فضاءات فكرية

مكانة المثقف العربي ودوره في عالم الاستهلاك والزيف الحضاري هل من دور لتنوير الناس وتفعيل قيم النهضة العقلية والعلمية؟!.

بقلم: نبيل علي صالح / كاتب وباحث سوري

الأول: دراسة وتحليل الواقع القائم، وتحديد معالم وبؤر أزماته وأمراضه الحقيقية الفكرية والتاريخية والعملية التي لا يزال يعاني منها، وتشكّل بمجملها تحديات وجودية بالنسبة له.

الثاني: تبيان وإظهار وسائل وأدوات وسبل العلاج من تلك الأمراض والأزمات على مستوى الدعوة الصريحة والحاسمة للانخراط المجتمعي الميداني في مناخات ومفاعيل مشروع النهضة التاريخي العربي التنويري القائم على الديمقراطية والتعددية السياسية والثقافية والتزام قيم الحرية والعدل والمساواة.

طبعاً إن طريق هذه الرؤية الإصلاحية المطلوب من المثقف النقدي الالتزام بها عملياً، والعمل على تغيير مجتمعه في ضوئها، ليس مفروشاً بالورود، بل تواجهه عقبات وجدران ثقافية وتاريخية ومعاناة سياسية معاصرة تظهر من خلال تحديات عديدة، أبرزها:

التحدي الأول: هيمنة ثقافة الاستهلاك والسلع والتسليع والوعي الوظيفي الدنيوي المحدود للفاعل البشري، على كل شيء في مجتمعاتنا، مع تغييب للرؤية الموضوعية القيمية الغائية للأشياء في الحياة، فالحياة قيمتها استهلاكية فقط، وهي تكمن في ذاتها كغاية.. وكلما استهلك الإنسان أكثر، كلما كانت الحياة أجود وأفضل وأرقى أكثر فأكثر.. وفي هذا انحراف وتضليل وارتهان للغرائز الأولى التي لا يمكن إشباعها (بحسبة التصور الدنيوي المحدود)، ودونه افتعال لأزمات ومشكلات واندلاع لصراعات بشرية مستمرة، مكلفة وباهظة.

التحدي الثاني: عدم وجود حاضنة ثقافية وفكرية مجتمعية واسعة تحمل بذور وأفكار الإصلاح والتغيير والمعاصرة والمستقبلية، بما هي أفكار التنوير والحداثة والعقلانية، في داخل تربة مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فما زالت الغالبية من تلك الكتل البشرية – المسمّاة مجتمعاً – تتعبد في محراب الأخبار والروايات والقصص التاريخية، وتنهل فقط من معين الرؤية الدينية التقليدية البحتة، بل تقيس كل شيء بالاستناد إليها باعتبارها مرجعيةً قارّة، حيث تسمع – تلك الكتلة – وتطيع رجل الدين (وأخبارياته ورواياته) أكثر من سماعها وتقبُّلها لأفكار المثقفين النقديين المعاصرين (حضور وطغيان الفتوى أقوى بكثير من حضور النقد والفكرة). أي أنه على الرغم من كل ما قيل عن حدوث قفزة وتطور نوعي في بنية الوعي التاريخي للمجتمعات العربية، لا زالت عيون وأفئدة وعقول النسبة الأكبر من مجتمعاتنا متجهة نحو الماضي الإسلامي العتيق (الزاهي المتألق في نظرهم)، ولا زالت عقولنا العربية دائرة في فلك النصوص والمرويات والتراثيات الدينية، ومأخوذة ومتاخذة (أعلى درجات الإدهاش!!) بقصص وروايات وتواريخ وحوادث المجد التاريخي العربي والإسلامي التليد[1]، (مع أن الدين نفسه يعتبر أن الماضي صنيعة بشر ولا علاقة لأهل الزمن اللاحق به من حيث المسؤوليات التاريخية.. يقول تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ..﴾]البقرة: 23[)[2]..

ولك أن تتخيل مثلاً أن السلفيات الدينية تتحرك بسرعة نحو الوراء من حيث تخمينها وظنها أنها تتحرك قدماً للأمام..!!. إنه الارتكاس والتقهقر والارتهان والاستنقاع الحضاري واستمرار العطالة العقلية. يحدث هذا في مجتمعات مستهلكة لمنتجات الغرب، وطفيلية متثاقلة، بعيدة عن أدنى معايير وشروط الإنتاجية الحضارية. والأدهى من ذلك أن ثقافة الاستهلاك والترفيه (والاستغراق في ملذات ما دون الترفيه) – التي تتزايد وتتصاعد في بعض مجتمعاتنا (الدينية والمتشددة في تدينها) – يتم إلباسها غطاء الشرعية الدينية بفتاوى من هنا وهناك وهنالك..!!.

التحدي الثالث: هيمنة مناخات وأجواء القمع والاستبداد السياسي على الواقع العربي، الأمر الذي منع – ويمنع – قيام المثقف بدوره النوعي، وممارسة الفواعل الثقافية المجتمعية العربية التاريخية لمهمتها وأدوارها في التثقيف والتوعية النقدية، وهذا ما خلق (ويخلق) لها باستمرار مشاكل وتحديات، تجعلها مرتبكة في حل تلك الأزمات التي تورطت بها، وهذا ما أثر سلباً على عملها وفاعليتها، وجعلها عاجزة ومشلولة وغير قادرة على البدء بمعركة الإصلاح بعد سياسة التحطيم القسري المنهجي الذي تعرضت لها نخبتها من قبل هؤلاء، أولياء الأمور من الزعامات التاريخية للمنطقة الذين عملوا على تكثير وزيادة الناس من جهة، وإفقارهم وتهميشهم وفق سياسة منهجية مدروسة من جهة ثانية، أي أنهم جعلوا المجتمع الذي يسيطرون عليه غارقاً في أزماته ومشاكله وتحديات وجوده من تأمين لقمة العيش من خبز ومسكن ومعيشة وغيرها.. وهذا ما جعل المثقف غير قادر على التأثير في مجتمعه، بل أخذ ركناً له في زوايا المجتمع، وعاش حالة كسل وعطالة وانقطاع عنه، بالرغم مما أنتجه من نصوص نقدية وأفكار نيرة بقيت مخزنة في بطون الكتب، ولم تتحول إلى واقع حي ملموس.

والذي زاد الطين بلة كما يقال، هو قيام النخب العربية الحاكمة باتباع وممارسة سياسة تدمير منهجية للطبقة الوسطى، باعتبارها طبقة المثقف النقدي، حاضنة التغيير وصاحبة المصلحة الأساسية فيه؛ وذلك كمعيار وشرط أساسي من شرائط ومعايير وجود الدولة التسلطية والأمنية العربية نفسها، والتي يجب -في عرفها وتقاليدها- ألا يقترب المثقف من الناس، ولا يخوض معهم في أي نقاش أو حوار أو رؤية حول أي موضوع من المواضيع التي قد يُشك من خلالها بوجود حالة بذور وعي لدى الناس بشأن أزماتهم ومشاكلهم في حاضرهم ومستقبلهم.. ولذلك نرى أن العقوبات التي تتخذها كثير من الحكومات العربية بحق المثقفين أكبر وأعلى وأطول زمنياً من العقوبات التي قد تطال الفاسدين والمتورطين في أعمال سرقة ونهب ولصوصية مالية وغيرها.. فعقوبة الكلمة الحرة أكبر – عند الحكام – من عقوبة سرقة وتهريب مال الناس، والتلاعب بقوتهم اليومي..

من هنا كان من الطبيعي أن تحصل حالة القطيعة شبه الكاملة بين المثقف النقدي العربي وبين أنظمته السياسية الحاكمة بالبطش والنار، خصوصاً في ظل تدافع وتضاد أهداف كلا الفريقين، حيث أن المثقف يرنو ويطلب ويعمل ويدعو دائماً إلى تجسيد وقيام دولة المؤسسات والقانون المرتكزة على الديمقراطية كمظلة سياسية (دولة مواطنة) يمارس تحتها كل الناس حقهم في التعبير عن طموحاتهم ومعتقداتهم وتنظيماتهم السياسية.. أما النخب الأمنية والسياسية الحاكمة – التي برزت في مرحلة ما بعد عهود الاستقلال – فهي لا ترغب بالإصلاح، بل تريد الإبقاء على حالة الجمود وتعطل المؤسسات وحكم الشخص الواحد (شخصنة الدولة والمجتمع).. وللأسف قادت رعونتها وفجاجتها وتسلطها الأعمى إلى فسادها الداخلي وانعدام وزنها الخارجي.

ولكن بعد كل الذي حصل بين الحكام والمثقفين، هل يمكن المراهنة مجدداً من جديد على عمل المثقف النقدي؟ وأصلاً، هل بقي عندنا مثقفون نقديون قادرون على إحداث تأثير إيجابي في عملية المساهمة بنهوض مجتمعاتهم وأمتهم؟!!.. وهل تسمع وتنصت لهم مجتمعاتهم التي يتحكم بها وعي فائت مقيم في أنفاق ودهاليز الزمن الغابر، مع أن الزمن تغير، وبات التاريخ والدين والفلسفة، تُعامل كلها ليس كمسلمات لا تمس، بل كأفكار قابلة للنقاش والتقصي والتدقيق وإثارة التساؤلات وحتى الشبهات؟!.

إننا نعتقد أنَّ الإجابة مرهونة بمعرفة الواقع الحالي لمثقفنا النقدي.. هذا الواقع يتحدثُ ويقولُ بأنَّ قسماً كبيراً منهم قد ذهبَ ضحية أفكاره ومعتقداته وحلمه ببناء دول عربية حديثة تقوم على الديمقراطية والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، وكان مصيره في غياهب السجون والمعتقلات حيث اقتلعتهم الدول الأمنية من جذورهم (سواء كانت دولاً بنظم علمانية أم دينية، فالأمر واحد وسيّان).. وقسم آخر هرب للخارج (نفد بريشه كما يقال) وأصبح يدعو من هناك لقيم وأفكار حداثوية نهضوية جديدة بالكاد تسمع في داخل بيئته الأم.. وأما القسم الأكبر منهم فهو لا يزال رهين حياته اليومية الفقيرة والبائسة التي يبحث له فيها عن مقال بسيط تنشره له هذه المجلة أو هذه الصحيفة أو هذا الموقع على شبكة الانترنت أو تلك الدورية لعله يحصّل بعض الأموال البسيطة التي تساعده على سد رمق معيشته ومعيشة عياله وأسرته!!…

إذاً، هذا هو الواقع المقيت والبائس الحالي الذي يقبع في ظله للأسف معظم مثقفينا النّقديين، والذي تتحالف فيه كثير من النخب والتيارات الدينية مع النظم الحاكمة للإبقاء عليه وتجذيره، وتوسيع رقعته، وجعله يعيش حالة الخدر العام والتشظي والتبعثر والتشتت.. وهو واقع مأساوي خطير، ولا يعطينا أية بادرة أمل بوجود إمكانية ما لإحداث تغيير حقيقي في المستقبل القريب.. خاصةً مع عدم وجود أو تشكل تلك القوى الإصلاحية (العقلانية الواعية) ذات القاعدة الشعبية الواسعة التي من الممكن أن تتحول تدريجياً إلى كتلة تاريخية فاعلة ومؤثرة في واقعها المجتمعي، تعود لتطرح من جديد أفكار وقضايا المشروع النهضوي المتضمن إعادة الزخم لفكرة الديمقراطية وإعادة السياسة إلى حضن المجتمع، والتداول السلمي للسلطة، ومبدأ التعددية السياسية والثقافية، والتركيز على ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان، وتوزيع ثروات هذه الأمة على شعوبها بصورة عادلة ومتكافئة.. فالكتلة الأكبر كما ذكرنا تعيش في عسل أمنيات بناء دول دينية محكومة بشريعة الله ليس إلا، وأين؟ في مجتمعات غنية بتنوعها الحضاري والتاريخي والقومي والديني والطائفي والجهوي وووإلخ..!!!!!..

ومن الطبيعي أن نؤكد هنا – بعد عرضنا لواقع مثقفنا النقدي العربي المعاصر- على أهمية الدور النوعي للمثقف النقدي مهما حصل، ومهما كانت الأثمان باهظة، لأن التطلعات والأهداف الكبيرة والطموحات العالية والأفكار النقدية والقيم الإنسانية الكبرى التي يعمل ويشتغل عليها المثقف النقدي، والتي تمثل أحلام الناس وخشبة الخلاص من أزماتها وتحدياتها المصيرية على الصعيد الثقافي والسياسي والاجتماعي، تستحق كل متابعة وجهد ومثابرة واستمرارية بناءة.. فمن هو الشخص الذي لا يتمنى أن يتغير واقعه نحو الأفضل مادياً (على مستوى الاقتصاد والمعيشة) ومعنوياً (على مستوى العيش بكرامة وحقوق إنسانية)؟ ومن هو المجتمع الذي يرفض التغيير الإيجابي الهادئ والسلمي، ويفضل البقاء رهن الاعتقال الثقافي والسياسي والاقتصادي؟ ومن هو الإنسان الذي يفضل العيش تحت أنظمة القهر والكبت والتخلف والظلام على العيش تحت مظلة حكم القانون والمؤسسات وأنوار الحرية والحداثة والتطور والسعة والتفكير الحر في الهواء الطلق؟ ومن هي الأمة التي تفضل أن تعيش في ظل سيطرة وهيمنة حزب واحد وحاكم واحد ونظام أبدي واحد، على أن تعيش ليكون التغيير الدوري القانوني -المجدد للحياة والدماء والأفكار- هو الفكرة والقوة الأساسية المسيطرة عليه؟ ومن هي الجهة التي لا تدرك المسؤولية الكبرى التي تتحملها النظم القائمة في هذا الحجم الهائل والمتعاظم للفساد والتقصير والفوضى والفقر والإفقار والتخلف المسيطر على مجتمعاتنا العربية؟ ومن هو الشخص الذي لا يدرك كم هي حاجتنا ملحة وحيوية إلى إعادة النظر في مؤسساتنا ونظمنا المدمرة بتأثير أصحاب النفوذ والامتيازات والمكاسب الخاصة؟.

إننا نتصور أن المثقف النقدي معنيٌّ أكثر من غيره بالعمل على أفكار الوعي والتنوير السابقة، ولكنه لا يستطيع – كما أكدت تجربته التاريخية المعاصرة والقديمة على ذلك – أن يعمل لوحده بلا حماية، ولا دعم، ولا مقبولية اجتماعية، فيكون عارياً في مواجهة خفافيش الماضي وديناصورات السياسة وحيتان المال، متنقلاً من هزيمة إلى أخرى، ومن واقع ظالم بائس إلى آخر.. لأن الأرضية التي يسير عليها هذا المثقف النقدي لا تزال رخوة تفتقد للصلابة والتماسك والقوة والمناعة، فهو يسير على أرضية ثقافية بحتة، باحثاً عن حلم إنجاز شعارات وأهداف ثقافية ذات منعكسات ونتائج سياسية واجتماعية واقتصادية، أما رجل السياسة –صاحب المصلحة في تهشيم وتقزيم وربما قلع المثقف من جذوره كما جرى سابقاً- فهو منشغل بأمرين اثنين: أولهما البقاء في الحكم، وديمومة الكراسي عبر تحقيق انتصارات (كثير منها وهمية زائفة) على الآخرين، وثانيهما، مراكمة الثروات والأموال.. حتى لو جاء ذلك على حساب تدمير المجتمع، واشتعال الحروب الأهلية والطائفية فيه..

إن كل ما تقدم، يكشف أمامنا – وأمام الجميع – عن حالة العجز والحطام العربي الكامل التي أوصلتنا إليها أعرافنا وعاداتنا وثقافتنا التقليدية، وكذلك نخبنا السياسية الحاكمة التي كانت أكبر داعم لانتشار وامتداد وتجذر تلك الثقافة الشعبوية المتأخرة في صفوف الناس وتربة المجتمع.. كما ويعطينا صورة حقيقية عن سر عجز المثقف العربي عن التأثير في واقعه ومجتمعه، حيث أن النظام الرسمي العربي المترهل لا يزال يقف بقوة في وجه طموح وشعار التغيير والإصلاح المرفوع بقوة من قبل الناس والمثقفين، في الوقت نفسه الذي يعجز فيه هذا النظام عن قيادة المجتمعات العربية نحو تحقيق أحلامها في تحقيق طموحاتها في التنمية الاقتصادية العالية وتحسين مستويات معيشتها..

كما ويكشف لنا عن سر هذا العجز المطبق لنظمنا عن أداء وظائفها بفعالية خاصة على صعيد فشلها في إجراء تحول ديمقراطي حقيقي ينقلها من السلطوية والأمنية والهاجس البوليسي إلى الحرية والديمقراطية والنظم الحديثة.. وليس إلى حضن الأصولية والسلفية.

وهذا كله يحتاج في الواقع إلى إبقاء أمل التغيير متقداً وحياً وحاضراً بقوة لدى جماهير المثقفين النقديين كما قلنا، وهو يتطلب منهم على الدوام – على الرغم من بؤسهم وفقرهم وتعتيرهم وصعوبة عملهم – المساهمة في إعادة صياغة وإصلاح كاملة للبنى النفسية والعملية التي تتقوم بها وتبنى عليها النظم السياسية العربية التي أصبحنا نشك فيها وفي قدرتها على الاستجابة لآمال وتطلعات وأفكار الإصلاح وليس التغيير!!…

نعم، يطلبون ويطالبون المثقف بكل شيء، ولا يقدمون له أي شيء، سوى الاتهامات الجاهزة المعلبة، مع أن المثقف كنخبة طليعية واعية ومدركة لحقائق الأمور، ليست مهمته سياسية بحتة، أو تغييرية عملية، فهو لا يمسك بأي قرار، ولا سلطة له علي أي شيء، سوى سلطته على قلمه وحبره.. وليست من وظيفة المثقف النقدي أن يداهن وينافق ويقرأ الواقع كما يريده السياسي، أو المطبِّل الاجتماعي وغير الاجتماعي.. وظيفته تنحصر فقط في النقد والتعرية والفضح والكشف وتسليط الضوء على مكامن الفساد والإفساد السياسي وغير السياسي.. مهمته في جعل الناس تفكر وتسائل وتحاسب بالاستناد لقيم ومعايير حقوقية.. مع أن واقعنا يؤكد لنا للأسف أن المشكلة ليست في أنّ الناس غير متعلمين، المشكلة هي أنهم متعلمون بما يكفي فقط ليصدقوا ما تم تعليمهم إياه، وليسوا متعلمين بما يكفي للتساؤل عن أي شيء مما تعلموه..!!!.


[1] هناك فرق بين التاريخ ووعي التاريخ.. فالتاريخ هو وقائع وأحداث وتحولات، ووعيه هو دراسته وتحليله واستثماره لاحقاً.. والتاريخ في مفهوم ابن خلدون (أبو علم الاجتماع) له وجهان: ظاهر وباطن. ظاهره يخبر عن الأيّام والدول والسوابق من القرون الأولى، وتنمو فيه الأقوال والأمثال المضروبة، أمّا باطنه فالنظر، والتدقيق، وتعليل الكائنات، والعلم بكيفيّة الوقائع، وأسباب حدوثها… فموضوع التاريخ في نظر ابن خلدون يدور حول الإنسان وأعماله ومكتسباته فيه، وما تحمله من أسباب ومبرّرات ونتائج، ولذلك كان هذا العالِم واعياً برصد وتتبّع أسباب أخطاء المؤرّخين، ومن أهمها الاعتماد على النقل فقط، وعدم أخذهم طبيعة العمران، وكذا الأسباب المتعلّقة بالمنهج، والابتعاد عن الاستقامة والعدل والوقوع في التحيّزات إلى مذاهب وآراء معيّنة.

[2] وهي تعني أن الإنسان ليس مسؤولاً سوى عن أفعاله واكتساباته، ولا يمكن لمن يعيش اليوم أن يتحمّل وزر ونتائج أفعال وأعمال من عاش قبل 1400 سنة..!!. فــ”كل نفس بما كسبت رهينة“، “ولا تزر وازرة وزر أخرى“..!!. أنتم أبناء هذا العصر الحاضر لكم أشغالكم وأعمالكم ومكتسباتكم، وأنتم مسؤولون عنها أمام أنفسكم ومجتمعكم، وأمام خالقكم الذي سيسألكم فقط عنها، وليس عما فعله رموز ونخب ورجالات أيام زمان في معاركهم وصراعاتهم وحروبهم وأحوال عيشهم وعلاقاتهم وووإلخ..!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *