دوليات

غزة تقسم الجمهوريين.. تمرد في أوساط الشباب ومطالبات بإعادة النظر في سياسة الدعم المطلق للعدو

بقلم ابتسام الشامي

وعبر حركة متصاعدة من الانتقاد والمقاطعة بأشكالها المختلفة، تتزايد ضغوط الرأي العام الغربي على الحكومات لتعديل موقفها من الحرب الإبادية الإسرائيلية ضد قطاع غزة.

انقسامات داخل تيار ماغا

على وقع المجازر الإسرائيلية اليومية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة وارتفاع أعداد ضحايا التجويع المتعمد لاسيما من الأطفال، تزداد الصورة الإسرائيلية سوءاً في أوساط الرأي العام الغربي، وتتسع دائرة الانتقاد لجرائم الاحتلال ومقاطعته، والدعوات المطالبة بتفعيل كل أوراق الضغط السياسية والعسكرية ضد تل أبيب لوقف حربها الإبادية. ومع تعاظم قوة الحراك ضد استمرار الحرب، اتخذت عدد من الدول الأوروبية خطوات سياسية لدفع العدو إلى وقفها، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي ما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حراكاً مماثلاً متصاعداً في الشارع وكذلك في صروح أهم الجامعات الأمريكية، فإن إقدام الإدارة الأمريكية على قمع الاصوات الرافضة لجرائم العدو ومحاسبتها بالطرد من جامعاتها ووظائفها، لم تنجح في إسكاتها، وهي إذ اخترقت الكتل الصلبة المؤيدة لكيان العدو في الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء، فإنها بلغت مرحلة حساسة في أوساط الأخيرة محدثة شرخاً عميقاً في ما يعرف بتيار “ماغا” المؤيد للرئيس الأمريكي.

التيار الذي نشأ في إطار حملة ترامب الانتخابية عام 2016، تحت شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً”، وتحول إلى حركة واسعة تضم مؤيدين لترامب من الطبقات الاجتماعية والثقافية كافة بهدف إعادة تشكيل السياسات الأمريكية، لم يعد كما كان عليه من الزخم والانتظام خلف سياسة ترامب، والحديث في الإعلام الأمريكي عن انقسام حاد يضرب أركانه بفعل الحرب الإبادية الإسرائيلية ضد قطاع غزة التي تحظى بتأييد أمريكي مطلق.

وبحسب “أكسيوس” فإن الحزب الجمهوري يواجه تمرداً داخلياً بين صفوف شبابه، الذين باتوا يرفضون المساعدات الخارجية ويشككون في جدوى التحالف مع إسرائيل تحت شعار “أمريكا أولاً”، ولقد تعاظمت حركة الرفض هذه في ضوء مشاهد المجازر وضحايا الجوع من الأطفال وكبار السن، مضافاً إليها استهداف كنيسة مسيحية في غزة، الأمر الذي أحدث موجة رفض عارمة في أوساط الشباب، وصلت إلى حد وصف نائبة “ماغا” البارزة، مارغوري تايلور غرين، الحرب على غزة بـ “الإبادة الجماعية”.

وفي توصيفه لما يجري في أوساط حزب الرئيس وتياره العريض، يقول موقع “أكسيوس” إن الحزب الجمهوري، الداعم التقليدي لإسرائيل، يسارع لاحتواء تمرد داخلي بين أوساط شبابية في حركة “ماغا” حول المساعدات الخارجية ومعاداة السامية، ومعنى شعار أمريكا أولاً”. مشيراً إلى أن مشاهد المجاعة في غزة جعلت من حركة “ماغا”، مركزاً غير متوقع لإعادة النظر في علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل. ووفقاً لتقدير الموقع الأمريكي، فإن إعادة ترتيب أولويات الحزب الجمهوري، بالتوازي مع رفض الديمقراطيين الواسع للحرب في غزة، قد يؤدي إلى تهديد أساسي لمستقبل التحالف الأمريكي مع “إسرائيل” المستمر منذ عقود، وتزايد خلافات ترامب الذي يوصف بأنه أكثر رئيس أمريكي مؤيد لـ “إسرائيل” مع أنصاره من الشباب.

ترامب قلق على قاعدته الانتخابية

بدورها مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، كانت قد رصدت أواخر الشهر الماضي ما قالت إنها مؤشرات على إدارة حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” ظهرها لـ “إسرائيل”. وتحدثت عن تقديرات أمريكية تحذر ترامب من أنه “قد يخسر قاعدته الانتخابية”، بسبب تصرفات “إسرائيل” التي تجر أمريكا لاتجاه يخالف برنامج الرئيس الانتخابي الذي دعموه على أساسه. مشيرة في هذا السياق إلى صعود جناح صاخب من قاعدة ماغا ينتقد “إسرائيل” بشدة، بما يتعارض مع الجمهوريين التقليديين، الذين يعدون العلاقة الثنائية معها مقدسة وغالباً ما يمتنعون عن انتقاد حليفهم الوثيق في الشرق الأوسط. وكتبت المجلة الأمريكية أن تيار “ماغا ينتقد إسرائيل بشدة، على عكس ما يعلنه ترامب من التزام إدارته بمواصلة الدفاع عنها، بسبب جرها واشنطن إلى الحروب، وتغييرها عقيدته الانتخابية، واستنزاف أمريكا مالياً”.

وفي مقابل صعود جناح صاخب من القاعدة المؤيدة للرئيس الأمريكي، تشير مجلة “بوليتيكو” إلى وجود فريق آخر من الجمهوريين في مبنى الكابيتول هيل، من الموالين لهذا التيار لا يزالون يدعمون إسرائيل، لكن “مع ذلك، يزداد الإحباط داخل الجناح اليميني للحزب الجمهوري بسبب حرب غزة، بمنطق أن جرائم الحرب هناك ضارة سياسياً للرئيس ترامب ووصمة عار أخلاقية على سمعة أمريكا”.

وتتوقف المجلة عند ما تجده أقوى المؤشرات على التحول في قاعدة ترامب، وهو موقف تايلور، التي انتقدت في تغريدة زميلها الجمهوري في مجلس النواب راندي فاين من فلوريدا قائلة “إن الإبادة الجماعية والأزمة الإنسانية والمجاعة في غزة مروعة بقدر هجمات 7 أكتوبر”، وانتقدت أيضاً تمويل أمريكا لحروب إسرائيل. وقالت: هناك أطفال يتضورون جوعاً في غزة، وقد قُتل وجُرح مسيحيون، إلى جانب العديد من الأبرياء، وإذا كنت مسيحياً أمريكياً، فيجب أن يكون هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة لك”.

وتساءلت: لماذا ينبغي على أمريكا أن تواصل تمويل هذا الوضع؟ مضيفة “كثير منا، لم نعد نرغب في تمويل أو خوض حروب إسرائيل العلمانية، المسلحة نووياً، خصوصاً حين يؤدي ذلك إلى تجويع الأطفال وقتل الأبرياء، بمن فيهم المسيحيون”. وقالت “لقد سئمنا تماماً من أن يُطلب منا دائما أن نُصلح مشكلات العالم، وأن نموّل حلها، وأن نقاتل في حروبهم، بينما الأمريكيون يعانون للبقاء على قيد الحياة على الرغم من أنهم يعملون كل يوم”.

ومن الدلالات الأخرى على توسع الشرخ في اوساط الكتلة المؤيدة لترامب، موقف النائب الجمهوري السابق مات غيتز، والمستشار السابق لترامب ستيف بانون، اللذين حذرا من أن هذه القضية تشكل عبئاً سياسياً على الإدارة الأمريكية. وقد نقلت مجلة بوليتيكو عن بانون قوله “يبدو أن إسرائيل لا تحظى بأي دعم يُذكر تقريباً بين مؤيدي تيار ماغا، الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما”.

تغير في النظر الأمريكية لتل ابيب

الى ذلك نشرت شبكة “سي إن إن”، ما وصفتها بالتحذيرات المتتالية من أن “إسرائيل تلحق ضرراً دائماً بمكانتها لدى الولايات المتحدة”. وعرضت الشبكة في تقرير لها حول الموضوع نهاية الشهر الماضي، نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب بيّن أن 6 من كل 10 أمريكيين، أي نسبة 32 ٪، لا يوافقون على العمليات العدوانية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وعلى الرغم من أن الشبكة أوضحت أن 70% من الجمهوريين يدعمون الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أنها أشارت مع ذلك إلى أن التحول في الرأي العام(الأمريكي) جعل بعض الأعضاء الرئيسين في تيار ترامب يتساءلون بصوت عالٍ عما “إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تستمر في دعم إسرائيل”.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عن نواب في الكونغرس قولهم إن “إسرائيل تخسر معركة الرأي العام العالمي”، والخسائر الفادحة في صفوف الفلسطينيين “تقوض مكانتها في العالم”. حتى أن ترامب نفسه أطلق تصريحاً لافتاً عندما وصف ما يحصل في غزة بأنه “مفجع وعار وكارثي”، في إشارة إلى سياسة التجويع المتعمدة.

وفي سياق متصل، أشار استطلاع أجراه “مركز بيو للأبحاث” في نهاية آذار الماضي، إلى انقسام بين الأجيال بشأن النظرة إلى “إسرائيل”. فمن بين مؤيدي الجمهوريين الذين شملهم الاستطلاع، عبّر 50% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عاماً عن رأي سلبي تجاه “إسرائيل”، مقارنة بـ 23% فقط من الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكثر.

وكان لافتاً للانتباه ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز من تسريب لكلام ترامب خلال لقاء خاص مع أحد المتبرعين اليهود الداعمين لحملته الانتخابية، تحدث فيه عن “تآكل الدعم الشعبي التقليدي للحليف الإقليمي”. وفي إشارة إلى إسرائيل قال ترامب: “أنصاري بدأوا يُغيرون نظرتهم، وهذا تطور لافت”.

وبينما يعكس مؤشرات عن تحولات عميقة في الأوساط الأمريكية اتجاه الكيان الصهيوني، أوصى مركز هيريتدج فاونديشن المحافظ للدراسات واشنطن بـ “تحويل علاقتها مع إسرائيل” نحو “شراكة إستراتيجية متكافئة”.

خاتمة

بعد ما تجندت الدول الغربية خلف العدو في حربه العدوانية على قطاع غزة، تفرض مظلومية غزة اليوم على هؤلاء إعادة التفكير بتموضعهم السياسي إلى جانب الكيان، وأخذ مسافة من جرائمه التي لم تعد الحكومات قادرة على التغاضي عنها فضلاً عن تبريرها، في ظل حالة من تنامي الوعي لدى الرأي العام العالمي، بحقيقة “إسرائيل” الإرهابية وخطرها على الأمن العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *