمريكا معتبراً أن “هذه الدول حلفاء لأمريكا ويتحملون أعباء دفاعيه تتجاوز قدراتهم الاقتصادية الداخلية وهذه هي نفسها الدول التي تتلقى الجزء الأكبر من المساعدات الخارجية الأمريكية ولكن مقابل ذلك توفر هذه الدول مليوني رجل مسلح جاهزين للقتال في أي حالة طوارئ”.

في السياسة الدولية القوة تُعرّف على أنها القدرة على التأثير في سلوك الآخرين من أجل تحقيق نتائج مرجوه. القوة هذه تنقسم عادةً لثلاث فئات، القوة العسكرية والقوة الاقتصادية وقوة فرض الرأي، وفي الغالب الفئات الثلاث هذه تكون على علاقة وثيقة في ما بينها. القوة كذلك تنقسم من زاوية مختلفة لشكلين، الأول هو القوة الصلبة، كالجيوش أو القوى العسكرية والعقوبات الاقتصادية تعتبر قوى صلبة أيضاً، أما النوع الثاني هو القوى الناعمة والتي يعرّفها جوزيف صموئيل ناي، أستاذ العلوم السياسية والعميد السابق لمدرسة جون كندي الحكومية في جامعة هارفارد، بأنها قدرة الدولة على الحصول على ما تريده من خلال الإقناع والجاذبية بدلاً من الإكراه. في وقتٍ كان الأمريكيون خارجين من الحرب العالمية الثانية منتصرين وعندهم قوى صلبة هائلة غير قابلة للمنافسة من أي طرف، ولكن كندي رأى أن القوى الصلبة وحدها لا تكفي لتحقيق أهداف ومصالح الولايات المتحدة، ومن هنا سعى لبناء قوى ناعمة أمريكية من خلال ملف المساعدات الخارجية التي لعبت فيه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دور رأس الحربة فيه من خلال رعاية كثير من برامج المساعدات في دول كثيرة حول العالم. توالت الحِقَب الرئاسية في أمريكا واستمروا بسياسة المساعدات الخارجية، وبهذه السياسة على مدار عقود من الزمن نجحت أمريكا بكسب قدر كبير من القوى الناعمة التي تتيح لها التأثير في أماكن عديدة حول العالم أكثر من أي دولة أخرى. وهذه الثقة بالنفس التي كان يتحدث بها ترامب عن موافقة مصر والأردن، على الرغم من موقفهما الرافض لفكرة تهجير سكان غزة وتوطينهم في رقعة أرض من بلدانهم، هو من منطلق فكرة القوة الناعمة. هكذا سيطرت أمريكا على سياسات الشعوب وصنعت الانقلابات وجيّشت المعارضة ضدّ الأنظمة المقاومة للولايات المتحدة.

منطق في الصحاري جاهزة للسكن!

من خلال هذه المساعدات تمكنت أمريكا على مدار عقودٍ من تجهيز قوى مسلحة، على شكل خلايا نائمة، تشحذها كلما استدعتها الحاجة. واستحوذت على أراضٍ ضمن هذه الدول وبنت فيها قواعد ومقرات عسكرية واستخباراتية لها. وهكذا سيطرت على سياسات الشعوب وتغلغلت داخل كياناتها. وطوق الإعدام ملفوف على أعناق هذه الدول ما إن حاولوا التملص متمردين اختنقوا.. وصولاً وبالتحديد إلى مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يبدأ بتدمير غزة وتهجير أهلها واحتلالها، وإسقاط سوريا واحتلال الحدود السورية اللبنانية، ومن ثم حصار لبنان وتهديد حدوده.

وبناءً على ما سبق، قطعاً الرئيس المصري السيسي والملك حسين الأردني سيخضعان لأوامر ترامب، وهما بالأصل متفقان ومتشاوران بالموضوع، وإنما حِمل الموضوع ثقيل عليهما أمام شعوبهما وأمام العالم العربي والأمة الاسلامية، عندما يخرجان ليقولا إنهما باعا القضية الفلسطينية، ويخافان من ثورة الشعب عليهما وضمور حكمهما.

ففي الأردن موّلت أمريكا مشروع سكني ضخم في منطقة الأزرق شمال شرق الأردن، يتضمن بيوتاً جاهزة للسكن، مراكز صحية، مدارس، ودور عبادة.. مدينة كاملة بكل احتياجاتها، مغلقة وجاهزة للسكن، في صحراء الأردن. ولكن لم يذع خبرها وبقيت طي الكتمان، وليس هناك معلومات كاملة متوفرة عنها لأنه غير مصرح بها إلى الاعلام.

وتبعاً لبعض السكان المصريين، يفيدون بأنه هنالك مدينة طبق الأصل عن المدينة المجهزة في الأزرق بالأردن، وتمتد على أكثر من 25 كلم مربع، محاطة بسور وأبراج مراقبة مجهزة ومعدّة منذ أربع سنوات، وبذلك نخلص إلى أن مشروع تهجير سكان أهل غزة موافق عليه من الأردن ومصر مسبقاً إلى حين سير المفعول.

ختاماً، يبدو أنَّ ترامب غير مقتنع بفكرة القوة الناعمة هذه بتاتاً، وكان ذلك واضحاً جداً من خلال إجراءاته التي أتخدها خلال أيامه الأولى في البيت الأبيض. ومن الجليّ أنه يفضّل القوة الصلبة في تعامله مع حلفاء الولايات المتحدة مثل كندا والمكسيك وكولومبيا والدنمارك والاتحاد الأوروبي، ومن الواضح أنه يفضل الإجبار والإذلال على التفاهم أو محاولة جذب الحليف بأي وسيلة ناعمة. فأمريكا التي كسبت كثيراً على مدار عقود من المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي أعطتها لحلفائها أو أصدقائها، المساعدات هذه كانت أحد أهم الأعمدة التي ثبتت الهيمنة والنفوذ الأمريكي على العالم لعقود. أما ترامب حالياً فهو يفضل المكسب القريب على المكسب البعيد وهذا بلا شك سيفتح نافذة للصين تستطيع من خلالها تأسيس تحالف واسع مناهض للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا الصدد أحد الأخبار التي لم يُسلَّط الضوء عليها إعلامياً، هي المواجهة المسلحة التي حصلت يوم السبت 1 فبراير 2025 في مبنى رونالد ريجان في واشنطن بين المسؤولين عن أمن المقر الرئيسي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID وبين أربعة عناصر يعملون لحساب الملياردير الأمريكي أيلون ماسك. بحيث فتش هؤلاء العناصر مقر الوكالة واتصل ماسك بالموظفين وهددهم ومن ثم عطّل النظام الإلكتروني للوكالة وسرّح جميع موظفيها!.

فهل اجراءات ترامب السياسية بالتعاطي مع دول الجوار ستمعن في إسقاط الهيمنة الأمريكية على العالم؟ وهل ينجح ترامب بحمل الغزاويين إلى المدن المجهزة التي أعدّها لهم في الأردن ومصر؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *