أسئلة الغياب والحنين
بقلم غسان عبد الله
مِنْ أيِّ بابٍ سوف أدخلُ هذه الدّنيا..؟
كنهرٍ طاعنٍ في الحُزنِ يمنحُني التساؤلُ ملحَ هذي الأرضِ..
تدعوني الزلازلُ نحوها لتُعيدَ تشكيلَ الخرابِ بصورةِ القلبِ المحاصرِ بالغيابْ..
هل شاختِ الدّنيا بنا..؟ هل أنجَبَتْنا الرّيحُ أطفالاً عراةً دونما مأوى..؟
يقاسمُ بعضُنا يأسَ الطريقِ ولا طريقَ سوى انكسارِ الحُلْمِ فوق جبيننا!..
من أيِّ بابٍ سوف أدخلُ ذلك المنفى؟ وهل في القلبِ بعضٌ من فُتاتِ الذكرياتْ؟!
مَنْ سوف يحميني.. ليقتلني؟!.. مَنْ سوف يقتلُني ليجعلني رغيفاً طازجاً؟!
مَنْ أودعَ الخوفَ المحنَّطَ في فمي؟!.. مَنْ أوقفَ النهرَ المعلّقَ في دمي؟!
مَنْ جاء من بئر الحياةِ ملوّثاً بالرّيحِ يحملني على نعشٍ من الزّبدِ المحاصَرِ بالرّحيلْ؟.
يا ليت لي فرحاً كقامةِ سنديانِ الجرحِ يذهبُ بي بلا وجعٍ إلى بلدانِ قلبكَ..
أحتفي بوصول قلبَينا وأشربُ حزنيَ المألوفَ..
لم أعرفْ من الدّنيا سوى أحلاميَ المكسورةِ الخفقاتِ..
لم أقرأْ سوى بُعْدي عن الأحبابِ..
هذا اليأسُ يعرفني ويأخذني صقيعُ الموتِ نحو نهايةٍ لا تنتهي..
هي هذه اللحظاتُ تجمعُنا.. هي هذه الكلماتُ تجرحُنا.. تفرِّقُنا..
تخيْطُ قلوبَنا بسلاسلِ الأحزانِ.. تثقُبُ خوفنا..
وتجرّنا لوداعنا نحن الذين نصافحُ الدنيا بفرحتنا الصغيرةِ نحتمي بهوائها وحيائها..
وحمائمُ الألمِ الجديدِ تطيرُ من يدِنا إلى يدِنا..
تحوِّمُ فوقَنا، وتعيدُنا الكلماتُ نحو ظلالها وظلامها،
نحكي لنولدَ، والحكايا لا تعيدُ إلى الحياةِ سوى الحكايا وهي تنشرُ ظلّها المنخورَ..
تُحرقُنا.. تُتوِّجُنا مراراتُ الكلامِ.. ولستُ أدري أيَّ بابٍ سوف نقطفُ من هواهُ هواءَنا..؟
هل تنزفُ الطرقاتُ رحلتَنا وتتركُنا يتامى في الزوايا؟!
أنا لا أرى غير الذين تكاثروا مثل الجرادِ..
تجمّعوا مثل الذئابِ على بقايا رحلتي.. لا هذه الذكرى تمشِّطُني من الأحزانِ..
لا عنوانَ يفهمني.. سأرمي هذه الدنيا بجمجمتي..
وأختزل المسافة عند موتي حين تحصده المرايا تحت سقف الويل والوجع الطويلْ..
الحزنُ يحملني إلى شطآن صوتكَ يا ملاكي..!
والقصائدُ لم تهاجرْ نحو هذا القلبِ.. لم أفهمْ تأخّرَها..!
لماذا أيقظتنا من حلمنا الجميل؟.. كيف ارتحلتَ أيها الجليل..
يا سيِّدَ الإشراقِ يا معتمراً نفسي وأشرعتي ويأسي يا سقوطَ النّهرِ في كأسي..
لماذا.. لماذا.. لستُ أدري..
كلُّ ما في الأمرِ أنني ها هنا أُقيمُ على الجرحِ وأحملُ منهُ بقايا الغدِ الآتي..
وما تبقى من كاساتِ الأمسِ..
كونٌ جديدٌ كي تقدّسَكَ الشموسُ، فأنتَ بدءُ الضَّوءِ، بدءُ النبضِ،
لا.. لنْ يقدرَ الريحُ المُروَّضُ بالعصيّ على اختطافِكَ منْ دمائي،
سوفَ تبقى لي الحبيبَ والأميرَ والقرى..
سيمرُّ رونقُكَ المغطّى بالمآذنِ والقبابِ فوقَ روحي، كي يتوّجَها بالقصيدةَ والحبقْ..
كونٌ ليتّسعَ الربيعُ، لنحرسَ الأزهارَ من ألمِ اليباسِ ومن بساطةِ مقلتينا..
هذي يدي.. خُذْ من مرافِئها شراعَكَ.. خذْ من الدفءِ الأمانَ،
وخذْ من العينين أُفْقَك، خذْ من القلبِ التوهُّجَ والأغاني، واتركِ الأحزانَ لي..
أنا حزنُ هذا العالمِ المخلوقِ من قمحٍ ووردْ.. أنا جرحُ هذا العالمِ المحروقِ في لهبٍ وبردْ..
أنا حزنكَ المخلوقُ من فرحِ السنابلِ ترصدُ الوجهَ الجليلَ،
يرونقُ الدنيا على قلبي وبوحِ أصابعي..
قدْ تحزنُ المرآةُ إن تأتي إليها دون طيفي وانبعاثي من عيونِكَ،
سوفَ يسألُ الليلُ الموعودُ بي عن موجةِ الحبقِ المسافرِ من يديَّ..
فلا تقل: نامَ في الوقتِ المحاصرِ بالمُدى قل: تأهَّبَ للقيامةِ..
آهِ يا سيدي على ليلِ المدائنِ ماتَ في قلبي الفضاءْ..
كلُّ النوافذِ هذهِ اللحظاتِ تجهشُ بالبكاءْ.
وأنا أحاولُ أن ألملمَ دمعَها بيَّارةً للحقلِ والعشب والبيلسانْ.