بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية… لما لا تُصبح إيران دولة نووية؟!
بقلم زينب عدنان زراقط
حربُ الإثني عشر يوماً الإيرانية، التي حطمت الطُغيان الإسرائيلي وقضت على الجبروت الأمريكي، نقطة تحوّل محورية في تاريخ صراع القوى العالمية العُظمى.. حربٌ مُتطفّلة شُنت على إيران – بافتراء -، تارةً للقضاء على برنامجها النووي وأُخرى لأجل إسقاط نظامها… لتعود الجهورية الإسلامية من بعدها أشد التحاماً والتفافاً حول مرجعية المُرشد القائد الأعلى، وبقوّة أكبر إلى الساحة النووية والصاروخية…
فما هي النتائج الرئيسية لهذه الحرب وتأثيرها على مستقبل المنطقة؟ وهل ستبقى إيران دولة من دون سلاح نووي؟.
منذ أول الحرب وقبل معرفة بوصلة مآلاتها والنتائج وضع “القائد الإيراني” في خَلَدِه أن “الطلقة الأخيرة” له هو أن يحددها وبأي سلاح ستنفذ، وهذه فلسفة عدا عن كونها قوة تظهرها هذه الدولة، فهي ضربة استباقية نفسية تنخر في الوعي الإسرائيلي وتوهِنُه، لأن النصر محسوم لدولة الفقيه.. وهذا ما حصل بالضبط وكما قال الإيرانيون وصلنا إلى اللحظة التي استسلم فيها الكيان واستغاث مُنكسراً طالباً إنهاء الحرب!. خذل كل مشغليه وأحرجهم من الغرب والأمريكان وورّط ترامب بجدلية فشل القنابل الأمريكية الأقوى نوعاً والخارقة للتحصينات!.
هل تصبح إيران دولة نووية قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض؟! على الرغم من الادعاءات الأمريكية بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، فإنَّ المفاعلات كانت محمولة ومتنقلة، وأن اليورانيوم المخصب لم يُدمّر. وبما أنّ العدو تهوّر واعتدى على البرنامج الإيراني النووي، فلما لا تتغيّر الفتوى الدينية التي كانت تحرّم تصنيع السلاح النووي بعد هذه التجربة، للاحتراز من اعتداءات العدو المُقبلةِ، وإيران قادرة على تطوير قنبلة نووية بسرعة.
لقد أرجأت إيران حساب الوكالة الدولية للطاقة الذرّية لما بعد الحرب، لما اقترفه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، من معلومات مغلوطة لعبت دور الذريعة أمام إسرائيل للاعتداء على إيران. لتكون أولى القرارات لإيرانية ما بعد الحرب هو مصادقة البرلمان الإيراني على تعليق التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. فهل تكون هذه الخطوة هي المُنعطف الحقيقي للتوجه نحو زيادة نسبة التخصيب للوصول إلى تصنيع قنابل نووية؟!.
أساساً لماذا هم يمنعون إيران من أن تمتلك سلاحاً نووياً وكل الدول الكُبرى امتلكتها وحتى الدول الصغرى، وإذا كانت إسرائيل نفسها حسب ما هو مُصرّح عنه يُقال إن لديها 90 قُنبلة نووية.؟ أما روسيا وأمريكا فبحوزتهما أعداداً بالألوف، والصين وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة يمتلكون قنابل نووية بالمئات! أضف إلى ذلك تركيا وإيطاليا والهند وباكستان وغيرهم… أمّا المثير للتساؤل في الأمر هو احتجاج غروسي واعتباره القرار مرفوضا.
الخطوة التي اتخذها ترامب كانت السبب الرئيسي في دفع إيران نحو التسلح النووي نتيجة قراراته الأحادية وخطواته التي تجاوزت القوانين الأمريكية، هذا ما أدّى أيضاً إلى تراجع شعبيته وفرصه السياسية. تجاوز ترامب للسلطات الدستورية بإعلانه حرباً دون موافقة الكونغرس وخلق أزمة سياسية وقانونية كبيرة في الولايات المتحدة، حيث يطالب عدد كبير بمحاكمته. هذا السقوط السياسي يعكس أن النظام الأمريكي، على الرغم من أزماته، لا يسمح بتجاوزات الرؤساء مهما بلغ نفوذهم، ويؤكد أهمية الفصل بين السلطات في الحفاظ على استقرار الدولة.
لم تمرّ الضربة الأمريكية على منشأة فوردو النووية الإيرانية بهدوء، بل فتحت جبهة جديدة من الصراعات، ليس مع طهران فحسب، بل داخل واشنطن وتل أبيب أيضاً. الرئيس ترامب أعلن بفخر أن الضربة كانت “ناجحة ومثالية”، فيما سارعت وسائل إعلام أمريكية كـ CNNونيويورك تايمز و BBC إلى التشكيك، ناقلة عن مصادر استخباراتية أن الضربة لم تدمر المنشأة بالكامل، وأن إيران أنقذت موادها النووية وواصلت التخصيب. فاعتبر ترامب أن الإعلام “الخاسر والفاشل” يُهين الطيارين الذين خاطروا بحياتهم!. لكن خلف هذا السجال تكمن خصومة أعمق: معركة بين البيت الأبيض والمؤسسة الإعلامية التي لم تهدأ منذ 2016. اللافت أن الانقسام نفسه ينحسب على إسرائيل. فجزءٌ من حكومة نتنياهو يروّجون لرواية “النصر الحاسم”، بينما قادة أمنيون سابقون ومعلقون ليبراليون بل ومتطرفون من الحكومة يحذرون من “مبالغة سياسية” تسبق تسوية دولية محتملة مع إيران.
هكذا، تحوّلت فوردو إلى أكثر من هدف عسكري: أصبحت ساحة اختبار لكل الخصومات القديمة – في أمريكا، في إسرائيل، وبين الحلفاء أنفسهم، وإلى دافعٍ جدّي أمام إيران لزيادة نسبة تخصيبها.
تداعيات الحرب على إسرائيل
الحرب التي استمرت 12 يوماً لم تكن مجرد صراع عسكري، بل نقطة تحول سياسية وتاريخية. فقد كشفت الحرب عن هشاشة إسرائيل التي تتكون من فسيفساء ثقافية ولغوية متناحرة، ما يجعل استمرارها مستحيلاً في ظل الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة. الهجمات الصاروخية المتكررة، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، انعكس بشكل مباشر على معنويات السكان الإسرائيليين الذين لم يتعودوا على مثل هذه الظروف، ما قد يسرّع من تآكل الكيان.
1- تفكك المجتمع الإسرائيلي وزوال الكيان: إسرائيل تواجه نهاية حتمية بعد أن تم ضرب أُسسها الأمنية والسياسية، وهو ما يظهر من خلال الهزائم المتتالية والمواجهات الحاسمة التي كشفت ضعفها. هذا التغيير الجذري في ميزان القوى سوف يدفع إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، مع ظهور إيران كقوة نووية إقليمية. حرب 12 يوم كشفت هشاشة هذا التماسك، مما يعزز فرص زوال إسرائيل ككيان سياسي.
2- تكتم إسرائيلي على الخسائر الفعلية: الإعلام الإسرائيلي حاول إخفاء حجم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل في البنية التحتية العسكرية والمدنية، لكن من المتوقع أن يتم الكشف عن هذه الخسائر بشكل تدريجي، ما سيؤثر سلباً على ثقة المستوطنين بقيادة نتنياهو وسيزيد من الشرخ الداخلي في إسرائيل.
3- خسارة الموساد الجواسيس والعملاء داخل إيران: الحرب كشفت أن إسرائيل تمكنت من اختراقات أمنية عميقة داخل إيران، حيث تم ضبط آلاف الجواسيس والعملاء الذين كانوا يمدّون إسرائيل بالمعلومات ويهاجمون القادة الإيرانيين. ما ألحق خسارةً كبيرة للوسائل العملية على الأرض التي تمكّن الجيش الإسرائيلي من القيام بضرباته.
4- هشاشة اتفاقيات التطبيع: في ظل الحرب الأخيرة، تبين أن التطبيع العربي الإسرائيلي الذي أُعلن عنه في السنوات الماضية لا يعكس حقيقة شعبية في المنطقة، بل كان تحالفاً قائماً على مصالح مؤقتة. مع استمرار الصراعات واضطرابات المنطقة، من المتوقع أن تتراجع هذه الاتفاقيات أو حتى تنهار، وقد يشمل ذلك دولاً خليجية مثل الإمارات والبحرين، التي تعاني من مشاكل داخلية تتعلق بالأغلبية الأجنبية والتوترات الاجتماعية.
كما كشف الصراع عن هشاشة الأنظمة العربية وارتباطاتها الحقيقية، حيث برزت تحالفات مع إسرائيل وأخرى مع إيران، وهو ما أثار غضب الشعوب وسيدفع إلى موجات من الاضطرابات والثورات الخضراء التي قد تؤدي إلى سقوط أو تغيرات جذرية في هذه الأنظمة. والتأكيد على أن استهداف قاعدة العديد بقطر رسالة إلى كل الدول التي أُنشِئت على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية بأنها ليست في منأى عن الخطر إذا ما تحولت هذه القواعد إلى تهديد لأمن الجمهورية الاسلامية يوماً.
وأخيراً، عادت دعوات المحكمة الإسرائيلية لنتنياهو للمثول أمامها بشأن قضايا الفساد التي تُلاحقه، وعندما أصدر البيان أن المحكمة يوم الإثنين القادم، استنكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقال “يجب إلغاء محاكمة نتنياهو على الفور أو منحه عفواً”. كما أنه يجري التلويح بأن اتفاق وقف إطلاق النار هشّ، على حساب أن توقف الحرب يعني مصير نتنياهو إلى السجن أو الفِرار، ولكن إلى أين، وفي أيّ بقعة أرض أصبح هنالك مناهضون لإسرائيل وجرائم الإبادة التي تقترفها؟ يقول ترامب إنه يريد أن ينقذه كما أنقذه بضربة إيران، فهل يمكننا القول إن مصير نتنياهو بات حتمياً؟!.
