إقليميات

تَهدِيدات أَمريكية وإِسرائيلية وإِيران تستعِدّ

بقلم زينب عدنان زراقط

هل التزمت إسرائيل بوقف حرب الـ 12 يوماً مع إيران؟ وهل من بوادر لإنهائها حرب غزة؟.

من خلال تصريحات دونالد ترامب في اسكوتلندا التي حذر فيها من إشارات سلبية قادمة من إيران، مشيراً إلى استعداد أمريكا لضرب إيران مجدداً إذا لزم الأمر، إلى التزامن مع تهديداتٍ حادة من وزير الدفاع الإسرائيلي ضد المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي، يعكس تصعيداً غير مسبوق في الخطاب العسكري والسياسي تجاه إيران. هذا التصعيد يعكس قلق الطرفين من التقدم الإيراني في المجال النووي والتكنولوجي العسكري، ويجعل من الملف الإيراني نقطة توتر مركزية في الشرق الأوسط. 

فقد قال الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع خلال زيارته إلى أسكوتلندا لإبرام اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، “أعتقد أن إيران أقحمت نفسها في المفاوضات الأخيرة بشأن غزة لكم أن تتخيلوا حجم الضربات التي تلقتها لقد تخلّصنا من قدراتها النووية قمنا بذلك بسرعة كبيرة ونحن مستعدون لضربها مجدداً لو اضطررنا لذلك، إيران تبعث بإشارات سلبية للغاية ولا ينبغي أن تقوم بذلك”. بينما ألقت صحيفة واشنطن بوست الضوء على احتجاجات الأسكتلنديين على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبلادهم، حيث يمكث في منتجعه للغولف بتيرنبيري في رحلة خاصة تستمر 5 أيام وتتخللها لقاءات مع مسؤولين أوروبيين. حيث استقبله المحتجون بالسخرية اللاذعة والعبارات الأسكتلندية الحادة وموسيقى القرب Bagpipe وشعارات الحرية لفلسطين، وفقاً للصحيفة.

جاءت تصريحات ترامب بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قاعدة “رامون” الجوية، يوم الأحد 27 يوليو/ تموز، ليوجّه هو الآخر تحذيراً مباشراً إلى السيد علي الخامنئي، مُتجاوزاً حدود الأدبيات اللغوية والتّمرّد في قوله، “… إن أيدينا الطويلة ستصل مرة أخرى، وبقوة أكبر، إلى طهران وإليك شخصياً. لا تهددوا، كي لا تتعرضوا للضرر”… وفقاً لصحيفة معاريف.

يكمن منشأ هذه التصريحات الحادة والاستعدادات العسكرية المكثفة التي تشير إلى أن المنطقة قد تكون على أعتاب مواجهة جديدة، خصوصاً بعد تزايد الدعم الروسي والصيني لإيران. في الوقت ذاته، هناك محاولات دبلوماسية لمنع التصعيد، لكنها تبدو غير فعالة في ظل التوترات المتفاقمة.

أولاً، إنَّ استمرار إيران بتمسّكها في متابعة برنامجها النووي نقلاً عمّا صرّح به الرئيس “بزكشيان” أنه “الحديث عن إنهاء برنامج إيران النووي هو وهْم” وسوف يستمرّون بالتخصيب على أراضيهم. كذلك أعلن وزير الخارجية “عراقجي” أن إيران لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم. وذلك ما أغضب “ترامب” وهدّد إيران علناً بإعادة ضرب مفاعلاتها النووية إذا ما استأنفت عملها بالكامل.

ثانياً، إنَّ الاستعدادات والتطورات التقنية والعسكرية الإيرانية التي تقوم بها تثير قلق “واشنطن” و “تل أبيب”. من حصول “طهران” على منظومة إس -400 الروسية، وهي منظومة متقدمة للدفاع الجوي، التي تُشكل تهديداً كبيراً لقدرات إسرائيل وأمريكا الجوية. إلى محاولات التشويش على نظام GPS ما يعني أن الجمهورية الإسلامية تسعى لتعطيل القدرات العسكرية المعتمدة على الملاحة الدقيقة، ما يرفع مستوى التهديدات في المنطقة، كذلك تسعى إلى إنشاء شبكة إنترنت خاصة بها بدعم صيني. بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية الإيرانية الداخلية من حظر استخدام تطبيق واتساب بين المسؤولين وهذا يُبين الحيطة والحذر تخوّفاً من التجسس والاختراق، وهو مؤشر على التأهّب واتخاذ أعلى درجات الحماية الأمنية تحسباً لأي عدوان. واللافت هو أنه ليست إيران هي أول من حظرت استخدام تطبيق التواصل هذا، بل منع مجلس النواب الأمريكي من استخدامه على جميع أجهزته الرسمية.

على الرغم من كل تدابير إيران الأمنية والعسكرية، تكمن سلسلة من الانفجارات الغامضة التي تحدث في مناطق سكنية من شقق ومحلات ومرافق صناعية في إيران مثل “مصفاة للغاز”، والتي ينسبها الخبراء والمحللين إلى عمليات تخريبية ينفذها عملاء جهاز الموساد الإسرائيلي من مُخلّفات من تبقّى منهم. تكتيك الاستنزاف الإسرائيلي عبر الموساد من الانفجارات المتكررة في إيران ليست مجرد حوادث عادية بل عمليات تخريبية ممنهجة تهدف إلى إضعاف القدرات الاقتصادية والعسكرية الإيرانية دون إعلان حرب رسمية. هذا النوع من الحرب السرية يعكس توجهاً جديداً في الصراع الإقليمي حيث يتم استهداف البنية التحتية الحيوية بشكل مستمر مع حرص على تجنب تصعيد مباشر. 

كذلك تجدر الإشارة إلى محاولات بعض السفن الأمريكية دخول المياه الإقليمية الإيرانية، ما يعكس استمرار التوترات بين الجانبين. ويتزامن التأهّب الإيراني مع استعداد الأمريكي والإسرائيلي لحرب محتملة، من خلال زيادة إنتاج الصواريخ وإعادة تخزين الذخيرة، خصوصاً منظومة الدفاع ثاد، تُظهر أن الطرفين يستعدان لحرب طويلة ومعقدة، ويأخذان درس الحرب الأخيرة بجدية، ما يشير إلى أنه إذا كانت هناك مواجهة قادمة فقد تكون أكثر توسعاً وأثراً. 

ما يجب الإشارة إليه هو أن إيران بالطبع لا تغضّ الطرف عن الاعتداءات الصهيونية. في الوقت نفسه من اندلاع سلسلة التفجيرات تلك، قصف الحوثيون مطار “بن غوريون” الإسرائيلي وأخرجوه عن العمل. واليمنيون أنفسهم أشادوا بالدعم الإيراني الشامل لهم، وبالتالي الهجمات غير المباشرة “تغلي” بين الطرفين وهي على “فوهة بركان”.

عدم إعلان الحرب الرسمية على الرغم من التصعيد في الصراع القائم بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة يَظهر بشكل غير مباشر عبر العمليات الاستخباراتية والهجمات المحدودة، ما يشير إلى رغبة جميع الأطراف في تجنّب حرب شاملة لكن استمرار هذه المواجهة الخفية تضعف استقرار المنطقة.

إسرائيل تتوسّع في فلسطين

في الختام، إسرائيل تلعب بالنار على كل الجبهات إن كان في إيران أو سوريا أو لبان وإلى غزة التي لا تريد إنهاء الحرب فيها بعد ما يقارب العامين، حتى من لم يمت بالرصاص اليوم يموت من العطش والجوع. ويمعنون بالتوسع من خلال قرار الكنيست الإسرائيلي بضم الضفة الغربية رسمياً وإنهاء اتفاق أوسلو، ما يمثّل تطوراً خطيراً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويعني عملياً إلغاء أي أمل في حل الدولتين عبر اتفاق أوسلو. إلى الخذلان العربي والتآمر وآخر الأفعال الناقصة منهم كانت عبر مؤامرة إماراتية وأردنية بالتنسيق مع إسرائيل لإيهام العالم بوصول مساعدات لغزة عبر إنزال جوي وهمي، حيث كانت الشاحنات فارغة والمساعدات تسقط في مناطق محظورة على الفلسطينيين، بهدف التغطية على أزمة المجاعة في القطاع. هذا التلاعب بالمساعدات الإنسانية يكشف عن الاستغلال السياسي للأزمة الإنسانية من قِبل الإمارات والأردن في تقديم المساعدات لغزة عبر استخدام شاحنات فارغة لتضليل المجتمع الدولي يفضح النوايا الحقيقية ويزيد من معاناة الفلسطينيين الذين يعانون من حصار خانق ومجاعة متفشية. 

ويستمر الإمعان الإسرائيلي بالتوسع والتهويد عبر نقل الاحتلال صلاحيات الإشراف على الحرم الإبراهيمي من بلدية الخليل والأوقاف الإسلامية، إلى “المجلس الديني اليهودي” ولا شيء يمنعهم من أن يكون المسجد الأقصى هو التالي في مسار التهويد، في ظل هذا الخذلان العربي والسكوت الإمعان على مساعدة الإسرائيلي في حصارهم.

أخيراً، هل تتدخل أمريكا مجدداً، عسكرياً، لتغيّر التكتيك الإسرائيلي من الموت البطيء على كل الجبهات لحسم المعارك، أم ستبقى المنطقة عرضةً لمناوشات وجبهات مفتوحة؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *