إعرف عدوك

جدل بين اليهود في الولايات المتحدة بشأن سياسة ترامب ضد معاداة السامية

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

وكجزء من هذه السياسة، تمارس الإدارة ضغوطاً على الجامعات لتبني إصلاحات في هذا الصدد، بما في ذلك تخفيضات حادة في تمويل الأبحاث وفرض قيود على قبول الطلاب من الخارج، فضلاً عن محاولات طرد الناشطين المؤيدين للفلسطينيين. وعلى الرغم من اتساع نطاق مشكلة معاداة السامية، فإن ردود أفعال المجتمع اليهودي تجاه استراتيجية إدارة ترامب كانت متناقضة. يتناول هذا المقال أسباب تحفظات المجتمع اليهودي بشأن نهج إدارة ترامب، ويختتم بتوصيات للمسؤولين الإسرائيليين لتجنب الانحياز إلى أي طرف في النقاش السياسي المتنامي في الولايات المتحدة حول ما يحدث في مؤسسات التعليم العالي

تقود إدارة ترامب مبادرات سريعة لتغيير وجه ومؤسسات الولايات المتحدة، ومن أهم هذه المبادرات قمع مظاهر معاداة السامية. تركز سياسة الحكومة لمكافحة معاداة السامية في المقام الأول على مؤسسات التعليم العالي. وشملت الإجراءات المتخذة محاولات طرد الناشطين المؤيدين للفلسطينيين وفرض إصلاحات على الجامعات التي تعتبر معادية للطلاب اليهود والإسرائيليين. وشملت هذه الإجراءات تخفيضات حادة في تمويل الأبحاث، وخاصة في جامعة هارفارد، وجامعة كولومبيا، ومؤسسات النخبة المماثلة؛ حظر منح التأشيرات للطلاب الأجانب للدراسة في جامعة هارفارد؛ وتهديد بفرض ضرائب على أموال الجامعة. وفي إجراء أوسع نطاقا، أعلنت الإدارة عن خطط لمسح حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لأي شخص يتقدم بطلب للحصول على تأشيرة دراسية، ومنع الزوار من 12 دولة مصنفة على أنها تشكل خطراً أمنياً.

وتأتي إجراءات إدارة ترامب لقمع معاداة السامية على خلفية موجة معاداة السامية التي تفشت في أعقاب الحرب التي اندلعت في السابع من ت1، والتي أصبحت عنيفة بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة. في أوائل شهر حزيران، قُتلت امرأة تدعى كارين دايموند وأصيب نحو 12 شخصاً آخرين في تجمع أسبوعي للرهائن المحتجزين في بولدر بولاية كولورادو، على يد مهاجم يحمل قاذف لهب مصنّع. في أيار، قُتل موظّفَا السفارة الإسرائيلية سارة ميلغرام ويارون ليسينسكي في واشنطن العاصمة، خارج فعالية للدبلوماسيين الشباب، على يد مسلح كان يهتف “الحرية لفلسطين”. في نيسان، عشية عيد الفصح، أُضرمت النيران في منزل حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو بينما كانت الأسرة نائمة.

وبحسب رابطة مكافحة التشهير، التي تراقب الحوادث المعادية للسامية، فقد شهد عام 2024 وقوع 6552 حادثة تحرش، و2606 حادثة تخريب، و196 حادثة اعتداء. ويمثل هذا زيادة إجمالية قدرها 344% مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، و893% مقارنة بالسنوات العشر السابقة ولأول مرة في عام 2024، كانت غالبية الحوادث المعادية للسامية (58%) مرتبطة بإسرائيل أو الصهيونية. تجدر الإشارة إلى أن اليهود الأمريكيين والإسرائيليين في الولايات المتحدة أبلغوا عن زيادة في مشاعر انعدام الأمن.

ربما من المدهش، بالنظر إلى حجم المشكلة، أن المنظمات اليهودية الأمريكية التي تقود الحرب ضد معاداة السامية تعرب عن تناقض في موقفها بشأن سياسة الإدارة. ووصف جوناثان غرينبلات، المدير التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير، إجراءات الضغط التي اتخذتها الإدارة على الجامعات بأنها “شجاعة ومهمة”، لكنه في الوقت نفسه انتقد الإدارة لتجاوزها الإجراءات السليمة لترحيل الناشطين المؤيدين للفلسطينيين الذين ليسوا مواطنين أمريكيين. كما حاول تيد دويتش، رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية، وهي منظمة أخرى تحمل لواء الحقوق المدنية، أن يجد طريقه بين الدعم والمعارضة. وفي المنتدى العالمي الذي عقدته المنظمة في شهر نيسان الماضي، أوضح نهج المنظمة بالكلمات التالية:

ندعم الرئيس في استخدام كل أداة قانونية ممكنة لضمان أن تتخذ الجامعات، التي فشلت في حماية الطلاب اليهود بعد 7 ت1، الإجراءات اللازمة لحمايتهم… وفي الوقت نفسه، عندما تُخفّض الحكومة تمويل الجامعات من جانب واحد، بما يُعرّض أبحاثاً حيوية للخطر، أو تسعى لتحقيق أهداف سياسية أخرى تحت ستار مكافحة معاداة السامية، فإنها تُخاطر برد فعل عنيف ضد الجالية اليهودية في أمريكا، وقد رفعنا صوتنا في هذه القضية وسنواصل رفعه.

وأطلقت المنظمات على الجانب الأكثر ليبرالية من الطيف السياسي انتقادات أكثر قسوة. وفي أيار الماضي، أصدر المجلس اليهودي للشؤون العامة، والحركات الإصلاحية والمحافظة، ومجموعات ليبرالية أخرى بيانا مشتركا قال فيه إن تخفيضات إدارة ترامب لتمويل الأبحاث الجامعية وانتهاكات الحقوق المدنية المزعومة تخلق واقعاً أقل أماناً لليهود.

ويبدو أن الجمهور اليهودي منقسم أيضاً بشأن استراتيجية إدارة ترامب لمكافحة معاداة السامية. وفي استطلاع رأي وطني أجري بين اليهود الأمريكيين في أيار، قبل حادثة القتل في واشنطن العاصمة والهجوم في كولورادو، أجاب 62% بأنهم “قلقون للغاية” إزاء معاداة السامية. وهذا رقم مرتفع بالمقارنة التاريخية، على الرغم من أنه يعكس انخفاضاً مقارنة بشهر ت2 2023، بعد وقت قصير من هجوم حماس في 7 ت1، عندما أعرب 79% عن نفس المستوى من القلق. ومع ذلك، فإن أغلب المشاركين اليهود في استطلاع أيار يعتقدون أن سياسات إدارة ترامب من شأنها أن تزيد من معاداة السامية أكثر مما تقلل منها. على سبيل المثال، يعتقد 61% من المشاركين أن “اعتقال وترحيل الناشطين المؤيدين للفلسطينيين المقيمين بشكل قانوني” من شأنه أن يزيد من معاداة السامية، مقارنة بـ 20% ممن اعتقدوا أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تقلل منها. وبالمثل، يعتقد 49% أن “سحب التمويل من الجامعات” من شأنه أن يزيد من معاداة السامية، مقارنة بـ 25% يعتقدون أنه من شأنه أن يقلل منها. وأظهر استطلاع آخر للرأي بين اليهود الأمريكيين أجري في نفس الوقت تقريبا أن 56% منهم يعارضون سياسات الإدارة لمكافحة معاداة السامية، مقارنة بـ 31% أعربوا عن تأييدهم.

التقييم والتوصيات

بعد نصف قرن من الزمان عاش فيه أغلب اليهود الأمريكيين معتقدين أن اضطهاد اليهود أصبح شيئاً من الماضي، فإن الارتفاع الحالي في معاداة السامية ومعاداة إسرائيل يُنظر إليه باعتباره أزمة خطيرة من شأنها أن تزداد سوءاً. لن يُنسى قريباً القتل المعادي للسامية لاثنين من موظفي السفارة في العاصمة والهجوم على المتظاهرين في بولدر. وقد حرصت المؤسسات اليهودية بالفعل على حماية نفسها بشكل جيد من خلال الحراس المسلحين وأجهزة الكشف عن المعادن. قد ترفض الجامعات التدخلات الحكومية، ولكن معظمها يدرك الخوف والتمييز والتكاليف الاجتماعية التي عانى منها الطلاب الإسرائيليون واليهود في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بنهج إدارة ترامب في مكافحة معاداة السامية، يبدو أن اليهود الأمريكيين سيستمرون في التذبذب بين التناقض والمقاومة. وإلى حد ما، تعكس مواقفهم المشاعر الحزبية، حيث يعتبر غالبية اليهود الأمريكيين أنفسهم ديمقراطيين وصوتوا لكامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ومع ذلك، فمن الممكن أن نلاحظ ثلاثة أسباب إضافية لهذا الموقف المتحفظ:

أولاً، يعتقد اليهود الأمريكيون أن إدارة ترامب تسعى إلى إضعاف النظام القانوني والمؤسسي والثقافي الليبرالي الذي لعبوا هم أنفسهم دورا في تأسيسه، والذي سمح للمجتمع اليهودي بالازدهار في المجتمع الأمريكي بفضل نظام قانوني للحقوق المدنية وحماية الأقليات، وفصل الدين عن الدولة، واقتصاد قائم على الجدارة يقدر المعرفة والخبرة المهنية. وليس من قبيل المصادفة أن العديد من رؤساء الجامعات الذين عبروا عن أعلى الأصوات ضد تصرفات الحكومة هم أنفسهم يهود. ويرى العديد من اليهود الأمريكيين أن حملة ترامب ضد معاداة السامية ليست أكثر من ذريعة لهجوم شعبوي على المؤسسات الليبرالية والقيم الثقافية، وبالتالي يرون أن سياسات الإدارة المعادية للسامية تشكل تهديدا لمكانتهم كأقلية صغيرة في مجتمع أبيض مسيحي في الغالب.

ثانياً، يشعر اليهود الأمريكيون بالقلق إزاء معاداة السامية على اليمين بقدر ما يشعرون بالقلق إزاء معاداة السامية على اليسار، ويرى البعض أن الرئيس، وخصوصاً العديد من أنصاره، يساهمون في تمكين هذا النوع من معاداة السامية. وعلى الرغم من أن ابنته وأحفاده اليهود، فقد كان يُنظر إلى ترامب في كثير من الأحيان على أنه يرسل إشارات الموافقة على معاداة السامية، على سبيل المثال، عندما وصف المتظاهرين النازيين الجدد في شارلوتسفيل بأنهم “أشخاص طيبون للغاية”، أو عندما استضاف أحد منكري الهولوكوست المعروفين في مار إيه لاغو خلال حملته الانتخابية. وزعم ترامب أيضاً أن اليهود الذين يواصلون دعم الديمقراطيين ليسوا مخلصين لإسرائيل، ووصف السيناتور تشاك شومر – زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي وأعلى مسؤول يهودي منتخب، والذي انتهى للتو من كتابة كتاب عن معاداة السامية – بأنه “لم يعد يهودياً… بل فلسطينياً”.

وأخيراً، وبناء على كلمات تيد دويتش من اللجنة اليهودية الأمريكية، فإن العديد من اليهود الأمريكيين يخشون ردة الفعل العنيفة. إنهم يخشون أن تؤدي حركة البندول إلى زيادة معاداة السامية وإلقاء اللوم على اليهود في تدمير الجامعات، وقمع حرية التعبير، أو مهاجمة الجمهور الليبرالي. ومن بين المخاوف الأخرى التي تنتاب بعض أعضاء المجتمع اليهودي أنه في ظل المناخ السياسي المستقطب الحالي في الولايات المتحدة، قد يتم تصنيف مكافحة معاداة السامية على أنها مشكلة “جمهورية”، ما قد يدفع إدارة ديمقراطية مستقبلية إلى التراجع عن سياسات إدارة ترامب. وقد يكون هذا التراجع بسيطا نسبيا لأن معظم تحركات ترامب تتم بأمر رئاسي وليس من خلال التشريع، ما يجعلها مفتوحة للتراجع عنها من قبل الرؤساء المستقبليين، كما فعل ترامب نفسه مع بعض سياسات بايدن.

على مر السنين، أعربت إسرائيل عن قلقها إزاء مظاهر معاداة الصهيونية ومعاداة السامية في الجامعات، وعملت ضدها بالتعاون مع المنظمات التي تحارب النشاط المؤيد للفلسطينيين والمعادي لإسرائيل. في هذه الأيام، وبينما تعمل الحكومة الإسرائيلية على صياغة موقفها بشأن مكافحة معاداة السامية في الخارج، يتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار مواقف اليهود الأمريكيين، الذين يشعرون بالقلق إزاء الدور الذي تلعبه مزاعم معاداة السامية في المناقشات السياسية في الولايات المتحدة في هذا الوقت. وبسبب القلق بشأن القيم الليبرالية، والخوف من التعصب الحزبي المتطرف وردود الفعل العنيفة، يجد العديد من اليهود أنفسهم يعارضون الإجراءات التي يُفترض أنها تهدف إلى مكافحة معاداة السامية.

يتعين على المسؤولين الإسرائيليين في وزارة الخارجية، ووزارة شؤون الشتات، ومكتب رئيس الوزراء، الاستماع إلى مواقف المنظمات اليهودية المؤسسية، والحركات الدينية الرئيسية، والجمهور اليهودي الأمريكي ككل، عند صياغة ردهم على سياسة إدارة ترامب بشأن معاداة السامية. كلما أصبح النضال ضد معاداة السامية في الجامعات أكثر سياسية، وكلما أصبح متشابكا بشكل أعمق مع الصراع العام حول الاتجاه الذي تسلكه الولايات المتحدة كدولة، كان من الأفضل لإسرائيل أن تتجنب، قدر الإمكان، أن يُنظر إليها على أنها تدعم أو تشجع تحركات الإدارة ضد نظام التعليم العالي، وخصوصاً عندما يتم اتخاذ هذه التحركات، جزئيا على الأقل، باسمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *