دوليات

تقارب أمريكي روسي يقلق أوكرانيا والغرب الأوروبي.. ترامب يتخذ خطوات عملية

بقلم ابتسام الشامي

تحول أمريكي كبير

في الرابع والعشرين من شباط أقفل الصراع الروسي الأطلسي بشكله العسكري المباشر في أوكرانيا عامه الثالث، من دون أن يكون له، على ما توحي به المؤشرات والمواقف، عاماً جديداً، بعدما قرر الراعي الأمريكي للصراع، وضع حد للحرب وعدم مدها بالمزيد من عوامل الاستدامة والاستمرارية. فبالنسبة لرجل الصفقات الساكن في البيت الأبيض دونالد ترامب، وبخلاف سلفه، جو بايدن، الحرب في أوكرانيا ليست ضرورية، ويمكن الوصول إلى نتائج أفضل بطرق أخرى، يتقدمها الحل الدبلوماسي، وإن كان طريق هذا الحل يمر حكماً عبر موسكو. هكذا قرر ترامب وهكذا سارع مع بداية ولايته إلى تحطيم كل ما بنيت عليه سردية الحرب، لاسيما شيطنة روسيا من باب خطرها ليس على أوكرانيا فحسب وإنما على الأمن العالمي برمته. وخلال شهر فقط من دخوله البيت الأبيض، كان الرئيس الجديد القديم قد مد جسور التواصل مع الكرملين، متجاوزاً عقوبات بلاده وحلفائها الأوروبيين على الدولة الروسية، بل ذهب بعيداً في إبداء ثقته بنظيره الروسي ونواياه حيال أوكرانيا من دون شروط مسبقة. فقد جدد في تصريحات تسبق بساعات لقاءه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي، ثقته بأن نظيره الروسي سيلتزم بأي اتفاق يجري التوصل إليه لوقف الحرب في أوكرانيا. وأعرب ترامب أثناء اجتماعه مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في البيت الأبيض، عن ثقته في أن بوتين سيحترم أي اتفاق لوقف النار في أوكرانيا، في موقف يتعارض مع تحذيرات ستارمر الذي حذر من أن غياب الدعم الأمريكي للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يدفع الرئيس الروسي إلى التفكير بتكرار غزوه لأوكرانيا. علماً أن ستارمر حمل معه إلى البيت الابيض اقتراحاً بنشر قوات بريطانية وفرنسية في أوكرانيا لضمان أمنها من أي “غزو” روسي جديد.

ما جرى في الأمم المتحدة معبر عن التحول

وإذا كان من الصحيح القول إن موقف ترامب غير مفاجئ كونه عبّر خلال حملته الانتخابية عن توجهه لإنهاء الحرب في أوكرانيا، إلا أن سرعة تنفيذه التوجه، تبدو صادمة للكثير من حلفاء بلاده. يكفي في إطار قراءة التحول الذي طرأ على الموقف الأمريكي بشأن الأزمة الأوكرانية، الوقوف عند ما جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة. حيث أقرت الأخيرة مشروع قرار يؤكد دعمها لأوكرانيا ووحدة أراضيها، مقابل طرح الولايات المتحدة الذي دعا فحسب إلى “إنهاء النزاع في أقرب وقت ممكن”. وقد تبنى القرار الذي أعدته أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون، المطالب السابقة للجمعية، وفي مقدمها الانسحاب الفوري للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية ووقف الأعمال العدائية الروسية، وحظي القرار بأغلبية 93 صوتاً مؤيداً مقابل 18 صوتاً معارضاً بما في ذلك الولايات المتحدة، وامتناع 65 عن التصويت.

وفي المقابل، جرى تعديل النص القصير الذي اقترحته واشنطن، بعد أن أدخلت الدول الأوروبية تعديلات عليه بالإشارة إلى سلامة الأراضي الأوكرانية والدعوة إلى “سلام عادل”، ليحظى بموافقة أغلبية 93 صوتاً مقابل معارضة 8 أصوات وامتناع 73 عن التصويت.

الشركات الأمريكية قد تعود إلى روسيا

وإلى ترامب ومواقفه الصريحة بشأن العمل على وقف الحرب، والتقارب مع روسيا، توالت مواقف لأركان إدارته تعبر عن الاتجاه نفسه، بل توضح المسارات العملية لمعنى التقارب الروسي الأمريكي وإزالة العقبات من أمامه.

وفي هذا الإطار، توقع ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قيام شركات أمريكية بأعمال تجارية في روسيا في حال التوصل إلى اتفاق سلام في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وقال ويتكوف لبرنامج “فيس ذا نيشن” على قناة “سي. بي. إس”: “من الواضح أنه سيكون من المتوقع في حال التوصل إلى اتفاق سلام، فسيكون من الممكن أن تعود شركات أمريكية إلى هناك – روسيا – للقيام بأعمال تجارية. وأعتقد أن الجميع سيرى أن هذا سيكون أمراً إيجابياً وجيداً”.

بدوره، صرح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت لتلفزيون بلومبرج، بأن روسيا قد تحصل على الإعفاء من بعض العقوبات الأمريكية بناء على استعدادها للتفاوض على إنهاء حربها في أوكرانيا. ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لزيادة العقوبات على روسيا أو تقليصها اعتماداً على كيفية سير المحادثات لإنهاء حرب أوكرانيا، قال بيسنت “قد يكون هذا وصفاً جيداً للغاية”. وتأتي هذه التطورات في أعقاب تواصل اللقاءات الثنائية الأمريكية الروسية. وبعد أيام على لقاء مسؤولين روس وأمريكيين في الرياض، عُقد اجتماع مغلق بين مسؤولين من كلا الجانبين في تركيا اليوم، بهدف إيجاد تسوية للحرب في أوكرانيا وإعادة إطلاق العلاقات الثنائية بين البلدين. وانتهت المحادثات التي جرت في مقر إقامة القنصل العام الأمريكي في إسطنبول بعد نحو ست ساعات ونصف ساعة. وإذ غادر الوفد الروسي من دون الإدلاء بأي تصريح، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن “دبلوماسيينا يحاولون البناء على التفاهم الذي نشأ خلال المحادثة الهاتفية بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وعلى الاتفاقات التي جرى التوصل إليها خلال المحادثات في الرياض”. وعلى الرغم من حركة الاتصالات القائمة ومع ذلك، يبدو لافتاً للانتباه عدم المبالغة الروسية في حصول انفراجات كبيرة في العلاقات، وهو ما عكسه بيسكوف خلال مؤتمر صحافي، عندما قال إنه لا يتوقع تغييرات كبيرة في العلاقات مع واشنطن، على الرغم من “التحوّل الكبير في السياسة الأمريكية في أسبوعين فقط”، مشيراً إلى أن “لا أحد يتوقع أن تكون الحلول سهلة وسريعة”. أما الرئيس الروسي فقد تحدث بدوره عن المتضررين من التواصل بين موسكو وواشنطن وسعي هؤلاء للتأثير في عودة العلاقات بين الجانبين. فقد رأى بوتين أن “الجميع لن يكونوا راضين باستئناف الاتصالات الروسية الأمريكية، القوى التي ستحاول تقويض هذا الحوار”، مضيفاً أنه “علينا أن نستخدم كل الإمكانيات الدبلوماسية والعسكرية للحيلولة دون هذه المحاولات”.

الأوروبيون قلقون

على أن ما حذر منه الرئيس الروسي من تأثير المتضررين في مسار التقارب الروسي الأمريكي، يعتبره هؤلاء انقلاباً أمريكياً على أوكرانيا والتحالف الغربي الداعم لها، وإذا كان بوتين قد تحدث عن ضرورة الوقوف بوجه محاولات عرقلة عودة العلاقات الأمريكية الروسية، فإن الحلفاء المتضررين يسعون بدورهم للوقوف في وجه ما يرونه تحولاً مضراً بمصالحهم وأمنهم ومنظومة علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن تأثير هذه الاستراتيجية بمصالح الأخيرة نفسها، وتركيزها على محاصرة الصين. وفي هذا الإطار، يصف الأستاذ في الجامعة الأمريكية للخدمة الدولية غاريث مارتن، موقف واشنطن إزاء موسكو بالصادم ويقول في حديث مع شبكة BBC الإخبارية “حتى إذا كنت تحاول أن تعمل مع روسيا، حتى إذا كنت تعتقد من منظور براغماتي، بأنه يجب عليك التفاوض مع دول لا تحبها، فإن حقيقة أنك لم تعترف بوضوح بالحقيقة البسيطة، وهي أن روسيا هي الطرف المعتدي، فإن ذلك أمر مخيب للآمال”. وللشبكة نفسها تقول أستريد شفراويل، الزميلة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن “أوروبا تمثل خط المواجهة الأول مع روسيا، التي طالما كانت خصم أمريكا في القرن الماضي. وبينما يظهر اليوم تحول أمريكي يركز على المنافسة مع الصين، وتريد الإدارة الأمريكية التركيز على ذلك، فإن واشنطن لن تستطيع فعل ذلك دون الدعم الأوروبي. فاذا أرادت الولايات المتحدة سحب جزء من وجودها العسكري في أوروبا وتحويل تركيزها نحو مسرح عمليات المحيط الهادئ، فإنها ستحتاج من أوروبا أن تسد الفراغ، وإلا فستحصل فجوة، وربما يشكل ذلك حافزاً للصين وروسيا للتنسيق معاً، وربما ستندلع صراعات متزامنة قد تسبب مشكلات حادة لأمريكا”. وترى شفراويل أن الدبلوماسيين الأوروبيين يعملون على وضع خطط بديلة، في حال أدت تحولات ترامب إلى التوصل إلى اتفاق مع روسيا من غير مشاركة الأوكرانيين والأوروبيين. ولكنها تستبعد في الوقت ذاته، التوصل إلى هذا الاتفاق، مشيرة إلى أن أي توافق يستثني الأوكرانيين والأوروبيين قد يكون هشاً وقد ينهار، ما سيؤدي إلى خسارة ترامب لما يريد أن يعتبره إنجازاً كبيراً، وهو إنهاء حرب أوكرانيا.

خاتمة

زمن التخلي عن أوكرانيا بدأ باكراً في عهد ترامب، والخوف الأوروبي متعاظم من المزاد العلني الأمريكي لقضايا تخص الاتحاد الأوروبي وتعني أمنه واقتصاده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *