إقليميات

لبنان وغزة وتصفية الحساب.. بين إيران وأمريكا

بقلم زينب عدنان زراقط

وإذا كانت الصواريخ تحتاج لعشر دقائق للوصول من إيران إلى “تل أبيب”، فمن لبنان لن تحتاج أكثر من بضعة ثوانٍ، أي حتى أن لن يكون هناك وقتٌ لدويّ صفارات الإنذار لدخول الملاجئ.

لقد كانت ورقة القضاء على الكيان الصهيوني بيد الجمهورية الإسلامية، إلا أن المساعي لوقف إطلاق النار من جهة “قطر” تبعاً لطلب الرئيس الأمريكي، قد نجحت، ولكن بشروط تضع الحدَّ لكل الهمجية الإسرائيلية في المنطقة، فهل شملت “غزة” و”لبنان”؟.

بدأت الحقائق تنكشف عبر الاستخبارات الأمريكية والمحللين والإعلام الإسرائيلي، عما تكتموا عنه من خسائر وحول جدوى الضربة الأمريكية وحقيقة الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، فما الذي اعترفوا به؟.

تلاعب أمريكي في غزة ولبنان

لأول مرة منذ 7 أكتوبر 2023، يعرب الإعلام الإسرائيلي عن أنه لأول مرة، يُظهر بنيامين نتنياهو مؤشرات على استعداده للتوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة، وذلك ليس بمحض الصدفة من بعد وقف إطلاق النار ما بين إيران وإسرائيل. فقد كانت إحدى شروط إيران هو وقف العدوان عن غزة والتفاوض فوراً بالانسحاب من غزة.

هذه المرة توقّف الحرب ينطلق أولاً من الوضع الاقتصادي الخطير الذي تسببت به حرب إيران والإنهاك العسكري والأمني والاجتماعي من تداعياتها، أضف إلى عمليات كمائن الموت في غزة والصواريخ وتهديد الصواريخ اليمنية بين الحين والآخر ما جعل إسرائيل معدومة الأمان. أقرّ وزير الرفاه الإسرائيلي، يعقوب ميرغي، بأن نحو 14 ألف إسرائيلي لا يزالون بلا مأوى بسبب الهجمات الصاروخية الإيرانية خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً. وأوضح في مقابلة إعلامية أنه لم يُسمح لهؤلاء بعد بالعودة إلى منازلهم، وسط تقارير تشير إلى إخفاء جزء من حجم الأضرار والإصابات داخل الأراضي المحتلة. وفقاً لتقرير مجلة معاريف، الهجمات الصاروخية الإيرانية خلال 12 يوماً تسببت في دمار غير مسبوق، وقد تستغرق إعادة إعمار المستوطنات بين 5 إلى 8 سنوات.

سُرعان ما قدّم ترامب مقترح هدنة لـ 60 يوماً في غزة ودعا حركة حماس للقبول بالمقترح الأمريكي عبر وسطاء قطريين ومصريين. تؤكد مصادر قيادية من حماس، أن الحركة “تلقت المقترح الذي تحدث عنه ترامب، مبينةً أنه “نسخة محدّثة بتعديلات جديدة على المقترح السابق للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف”. لم تقبل حماس بالمقترح معتبرةً إيّاه صيغة استسلام، ولا تحقق مطالبها بإنهاء العدوان والانسحاب وإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة بشكل عاجل.

إلى لُبنان، وفي خضم الحراك الدبلوماسي المكثف لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية في المنطقةِ، برزت على الساحة اللبنانية الورقة التي قدّمها الموفد الأمريكي توم براك إلى المسؤولين اللبنانيين بوصفها خريطة طريق شاملة تتقاطع عند عدد من الملفات الأساسية، وتجمع بين الأمن والسيادة والإصلاحات والعلاقات الإقليمية. تنقسم الورقة إلى عدة محاور أساسية، أولها الأمن، وتحديداً مسألة السلاح في الجنوب، لاسيما جنوب نهر الليطاني، وكذلك في الشمال منه، والاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب البند الاقتصادي الذي يتصل بالمساعدات الدولية المنتظرة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة إلى ملف العلاقة مع سوريا.

في وقتٍ أصبح فيه الملف السوري ملفاً شائكاً، مع كثرة الأحاديث عن اتفاق سلام وتطبيع بين سوريا وإسرائيل واتفاق أمني إسرائيلي – سوري يشمل تنسيقاً أمنياً استخباراتياً سورياً إسرائيلياً ضد إيران وحزب الله اللبناني. اعتبر المحللون في الساحة السياسة اللبنانية أن العرض الأمريكي هو صفقة شاملة تحت النار، لأجل تسليم سلاح المقاومة اللبنانية والتطبيع مع إسرائيل وتسليم لبنان إلى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع!.

بينما الذي تم الاتفاق عليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الإسرائيلي (27/11/2024) عبارة “بدءاً من جنوب الليطاني” في نقطتين. واستوضح الرئيس نبيه بري الموفد الأمريكي حينها عاموس هوكشتاين عن المقصود منها فأجاب بأنه لا داعي للقلق لأن القصد هو من جنوب نهر الليطاني باتجاه الحدود الجنوبية. وشدّد مراراً الرئيس بري أثناء مرحلة التفاوض مع الأمريكيين بأن التفاوض يدور حصراً حول تطبيق الـ 1701 وأنه لن يكون هناك 1701 “بلاس”، ولم يصدر حينها أي موقف مغاير من المفاوض الأمريكي.

اللافت من الجانب الإسرائيلي، خلال هذه الأيام الأخيرة، عرض بوسترات ضخمة في تل أبيب تُظهر حكاماً عرب إلى جانب قادة إسرائيليين وأمريكيين، ما يشير إلى تحالفات سياسية وأمنية جديدة في المنطقة، وهو ما يثير ردود فعل متباينة داخل المجتمعات العربية ويؤثر على موازين القوى الإقليمية. هذا التحالف يمكن أن يكون له تبعات كبيرة على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي وعلى مواقف الدول العربية الداخلية والخارجية. طبعاً الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها إسرائيل حالياً من مخلفات الدمار، لن تتكفّل به أمريكا بل سوف تستنجد بحلفائها العرب لإعانتها وإعادة اعمارها.

“حزب الله” الذي أعطى الثقة لرئيس الجمهورية الجديد كي يحفظ سيادة لبنان وانسحابه من النقاط التي احتلها ووقف الخروقات المتكررة المدعومة من الدول الضامنة، وإعادة الإعمار وحفظ الاستقرار وتحرير المؤسسات، الذي اعتبر أنه بالدبلوماسية السياسية سوف يُردع الإسرائيلي وتتحقق سيادة الوطن. لنخلص إلى أكثر من 3700 اختراق لاتفاق وقف إطلاق النار من قِبل إسرائيل واعتداءات مستمرة واغتيالات وغارات مستمرة. عدا عن حراك الخلايا الإرهابية الذي نشُطَ في الآونة الأخيرة – غالبيتهم سوريّي الجنسية -، تزامناً مع تفكيك المئات من خلايا المُساد والإرهابيين في إيران.

فعلى ما يبدو المراوغة والخداع الأمريكي لا ينتهي في محاولةٍ لاستنزاف الآخر وإنهاكه، ولكن عبثاً. المقاومة قالت كلمتها ولا تسليم للسلاح، فهل مع سقوط هذا المقترح يكون قد نفذ الصبر، أم سيُمهلون الدبلوماسيةَ مزيداً من التريُّث؟ وليكن بالحسبان أن “حزب الله” لم يستخدم ترسانته من الصواريخ الفرط صوتية ولم يستهدف أهدافه الحساسةِ التي صوّرها في هدهد 1 و2، ما زال في جعبته الكثير.

استناداً إلى القدرات الصاروخية المتطورة لحزب الله وتجارب إسرائيل السابقة، تشير التحليلات إلى أن الحرب القادمة ستكون أكثر دموية وأعنف تأثيراً على إسرائيل مقارنة بالحروب السابقة، خاصة مع الاستخدام المكثف للصواريخ الفرط صوتية والصواريخ العنقودية التي يمكنها تدمير أحياء كاملة بسرعة عالية. هذه المعركة قد تغير قواعد الاشتباك التقليدية وتؤثر بشكل كبير على الأمن الإقليمي.

ترامب يكذب وإيران تستكمل التخصيب

يقول لاري جونسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: “أُجبِرت الولايات المتحدة للتدخل في الحرب وذلك لمنع إيران من تدمير إسرائيل. كثير من الناس لا يدركون أن إسرائيل كانت على بُعد أسبوع أو أسبوعين من الهزيمة الكاملة. يقول البعض: “يا إلهي، أنتم تُكررون الدعاية الإيرانية”. حسناً، اسمعوني… لدى إسرائيل ميناءان بحريان، وقد أغلقتهما إيران، فلم تكن هناك حركة بحرية من وإلى إسرائيل. كما دمرت إيران مصفاتي نفط في حيفا وأشدود، وعطّلت إنتاجهما. أغلقت إيران مطار إسرائيل الدولي الوحيد. ببساطة، لم تستطع إسرائيل الاستمرار مع هذا”.

حتى مزاعم ترامب حول تدمير النشاطات النووية الإيرانية، اعتبرها المحلل الأمريكي “سكات” – وهو ضابط سابق ورئيس لجنة التفتيش على أسلحة الدمار الشامل –، وهو من أرسلته الأمم المتحدة إلى ليبيا للكشف عن النووي أيام صدام حسين؛ ” كذبة سياسية” تهدف للاستهلاك الإعلامي. كما كشف سكات أن “إسرائيل توسلت للولايات المتحدة لإقناع إيران بوقف إطلاق النار” بعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها في المواجهة مع إيران، مشيراً إلى أن إسرائيل أخفت حجم خسائرها الفادحة. هذا ما يعكس واقعاً مفاده أن إسرائيل تعرضت لضربات مؤلمة من إيران، ما يعكس تغيراً في ميزان القوى في المنطقة. هذا الموقف يعزز صورة إيران كقوة إقليمية صاعدة، ويضع إسرائيل في حالة دفاعية غير مريحة. وتجدر الإشارة إلى التصريحات والاعترافات التي بدأت تُنشر من مقتل كبار الضباط الاستخبارات في الضربات الإيرانية على المواقع الحساسة من مقر الموساد ومباني أمان والوحدات السيبرانية.

وأكد سكات أن الخيار النووي مطروح في حال استمرار التصعيد باعتباره الخيار الوحيد الذي يمكن أن يدمر المفاعلات النووية الإيرانية، لكنه غير مرجح في الوقت الحالي بسبب تعقيداته السياسية والاستراتيجية، وهو ليس خياراً بإمكان ترامب تمريره من دون الكونغرس كما تجرّأ وفعل مُستخدماً قنابل الـ 57GBU-.

تحليل دقيق لمصداقية التصريحات الأمريكية، سكات، بخبرته العسكرية والتفتيشية، يضع تساؤلات جدية حول مصداقية التصريحات السياسية المتعلقة بالضربات النووية على إيران، مشيراً إلى أن هذه التصريحات تفتقر إلى الأدلة الميدانية والتقارير المستقلة. هذا يعكس التوتر بين السياسة الإعلامية والرؤية العسكرية الحقيقية، ويكشف أن هناك استغلالاً إعلامياً للأحداث لتعزيز مواقف سياسية داخلية وخارجية.

أضف إلى عدم ثقة إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وقرار إيران بقطع علاقاتها مع الوكالة بسبب تسريبها المعلومات لإسرائيل يعكس أزمة ثقة عميقة في المنظمات الدولية، التي يتم استغلالها أحياناً لأهداف سياسية وأمنية، وهذا ما حال دون الكشف على المنشآت النووية الإيرانية وعدم السماح بالنقل الإعلامي من جانب إيران. أمّا اللافت ذكره هنا، هو اعترافه الصريح أنه خلال عمله في العراق مع الأمم المتحدة كرئيس هيئة التفتيش، أن “كاميرات المراقبة كانت متصلة بأجهزة الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي” وهذا نفسه ما كرروه مع إيران. وأبلغ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان رسمياً منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتنفيذ قرار مجلس الشورى القاضي بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فيما تم الإعلان عن استكمال تخصيب اليورانيوم في إيران وقال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني علاء الدين بروجردي أنه “قد نلجأ إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% لإنتاج وقود السفن العابرة للمحيطات”، بينما “خطنا الأحمر الوحيد هو صنع قنبلة نووية، والسبب في ذلك فتوى قائد الثورة الإسلامية”.

في الختام، ما يُمكن تأكيده أن الهدنة اللبنانية الإسرائيلية على المحك وحتى وقف إطلاق النار ما بين إيران وإسرائيل يُوصف بالهشّ، ووقفٌ لإطلاق النار في غزة يُشبه ببعيد المُنال، وكل الساحات باتت مرتبطة ببعضها، فهل يلتزم الأمريكي والإسرائيلي بالشروط الإيرانية ويتم تنفيذها لإنهاء العدوان الإسرائيلي في المنطقة، أم ستعود وتتجدد الساحات وتتوحّد معاً، علماً أن الساحة اليمنية لم تتوقف حتى إشعار وقف إطلاق النار عن غزة؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *