إقليميات

ترامب ما بين تلقّف خليجي وجفاء إسرائيلي إلى أين ستتدحرج الأمور؟…

بقلم زينب عدنان زراقط

ففي كل جولة خليجية، يحرص ترامب على إعلان أرقام فلكية لصفقات واستثمارات تتوزع بين الدفاع والطاقة والطيران ولكن يظل السؤال قائماً: هل تتحول هذه “الوعود” إلى واقع فعلي؟.

في الوقت الذي لم يسبق أن يأتي أي رئيس أمريكي إلى الشرق الأوسط دون أن تكون له محطة في إسرائيل، فهل تمرّد نتنياهو؟ وهل وعدم إيقافه لحرب غزّة قلب المعادلات؟ وإذا كان نتنياهو قد رفض طلبات أوروبا وكندا وبريطانيا لأجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة فلماذا وافق على عرض الإمارات بتقديم هذه المساعدات وما حقيقتها؟!

ترامب والتريليونات ومصداقيتها

يصف مدير تحرير موقع ميدل إيست آي، الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، زيارة ترامب إلى دول الخليج العربي “الحدث الذي شهده الخليج غدراً هائلاً بحق الفلسطينيين، الذين يعلمون جيداً أن لدى الحكام العرب سجلاً مشهوداً بالتخلي عنهم، في الماضي، كانوا ينتظرون بضعة شهور أو بضع سنين بعد كل هزيمة عسكرية حتى يفعلوا ذلك استغرق الزعماء العرب وقتاً بعد حرب 1967 لكي يتحدثوا عن حل سلمي للضفة الغربية وقطاع غزة المحتلَّيْن. أما اليوم فإنهم يتخلون عن الأبطال الحقيقيين في العالم العربي، الذين يتعرضون للتجويع والقصف حتى الموت”.

لا بأس في أن نُظهر المُقاربة، في أنّ ترليون دولار يُساوي 1000 مليون دولار، في حين أن غزّة قُدّرت تكلفة إعادة إعمارها بالـ 80 مليار دولار، أي أن المبالغ التي قُدمت للرئيس الأمريكي دون أي مقابل تكفي لبناء غزة أكثر من “60 مرة”!.

صحيح أن ترامب خلال جولته الخليجية في مايو 2025، أعلن عن التزامات اقتصادية هائلة مع ثلاث دول خليجية، حيث أعلنت السعودية عن صفقة دفاعية بقيمة 142 مليار دولار، وتعهدت قطر باستثمارات متبادلة بقيمة 1.2 تريليون دولار، بينما أعلنت الإمارات عن نيتها ضخ 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، تشمل مشاريع في الذكاء الاصطناعي والطاقة.

إلاَّ أنَّه وبالعودة إلى زيارته الأولى للسعودية عام 2017، عندما أعلن ترامب عن صفقة سلاح بـ 110 مليار دولار، حقيقةً نُفذ فعلياً منها ما لم يتجاوز 14.5 مليار بحلول 2018، معظم تلك العقود كانت مذكرات تفاهم غير ملزمة.

بينما صفقة الطائرات القطرية التي أعلنت قطر فيها عن صفقة تاريخية مع شركة بوينغ الأمريكية لشراء 210 طائرات بقيمة 96 مليار دولار. لكن بوينغ التي تعاني من تراكم طلبات قديمة غير منفذة تجاوزت 5،643 طائرة تحتاج لأكثر من 12 سنة لتلبية طلباتها الحالية كما أن الطائرات من طراز 777 لم تحصل بعد على ترخيص نهائي، حسب وكالة رويترز. أما الصفقة السعودية الدفاعية فتحكمها قيود التفوق الإسرائيلي. وبالنسبة للسعودية فصفقتها تشمل طائرات وأنظمة دفاعية وباتريوت وطائرات بدون طيار. لكن واشنطن لم تحسم موقفها بعد بشأن بيع طائرات 35-F للسعودية على الرغم من اهتمام الأخيرة بها، وذلك بسبب التزامات الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ “إسرائيل”، وسط رفض مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين للصفقة، حسب موقع ميدل إيست آي.

كما أن وعود الإمارات بمليارات الاستثمارات في صدد مخاوف أمنية أمريكية، في حين أنه توصلت الإمارات إلى اتفاق مبدئي لاستيراد 500000 شريحة من شرائح Nvidia سنوياً لتشغيل مراكز بيانات ضخمة. إلا أن الاتفاقية ما تزال قيد المراجعة في واشنطن بسبب مخاوف أمنية وخشية تحويل التكنولوجيا إلى أطراف غير مرغوب بها، ولم يُعلن عن أي جدول زمني أو تفاصيل تنفيذية واضحة، ما يثير تساؤلات حول واقعية هذه الالتزامات، حسب وكالة رويترز أيضاً.

فما بين الدعاية والحقيقة، وعلى الرغم من التغطية الإعلامية والزخم السياسي، تُظهر الأرقام المعلنة في صفقات ترامب مع الخليج فجوة واضحة بين الإعلان والتنفيذ، كثير من الصفقات تبقى حبيسة التصريحات وتتعرقل بسبب عوامل سياسية تقنية، أو أمنية، ما يجعلها أدوات دعائية أكثر من كونها تحولات استراتيجية حقيقية. إلاَّ أن السؤال المُخزي الذي ينتاب كل ضمير حيّ في هذه الأمة، لماذا لم تُدفع هذه الأموال فديةً لأجل وقف حرب غزة وإعمارها؟ ولو أرادوا لبنوا عشرات المدن على شاكلة غزة!!.

نتنياهو يقبل عرض الإمارات بالإغاثة الإنسانية لغزة!

إلى دولة الإمارات، التي أعلنت أنها اتفقت مع إسرائيل على السماح بإيصال مساعدات إنسانية عاجلة من أبو ظبي إلى قطاع غزة، الذي يعاني من الحصار الإسرائيلي منذ مارس الماضي.

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، مع جدعون ساعر، وزير خارجية إسرائيل، أفضى إلى الاتفاق على بدء إدخال مساعدات إنسانية عاجلة من دولة الإمارات، تهدف لتلبية الاحتياجات الغذائية لنحو 15 ألف مدني في قطاع غزة كمرحلة أولى. وحسب وكالة “وام” الإماراتية، تشمل المبادرة توفير المواد الأساسية اللازمة لتشغيل المخابز في القطاع، بالإضافة إلى مستلزمات الأطفال الضرورية، مع ضمان استمرارية توفير هذه المواد لتلبية احتياجات المدنيين. وأكّد عبد الله بن زايد خلال الاتصال على أهمية وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى الشعب الفلسطيني في القطاع بشكل عاجل ومكثف وآمن ودون أي عوائق. كما بحث الجانبان الجهود الإقليمية والدولية لاستئناف اتفاق الهدنة، والتوصل إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، بحسب المصدر نفسه.

كل هذا يعني أن نتنياهو الذي رفض طلب ترامب طلب والاتحاد الأوروبي ولم يكترث بقطع العلاقات التجارية مع الحكومة البريطانية لعدم وقفه الحرب وسحب سفيرها لدى إسرائيل، ولم يصغِ لأهالي الأسرى ولا لطلبات كبار المسؤولين حتى في حكومته، كيف يمكن تصديق عفوية العرض الإماراتي على أنه خالص لأجل الإغاثة الإنسانية في غزة؟! لماذا لم يقبل الدعم الغربي والأمريكي ووافق على الدعم من آل زايد؟.

بينما عندما تعرّض مطار بن غوريون الإسرائيلي للقصف من قبل الحوثيين هبّت دولة الإمارات لنجدة حكومة نتنياهو وضاعفوا عدد الطائرات المرسلة إليهم لتعويضهم في طيرانهم الجوي، عدا عن التجارة التي نشطت خلال حرب غزة والدعم على أصعدة الطاقة والغذاء والطبابة… أما المستشفى الميداني الإماراتي الذي أُعلن عنه في نوفمبر 2023، سُرعان ما تبيّن لاحقاً أنه كان أداة للمخابرات للتجسس على المقاومة الفلسطينية وصواريخها.

وإذا ربطنا ردة فعل نتنياهو في ليل 20 مايو، مباشرة فور الاتفاق مع الإمارات بالدخول إلى غزة تحت عنوان “المساعدات الإنسانية”، أعطى أوامر على الفور بسحب معظم أعضاء فريق المفاوضين بشأن غزة في الدوحة، مع الإبقاء على طاقم فني محدود فقط لمواصلة الاتصالات هناك. هي فرضية واحدة لا خلاف لها، الإغاثة الإنسانية الإماراتية هي عنوان يجيز لأجهزة الموساد الإماراتي بالدخول إلى غزة الذين سوف يستقبلهم الغزيون تحت وطأة المجاعة والموت… من أجل إيجاد الأسرى وكشف مخابئ “حماس”.

في الختام، مسرحية تدهور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية واعتراف الدول الأوربية التي قدمت وعد بلفور لليهود بدولة فلسطينية الآن جميعها أحداث مرتبطة ببعضها من أجل التحضير لحدث أمني يُمهَّد له، بعنوان (تمرد إسرائيل على أمريكا وقصف المنشآت النووية الإيرانية) من أجل سلامة القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج والمصالح الأخرى مع استمرار أمريكا بدعم إسرائيل في حال وقوع حرب إقليمية بأموال عربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *