إقليميات

تجدد العدوان الصهيوني على سوريا بذريعة حماية الدروز!

بقلم توفيق المديني

حسب التقارير الأجنبية، فإن بعثات للدولتين أجرت محادثات في اذربيجان. ونشر أيضاً عن لقاءات بين جهات رفيعة. الإدارة الأمريكية، وبدرجة معينة حكومة الكيان الصهيوني الفاشية، نثرت تنبؤات متفائلة حول إمكانية انضمام سوريا، وربما لبنان أيضاً، إلى “اتفاقات إبراهيم”.

والثانية، انفجار الاقتتال الدموي بين الدروز والميلشيات البدوية المتطرفة وقوات الحكومة السورية، حيث أسفرتْ هذه المعارك الدامية عن مصرع أكثر من 350 شخصاً منذ اندلاع أعمال العنف الطائفية في السويداء جنوبي سوريا صباح الأحد 13 يوليو2025، وفق حصيلة جديدة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان مساء الأربعاء. وأحصى المرصد مقتل 79 مقاتلاً درزياً و55 مدنياً، مقابل 189 قتيلاً من القوات الحكومية إضافة إلى 18 مسلحاً من البدو في أعمال عنف طائفية، ومقتل 15 عنصراً من القوات الحكومية جراء الغارات الصهيونية.

والثالثة: شن الجيش الصهيوني بطيرانه الحربي غارات جوية عنيفة على العاصمة السورية دمشق يوم الأربعاء 16يوليو2025، استهدفت بالدرجة الرئيسة مقر رئاسة هيئة الأركان، ووزارة الدفاع السورية القريبة منه، وعلى هدف عسكري في محيط قصر تشرين الرئاسي، وطاول القصف أيضاً “محيط مطار المزة” حيث هناك “بعض مستودعات الذخيرة”، مما أدى إلى تفجير جزء من مبنى وزارة الدفاع وإصابة مواقع قرب القصر الرئاسي، وتعهد العدو الصهيوني بتدمير قوات الحكومة السورية التي تهاجم تجمعات درزية في جنوب سوريا وطالبتها بالانسحاب.

أولاً: خلفيات تفجر الاقتتال الطائفي بين الدروز والعشائر البدوية

بعد بضعة أسابيع هادئة نسبياً، عاد الاقتتال الطائفي من جديد في محافظة السويداء التي تبعد 100 كلم جنوب غرب مشق، يوم الأحد الماضي، بين فصائل محلية من الطائفة الدرزية وميليشيات بدوية متطرفة، قبل أن تتصاعد الأوضاع مع تدخل وزارتي الداخلية والدفاع وإرسال تعزيزات إلى المنطقة، والإعلان عن بدء دخول مدينة السويداء “لتوفير الحماية للمدنيين وممتلكاتهم”. وكان الطريق الحيوي الذي يصل السويداء بدمشق الشرارةَ الأولى للأحداث الدامية التي جرت أخيراً، بعدما تعرّضت عصابة مسلحة على طريق دمشق – السويداء بين قرية خربة الشياب وموقع الفيلق الأول، للمواطن الدرزي فضل الله نعيم دوارة من بلدة عريقة واعتدت عليه بالضرب، وسلبت سيارة نقل الخضار خاصته بحمولتها ومبلغ سبعة ملايين ليرة سورية (حوالي 700 دولار أمريكي)، قبل أن ترميه على قارعة الطريق وهو يعاني إصابات بالغة لتبدأ بعدها عمليات خطف وخطف متبادل ثم اشتباكات. وفجّرت هذه الحادثة الموقف كله في المحافظة، فدارت اشتباكات بين مجموعات من الجانبين، قبل أن تقرّر القوات التابعة للحكومة، من وزارتي الدفاع والداخلية، التدخل. أعمال السطو ليست نادرة في المحافظة الدرزية، فقد أصبحت منذ فترة جزءاً لا يتجزأ من “اقتصاد المنطقة”. في هذه المرة تطورت عملية السطو إلى مواجهة واسعة فيها، ردّاً على السطو، قام مسلحون دروز فيها باختطاف عدد من أبناء القبيلة البدوية التي تعيش في حي المكوس في مدينة السويداء، بعد أن اختطف البدو عدداً من أبناء الطائفة الدرزية. المخطوفون تم إطلاق سراحهم، لكن في المواجهات التي تطورت استخدمت نيران القذائف والحوامات والرشاشات، وكنتيجة لذلك قتل حوالي أربعين شخص وأصيب مئة شخص تقريباً. بعد ذلك ارتفع عدد القتلى إلى 90 شخص تقريبا واستمرت المواجهات.

ويُعَدُّ طريق دمشق – السويداء الشريان الحيوي الأهم لمحافظة السويداء فهو الطريق الذي يسلكه السكان إلى دمشق وريفها. فالسويداء ترتبط بالعاصمة ارتباطاً وثيقاً، بسبب وجود تجمعات سكانية كبيرة لأبناء الطائفة الدرزية في بعض أحياء العاصمة، مثل باب مصلى وركن الدين، وكذلك تجمعات كبيرة في بلدات جرمانا وأشرفية صحنايا وصحنايا والدير علي. والسويداء محافظة نائية وفقيرة، ولا تمتلك إمكانيات اقتصادية كبيرة أو ثروات باطنية مثل العديد من المحافظات السورية.

لقد تحكمت في هذا الطريق الحيوي الذي يربط بين دمشق والسويداء الميلشيات المسلحة الخارجة عن القانون، ومارست عليه السطو دون تفريق، مهددةً السلم الأهلي في المحافظة، كما اتخذته هذه الجماعات وسيلة لأعمال انتقامية على خلفيات طائفية. وتبلغ المسافة بين مدينة السويداء ودمشق 100 كيلومتر، تتبع إدارياً لثلاث محافظات (السويداء ودرعا وريف دمشق)، حيث تمتد أراضي ريف السويداء لمسافة 48 كيلومتراً على الطريق وصولاً إلى بلدة الصورة الكبرى، آخر بلدات ريف السويداء الشمالي، لتتداخل أراضيها مع قرى وبلدات براق التابعة لريف درعا الشمالي الشرقي.

سارعت القوات الحكومية السورية من جيش وشرطة إلى التدخل من أجل فرض النظام، باعتبار هذه العملية مطلوبة من كل دولة أن تحاول القيام بها لمنع استمرار المواجهات وانتشارها إلى مناطق اخرى. ولكن في السويداء الدرزية الأمور أكثر تعقيداً على أقل تقدير، والسبب في ذلك، غياب ثقة الرأي العام بالسويداء بالحكومة السورية الحالية، ونياتها، وطريقة رؤيتها إلى السوريين، والتعامل معهم. في شهر مارس/اذار الماضي حدثت أعمال قتل واسعة ضد أبناء الطائفة العلوية، وهي طائفة عائلة الأسد، في أماكن سكنها في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا، 1700 منهم قتلوا. أيضاً في حينه النظام السوري الجديد تنصل من هذه الافعال، لكن أثار شكاً كبيراً بأنَّ المليشيات الجهادية المتطرفة تعمل كمبعوث له.

لقد وقع اتفاق في شهر أيار/مايو الماضي، بين القيادة الدرزية في محافظة السويداء وبين النظام استهدف تهدئة الأوضاع، حسب الاتفاق فإن من شأن الميلشيات الدرزية، وهناك عدد منها، أن تسلم سلاحها للجيش وفي موعد ما في المستقبل حتى أن تندمج في الجيش السوري (كما تعهدت بذلك أيضاً القوات الكردية الموجودة تحت مظلة “قوات سوريا الديمقراطية” التي تسيطر في شمال الدولة). حتى أن الاتفاق مع الدروز ينص على أن قوات الأمن السورية هي التي ستكون المسؤولة عن الحفاظ على الأمن على الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء، وهو نفس الشارع الذي حدث فيه السطو على بائع الخضراوات والذي اثار المواجهة الحالية.

قوات الأمن السورية يمكنها حسب الاتفاق أيضاً أن تتولى الأمن في كل المحافظة، وهنا واجهت معارضة عدد من المليشيات الدرزية التي ولاؤها موزع بين الزعماء الثلاثة الروحانيين للطائفة. واحدة منها أعلنت بأنها مستعدة للتعاون مع الجيش، مليشيا أخرى، الموالية للزعيم الروحي حكمت الهاجري، أوضحت بأنها لن تسلم سلاحها إلى أن يتشكل جيش سوري وطني، ومن جهة أخرى، للمشكلة بعد آخر، يتمثل في أزمة الخطاب، وبالتحديد خطاب الشيخ حكمت الهجري (أحد المراجع الروحية لطائفة الموحّدين الدروز في سورية) الذي تضمّن استفزازاً للحكومة الحالية وللرأي العام السوري، عن قصد أو من دونه، بما يحمله من مصطلحاتٍ إشكالية وغير مقبولة سوريّاً، مثل مصطلح “الحماية الدولية” وغيره. مليشيا ثالثة أوضحت بأنها لا تصدق نوايا النظام السوري بحماية أبناء الطائفة. وإذا كانت هناك نية لدمج المليشيا في الجيش فإن هذا سيكون شريطة أن تبقى القوات الدرزية كـ “وحدة منفصلة تدافع عن محافظتها”.

تجدد الاعتداءات الصهيونية المتكررة على سوريا

صباح يوم الثلاثاء 15يوليو 2025، شن جيش الاحتلال الصهيوني غارات على مناطق مختلفة بالسويداء، واستهدفت إحدى الغارات الطريق المؤدي إلى داخل المدينة وآليات عسكرية. وتزامن ذلك مع دخول قوات تابعة للجيش ووزارة الداخلية السورية، إلى مدينة السويداء مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، لضبط الأمن بها عقب مواجهات مسلحة بين مجموعات درزية وأخرى بدوية منذ الأحد.

من جانبه، قال قائد الأمن الداخلي في السويداء إن دخول قوات الحكومة السورية إلى السويداء كان لا بد منه لضبط الأمن، مشيراً إلى أنه يجب ضبط السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، قائلاً “سنعالج تداعيات ما حصل”. وكان وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، أعلن وقفاً تاماً لإطلاق النار في مدينة السويداء. وقال إن قرار وقف إطلاق النار يأتي عقب التوصل إلى اتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة.

أما رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، فقد قال إنَّ الجيش الإسرائيلي “يعمل في سوريا منذ الصباح ولديه التزام بالحفاظ على جنوب غرب سوريا منطقة منزوعة السلاح”. وأضاف أنه يأمل ألا تضطر إسرائيل إلى تنفيذ عمليات أخرى في سوريا، قائلاً إن الأمر يعتمد إلى حد كبير على أفعال الحكومة السورية، وفق وصفه. وتابع “لن نسمح بوضع في سوريا ينشأ فيه لبنان ثان وملتزمون بحماية السكان الدروز”.

 وظهر الأربعاء 16 يوليو 2025، شن العدو الصهيوني عدواناً واسع النطاق على الأراضي السورية، استهدف نحو 160 موقعاً عسكرياً ومدنياً في محافظات السويداء ودرعا ودمشق، في عملية وصفتها تل أبيب بأنها ستتواصل “لأيام”. ويأتي هذا التصعيد في ظل الفراغ السياسي والأمني الناتج عن انهيار نظام بشار الأسد، واشتعال الأرض حرفيا تحت ايدي الرئيس احمد الشرع، لأنَّ سوريا ما زالت دولة غير مسيطر عليها، والسلطة المركزية فيها تسيطر فقط على 60 – 70 في المئة من أراضيها. وهذا ما جعل الكيان الصهيوني يعمل لفرض وقائع ميدانية تخدم أجندته في الجنوب السوري.

وأكَّد جيش الاحتلال الصهيوني، في بيان رسمي، أنه قصف مقر هيئة الأركان العامة للجيش السوري في العاصمة دمشق، ووزارة الدفاع، إلى جانب ما وصفه بـ “هدف جوي” قرب القصر الرئاسي. كما دفع بتعزيزات عسكرية إلى الحدود مع سوريا، في خطوة تعكس نية تل أبيب توسيع عمليتها العسكرية.

وقال وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن “مرحلة التلميحات انتهت، وبدأت مرحلة الضربات المؤلمة”، مهدداً بمواصلة استهداف السويداء حتى انسحاب ما وصفها بـ “القوات المعادية”.

فبعد سقوط نظام الاسد سارع الكيان الصهيوني إلى السيطرة على جبل الشيخ السوري ومناطق على الحدود مع سوريا في هضبة الجولان، ونشر هناك عدد من الوحدات. في نفس الوقت تم القيام بعملية واسعة من القصف الجوي لتدمير صواريخ وسيارات مصفحة ومخازن سلاح من أجل أن لا تسقط في يد النظام الجديد. إسرائيل شعرت بالأمان وأطلقت التهديدات. فقد حذرت النظام من المس بالدروز وحتى بالأكراد في شرق سوريا، وأعلنت عن نزع قسري للسلاح في المنطقة جنوب دمشق بدون أساس في القانون الدولي (مجرد اقتحام الأراضي السورية هو أمر ممنوع)، لكن اسرائيل شعرت بأنها قوية بما فيه الكفاية لردع النظام عن مواجهتها مباشرة.

تستغل تل أبيب التحولات وتعيد رسم خريطة الجنوب السوري، وبعيداً عن المزاعم الإسرائيلية بشأن “حماية الدروز”، يرى مراقبون أن ما يقوم به الاحتلال يندرج ضمن مشروع أوسع يهدف إلى تقويض وحدة الأراضي السورية، مستغلاً حالة السيولة السياسية التي أعقبت فرار بشار الأسد من دمشق أواخر 2024.

وتكمن الأهداف الحقيقية للكيان الصهيوني من خلال تجدد اعتداءاته على سوريا، تحقيق ما يلي:

أولاً، تفتيت سوريا إلى خلق ثلاث كيانات طائفية هشة وضعيفة مبنية على أسس طائفية وعرقية: كيان درزي في الجنوب، وكردي في الشمال الشرقي، وعلوي في الغرب، وهي مناطق تتمتع بثروات طبيعية ومواقع استراتيجية. وهو ما يضمن للاحتلال الصهيوني محيطاً سياسياً هشاً يعزز مكانته كإمبريالية فرعية مهيمنة في كل منطقة الشرق الأوسط.

ثانياً، القضاء على البنية الاستراتيجية للجيش العربي السوري: منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الأسد، تحرك جيش الاحتلال الإسرائيلي بسرعة لضرب مرابض الطيران السوري ومراكز الأبحاث والمخازن العسكرية الحساسة. ويعكس هذا السلوك العسكري نية واضحة في منع تشكل أي سلطة سورية قادرة على امتلاك وسائل ردع استراتيجية، وبخاصة الطيران والدفاع الجوي. وفي هذا السياق، تأتي الغارات على المطارات العسكرية ومخازن الذخيرة كجزء من سياسة منهجية تهدف إلى إضعاف أي سلطة قادمة ومنعها من امتلاك أدوات القوة التقليدية التي قد تشكل تهديداً مستقبلياً للاحتلال الإسرائيلي.

ثالثاً، فرض وقائع جديدة في الجولان والمنطقة العازلة: كما استغل الاحتلال الإسرائيلي الفوضى الناتجة عن انهيار النظام السابق لتوسع رقعة سيطرتها في الجولان السوري المحتل، متوغلةً في القرى المحاذية للمنطقة العازلة، ومتمركزة في نقاط إستراتيجية، خاصة جبل الشيخ.

رابعاً، إذا كانت الأهداف الثلاثة الرئيسية لتل أبيب في سوريا هي: السيطرة على المناطق الحيوية، تدمير الأسلحة الإستراتيجية، و”حماية الأقليات”، وهي ذريعة تُستخدم سياسياً لتبرير الاعتداءات المستمرة على سوريا، فإنَّ الهدف الرابع يكم في عرقلة التمدد التركي في شمال سوريا، غذ ليس خافياً على أحد قلق الكيان الصهيوني من تزايد النفوذ التركي في الشمال السوري. ووفق تحليلات أمنية، فإن أحد الأهداف الجديدة للعدوان الإسرائيلي هو منع أنقرة من توسيع دائرة تأثيرها في سوريا، خاصة بعد العمليات العسكرية التي نفذتها تركيا في السنوات الأخيرة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويسعى الكيان الصهيوني لمنع أي تشكيل سياسي أو إداري موالٍ لتركيا في جنوب سوريا، خشية أن يتحول إلى ممر إستراتيجي يهدد عمقها الأمني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *